لنقُل بحذر إن كل الأساطير التى رُويت لنا عن عدد من الساحات تتحطم فى هذه الفترة، لكن فى الضفة الغربية أكثر من أى مكان آخر، قيل لنا إن دخول مخيمات اللاجئين ممنوع لأنه قد يؤدى إلى اندلاع انتفاضة وقتل جنود وتفجير حافلات فى قلب البلد، وقيل لنا إن هدم المنازل داخل المخيمات سيثير ردات فعل فى العالم تؤدى إلى عزل إسرائيل داخل المجتمع الدولى، وقيل لنا أيضًا إن الدخول المنتظم إلى المخيمات سيؤدى إلى مواجهات متكررة، ويُثقل كاهل قوات الجيش الإسرائيلى، ويتسبب بانعدام الهدوء.لم يدخل جيش الاحتلال الإسرائيلى إلى مخيمات اللاجئين منذ فترة طويلة بسبب الخوف من ردة فعل «حماس» من قطاع غزة. إن «وحدة الساحات» التى أقدم عليها يحيى السنوار أصابت أروقة صنّاع القرار بالشلل. حتى ذلك الحين، أنشأ المسلحون فى مخيمات اللاجئين ميليشيات حقيقية، وحوّلوا أزقة المخيمات إلى مواقع محصّنة.وكان الدخول إلى المخيم يتطلب آلاف الجنود، ومعدات ثقيلة، وتحركًا بطيئًا ومعقدًا. هذا ما حدث فى عملية «بيت وجنة»، التى كشفت مدى تخلُّف إسرائيل ميدانيًا أمام «الإرهاب».قيل لنا إن «الإرهاب» الشعبى فى الضفة الغربية قدر محتوم، لكن الواقع الحالى وعملية «الجدار الحديدى» التى يقودها قائد القيادة الوسطى، اللواء آفى بلوط، بالتعاون مع مقاتلى ومقاتلات الشاباك، أثبتا للجمهور، وكذلك لكبار المسئولين فى المنظومة الأمنية، أن هناك بديلاً ممكنًا. تُظهر أرقام المنظومة الأمنية واقعًا يستحق التأمل: فى شهر يونيو، تم تسجيل أدنى عدد من حوادث «الإرهاب الشعبى» منذ بدء الحرب: 61 حادثة فقط. للمقارنة: فى أكتوبر 2023، بلغ عدد الحوادث 386 خلال الشهر ذاته، ومنذ ذلك الحين (باستثناء ديسمبر 2024)، هناك انخفاض مستمر فى الأعداد، من المئات إلى العشرات.إن الجيش الإسرائيلى موجود منذ أشهر داخل مخيمات اللاجئين فى شمال الضفة الغربية، ويعمل على إعادة تشكيل الواقع، كذلك يحبط الشاباك والقيادة الوسطى عمليات وهجمات، وقد أُنشئت الفرقة الشرقية بين ليلة وضحاها، وتجلّى التنسيق الأمنى مع السلطة فى عملية «الأسد الصاعد»، فى ذروته.هذه الأمور كلها لا تحدث من فراغ، بل ترافقها دفعة استيطانية تاريخية يقودها وزير المالية والوزير فى وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش. لم يعد البناء فى المستوطنات كلمة محرّمة، ولم يعد يُعتبر متعارضًا مع الأمن. هذا التغيير الأمنى يترافق مع مستويات بناء غير مسبوقة فى الضفة الغربية. وبالأرقام، الأمر صارخ: فى سنة 2023، تم الترويج لمصلحة 3012 وحدة سكنية، وفى سنة 2024، كان هناك 12.833، وحتى الآن، فى سنة 2025، يتم الترويج لمصلحة 19.647 وحدة سكنية.الجمهور فى الضفة الغربية مجنّد للقتال فى جبهات الجنوب والشمال، ويعمل من أجل التغيير، لكن التغيير الأكثر دراماتيكيةً يحدث فى بيته. إذ يجد المستوطنون فى الضفة الغربية أنفسهم أمام لحظة تاريخية، وصلوا إليها، وهم مستعدون. سموتريتش وستروك وبن غفير وسوخوت وبؤرون وآخرون، الذين خرجوا من قلب المشروع الاستيطانى، يعرفون كيف تعمل المنظومة، بل أكثر من ذلك، كيف يجب أن تعمل فى نظرهم. فبعد أن أعاد سموتريتش تشكيل الإدارة المدنية وفق رؤيته، قام أيضًا بإعادة تشكيل مجلس المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، ووضع فيه رجاله، ومعاً يركزون الجهد ويحققون الإنجاز تلو الآخر. وبات رؤساء المجالس، وبعد أعوام من الصراعات الداخلية، يصطفون خلف هذه التحركات.فى موازاة ذلك، يعمل قادة المستوطنين على بلورة خطاب سياسى، بكل معنى الكلمة، ويلتقون زعماء محليين، ويحاولون خلق بديل. فقط سمعنا عن رغبة شيوخ فلسطينيين فى الخليل فى إقامة «إمارة» خاصة بهم، إلى جانب الاعتراف بدولة يهودية. هذه التطورات لم تحدث من فراغ، بل هى نتيجة محادثات مع رؤساء مجالس فى الضفة الغربية، مثل يوسى داغان وإسرائيل جانتس وآخرين، وكذلك مع وزراء فى حزب الليكود، مثل نير بركات.بعد مرور عشرين عامًا على الإخلاء المؤلم [خطة الانفصال عن قطاع غزة] الذى شهدته الصهيونية الدينية وجمهور المستوطنين، يبدو كأن الثورة اكتملت. إن العودة إلى «سانور» و«حوميش» تحمل رسالة عناد، وعملاً شاقًا، وأيديولوجيا. والآن، عشية سفر نتنياهو إلى الولايات المتحدة، يبدو كأن السيادة لم تعُد خيالاً.
إليشع بن كيمونيديعوت أحرونوتمؤسسة الدراسات الفلسطينية
مقالات اليوم جميل مطر تساؤلات عن الحال بعد قصف إيران حسن المستكاوي بيدرو يقول لكم: يسقط الانسجام! عماد الدين حسين شركات المحمول.. هل لديها بنية تحتية مستقلة؟ أحمد فاضل يعقوب هل تملك إسرائيل قدرة تكنولوجية تمكنها أن تجبر دولًا على الركوع والاستسلام؟ قضايا اقتصادية صناعة النفط الروسية تتجه للقطب الشمالى
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك