x قد يعجبك أيضا

دوافع ونتائج الحرب الإسرائيلية على إيران

الثلاثاء 8 يوليه 2025 - 9:00 م

 

لقد اتسمت الحرب الإسرائيلية على إيران بعدة سمات ميزتها عن غيرها من الحروب السابقة والحالية فى الشرق الأوسط. فقد أحاط بالإعداد للهجوم الإسرائيلى على إيران خطة خداع أمريكية إسرائيلية انطلت على طهران؛ تمثلت فى المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف النووى الإيرانى، وتصريحات الرئيس ترامب بأن إسرائيل لن تعتدى على إيران طالما المفاوضات مستمرة، وحدث العدوان الإسرائيلى على إيران قبيل يومين من موعد الجولة السادسة من المفاوضات، بدعوى أن مهلة الستين يومًا التى قررها ترامب للتوصل إلى اتفاق مع إيران قد انتهت! وإظهار أن ثمة خلافات حادة بين ترامب ونتنياهو، وإظهار أن واشنطن اتفقت على وقف الاشتباكات مع الحوثيين فى اليمن دون إشراك إسرائيل. وفجأة عشية العدوان الإسرائيلى يقدم مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا يتهم إيران بالخروج على بنود اتفاقية عدم الانتشار النووى سواء فى التخصيب أو التفتيش ويصدر قرار من الوكالة بذلك ليكون ورقة توت لتغطية العدوان الإسرائيلى على إيران.

وقد أعلنت إسرائيل أن أهداف عدوانها تصفية البرنامج النووى الإيرانى الذى يمثل خطرًا وجوديًا عليها، وإضعاف القوة العسكرية الإيرانية بضرب منصات إطلاق الصواريخ ومصانعها واغتيال القيادات العسكرية وعلماء فى الطاقة النووية، والعمل على إسقاط النظام الإيرانى ولو اقتضى ذلك اغتيال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى، واستكمال تغيير خريطة الشرق الأوسط كما تريد إسرائيل.

كان العدوان الإسرائيلى مباغتًا وموجعًا فى نتائجه، خاصة بالاغتيال وتدمير شبكات صواريخ الدفاع الجوى ضد الطائرات الإسرائيلية المغيرة، وإعلان القادة الإسرائيليون أن سماء إيران أصبحت مفتوحة أمامهم لضرب المنشآت النووية والعسكرية والأمنية بلا عوائق. وامتدح الرئيس ترامب الضربة العسكرية الإسرائيلية وطالب إيران بالاستسلام وأنه لم يعد أمامها غيره، وأنه منع اغتيال المرشد الأعلى على خامنئى، وأن على إيران العودة للمفاوضات بالشروط المفروضة وأهمها عدم حقها فى تخصيب اليورانيوم الذى يمكن أن تحصل على احتياجاتها منه للأغراض السلمية من الخارج.

• • •

استجمعت إيران قواها وخرجت من صدمة مفاجأة العدوان الإسرائيلى ونتائجه خلال نحو ثمانية عشر ساعة وبدأت بالرد بضربات صاروخية وطائرات مسيرة على المدن الإسرائيلية، خاصة تل أبيب وعسقلان وحيفا وغيرها، ملحقة أضرارًا كبيرة بعدة منشآت عسكرية ومرافق عامة ومواقع إسرائيلية مهمة، ولم تمنعها القبة الحديدية ولا مضادات الصواريخ والمسيرات فى القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة فى المنطقة بما فيها القاعدة الأمريكية فى صحراء النقب فى إسرائيل والتى تم تحديثها فى عام 2020 وما بعده والمخصصة لصد أى هجوم بالصواريخ أو الطيران الحربى على إسرائيل قادم من الشرق سواء من إيران أو غيرها. كما قدمت الولايات المتحدة كل الدعم اللوجستى والمعلوماتى والمخابراتى لإسرائيل، سواء من خلال عملائها فى المنطقة وفى إيران ذاتها، أو من خلال الأقمار الصناعية والقواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة.

أدت الضربات الإيرانية إلى إغلاق المجال الجوى فى إسرائيل، وعدم كفاية سعة المخابئ لاستيعاب السكان الذين يلجأون إليها معظم أوقات الليل والنهار خوفًا من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، وإعلان حالة الطوارئ واستدعاء معظم احتياطى الجيش الإسرائيلى. وإصابة الحياة العامة فى إسرائيل بحالة من الاضطراب وتوقف العمل لساعات طويلة. وتحمل إسرائيل أعباء مالية واقتصادية ضخمة سواء بتكلفة الحرب أو بتعطيل العمل أو بطلبات التعويضات عن الأضرار والخسائر غير المسبوقة والتى لم تشهد إسرائيل مثيلًا لها منذ عام 1948. وأصبح الموقف فى إسرائيل لا يطاق للفروق الاستراتيجية الكبيرة بين إيران وإسرائيل، حيث تمتد إيران على مساحة 1,6 مليون كم2 وعدد سكانها نحو 92 مليون نسمة وتنتج صواريخها ومسيراتها، بينما مساحة إسرائيل نحو 22 ألف كم 2 وعدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة منهم 2 مليون فلسطينى، أى أنها ليس لها عمق استراتيجى ولا عمق سكانى مثل إيران التى لم تغلق أعمالها إلا فى أضيق الحدود فى الأماكن التى أصابها العدوان الإسرائيلى. وقد تكون إيران منيت بخسائر كبيرة فى المنشآت والبشر، لكن المسألة نسبية عند المقارنة مع خسائر إسرائيل.

 وقد استدعى الأمر تدخل عسكرى جوى أمريكى مباشر بقنابل عميقة التدمير ضربت مفاعلات فوردو، ونطنز، وأصفهان، وقد ردت إيران عليها بضربة محسوبة ومتفق عليها لقاعدة العديد الأمريكية فى قطر. وأعلن بعدها ترامب وقف إطلاق النار، بالاتفاق مع كل من إسرائيل وإيران. واستجيب لشرط إيران بأن توقف إسرائيل عدوانها حتى توقف إيران ردودها عليه.

• • •

أظهرت هذه الحرب السريعة عدة أمور مهمة بالنسبة للأطراف المتحاربة، فعلى الجانب الإسرائيلى الأمريكى اتضح عدم تحقيق أهداف إسرائيل المعلنة، حيث يقول الخبراء النوويون الدوليون والإيرانيون أن المفاعلات النووية الإيرانية أصيبت بأضرار بعضها كبير ولكنها لم تدمر بالكامل، وأن بإمكان إيران استئناف تخصيب اليورانيوم خلال أشهر، بينما يؤكد ترامب ونتنياهو القضاء عليها. كما أن صناعة ومنصات إطلاق الصواريخ الإيرانية والمسيرات ظلت تعمل حتى بعد وقف إطلاق النار، ويتوعد القادة العسكريون الإيرانيون بضرب إسرائيل والقواعد الأمريكية إذا عادت للعدوان عليها. ولم يسقط النظام الإيرانى أو يستسلم وتمسك بحقه فى تخصيب اليورانيوم وفقًا لاتفاقية منع الانتشار، وأوقف تعاونه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعدم حمايتها البرنامج النووى الإيرانى السلمى وأن عودة التعاون معها مرتبط بتحقيق هذه الحماية، واتهمت مدير الوكالة رافائيل جروسى بعدم النزاهة مع رفض التعاون معه. كما اتضح أن إسرائيل لا تقدر على مواجهة إيران حتى مع المساعدات الأمريكية الكبيرة، الأمر الذى استدعى تدخلًا عسكريًا أمريكيًا مباشرًا ومحدودًا خشية ردود أفعال إيران وأذرعها على القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية فى المنطقة، وفى انتظار موافقة إيران على العودة إلى المفاوضات. كما اتضح عدم قدرة إسرائيل على احتمال ضربات صاروخية متتالية ولفترة طويلة على الداخل الإسرائيلى بهذه الكثافة لأول مرة، وأنها بحاجة إلى تحديث وتطوير قبتها الحديدية فى مواجهة الصواريخ والمسيرات الإيرانية.

أما بالنسبة لإيران، فقد اكتشفت أن الاختراق الأمنى الإسرائيلى الأمريكى قد وصل إلى عمق بالغ الخطورة وامتداد واسع فى أجهزة ومؤسسات إيرانية بالغة الأهمية والحساسية، وبلغ الاختراق مداه بتجميع وإطلاق طائرات مسيرة من داخل إيران ذاتها ضد قيادات رفيعة المستوى ومؤسسات عالية الأهمية. وبدأت إيران حملة تطهير واسعة وبقبضة حديدية بإلقاء القبض على مئات من المتهمين والمشتبه فيهم والمحاكمة السريعة والحكم بالإعدام على بعضهم، بما يشير إلى العمل على احتواء هذا الاختراق الخطير وعدم تكراره. واتضح لإيران مدى ضعف سلاحها الجوى ومضادات الطائرات والصواريخ، سواء بسبب المقاطعة المفروضة عليها أو لقلة وتواضع مستوى الموجود لديها، الأمر الذى يتطلب بالضرورة سياسة مختلفة تمامًا. كما اتضح أن على إيران أن تعتمد على نفسها بالدرجة الأولى فى الجوانب العسكرية إلا القليل، فقد صرح الرئيس بوتين بأن الاتفاق الاستراتيجى بين روسيا وإيران لا يشمل الدفاع، لذا اكتفى والصين بالدعم السياسى، خاصة فى مجلس الأمن لمنع إصدار قرارات غير عادلة بدفع أمريكى ضد إيران كما حدث فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأدركت إيران عمليًا أن الضغوط والمصالح الأمريكية العربية تسمح باستخدام السماوات وبعض القواعد الأمريكية لمساعدة إسرائيل والتدخل الأمريكى إذا لزم الأمر، وإن كان تهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز وضرب القواعد الأمريكية إذا شاركت القوات الأمريكية مباشرة فى العدوان عليها.

الحقيقة أن استخدام المعايير المزدوجة فى الملف النووى الإيرانى من المسائل التى من المهم للغاية اتخاذ مواقف عربية وإقليمية ودولية لتصحيحها وإزالة المخاطر المترتبة عليها. فلا يجوز إطلاقًا أن يسمح لإسرائيل بامتلاك أسلحة نووية وفقًا لاعتراف أحد وزراء حكومتها والذى هدد باستخدام قنبلة نووية فى غزة، وعدم انضمامها لاتفاقية منع الانتشار النووى وعدم وجود أى رقابة على مفاعلاتها النووية، فى الوقت الذى تقود فيه حملة إسرائيلية أمريكية ضد إيران التى اعترفت مديرة المخابرات الأمريكية بأنها ليس لديها أسلحة نووية.

إن الموقف الأمريكى الإسرائيلى تجاه إيران وملفها النووى أصبح ملغمًا بكل الاحتمالات وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووى أمريكى إيرانى يعطى إيران الاحتفاظ بحقها فى تخصيب اليورانيوم، وكبح جماح إسرائيل كما كان فى ظل الرؤساء الأمريكيين السابقين، فإن إسرائيل لن تستطيع وحدها العودة للاعتداء على إيران ومنشآتها النووية وتهديد قادتها بالاغتيال دون تدخل عسكرى أمريكى مباشر تحيط به محاذير ومخاطر جمة تهدد، إذا حدثت، بإشعال الحرب فى منطقة الخليج والشرق الأوسط.

 

 

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة