كيف تنجو المنطقة من تبعات الحرب التجارية الأمريكية العالمية؟
الجمعة 4 يوليه 2025 - 7:20 م
مع زخم الأحداث خلال الشهور الأخيرة سواء بتطورات الحرب الممتدة والتى قاربت على دخول عامها الثانى فى غزة ولبنان واليمن وامتدادها فى الإقليم لتصل لمواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل عدة مرات، والضربات الأمريكية المباشرة منذرة بالانزلاق لحرب إقليمية شاملة (قبل إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران)، تناسى البعض أن هناك صراعا على قيادة النظام الدولى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ليس آخر حلقاته المواجهة عبر الحرب التجارية التى شهدنا جميعا الجدل الذى أثارته فى جميع أنحاء العالم.
ضمن المجهودات البحثية الممتدة لمنتدى البدائل العربى للدراسات فى بيروت، وبعنوان الحرب التجارية الأمريكية العالمية الأبعاد والتداعيات والسيناريوهات، نشر المنتدى ورقة بحثية مطلع شهر يونيو ضمن ما يقدمه من أوراق متابعات للقضايا ذات التأثير الاقتصادى والاجتماعى على المنطقة، والورقة تشير إلى أنها ليست فقط حربا ضد الصين وحدها كما أخذتنا موجات التغطية الإعلامية والصحفية لما جرى منذ بداية فترة الرئيس ترامب فى العشرين من شهر يناير الماضى وما قام بإقراره من تعريفات جمركية جديدة دخلت حيز التنفيذ فى أبريل الماضى أيضا وأثارت ضجة واسعة واضطرابات كبيرة سواء داخل المجتمع الأمريكى أو أسواق المال العالمية وتسببت أو كادت تتسبب فى كوارث عالمية، السياسة والاقتصاد والحرب أمور متشابكة جدا، فالحروب الاقتصادية قد لا تستهدف قتل البشر مباشرة بل التأثير على معنوياتهم وحرمانهم من ثروات بلادهم والحق فى التنمية والتقدم والضغط على سبل عيشهم، والقيود التى تفرض عليهم لمنعهم من تعبئة مواردهم، لكنها لا تقل أهمية عن الحروب العسكرية.
بطبيعة الحال لم تكن فكرة مواجهة الصين عائدة لترامب وحده ولم تكن وليدة فترته الرئاسية الأولى، وإنما هى فكرة متجذرة أمريكيا وهناك من ينظر لها منذ هانتجتون ومقولاته حول صراع الحضارات وقبله فوكوياما ونهاية التاريخ وما استوجبه من نقد، لكن ترامب القادم من قطاع المال والأعمال يدرك أن صعود الصين كان تجاريا واقتصاديا وقد أصبح لديها اليد الطولى عالميا فى الميدان الاقتصادى، فهى مصنع العالم، لا يمكن تجاهل كونها الشريك التجارى الأكبر لكثير من بلدان العالم، كما أنها الدائن الأكبر للدول النامية والمستثمر الأكبر عالميا وهذه وقائع تؤكد تأثير أية تعريفات جمركية أو حرب تجارية معها على العالم سواء عبر اضطراب أسواق المال أو سلاسل التوريد أو الاستثمار والديون وغيرها.
ومنطقتنا لم ولن تكن بعيدة عن هذه التأثيرات فالصين وقعت اتفاقات مع كل الدول العربية تقريبا ضمن مبادرة الحزام والطريق وهى الشريك التجارى الأكبر للمنطقة وضمن أكبر المستثمرين بها وأكبر الدائنين للعديد من بلدانها وأكبر مستوردى النفط العربى، وبالتالى ما يستهدف الصين يستهدف المنطقة بشكل أو بآخر، وهى المنطقة التى لا تزال بحاجة لمشروع تنموى وحدوى حقيقى يصوغ مصالحه وشروطه التنموية وفق تطلعات شعوبه ومقتربات تكامله، ومع ما تثيره الحرب التجارية من موجات عدم اليقين، فإن بلداننا ينبغى أن تتحضر لكل سيناريوهاتها.
علينا أن نتحسب لهذه السيناريوهات سواء أعيد التفكير عالميا فى قواعد التجارة وهو ما يدعو إليه الأوروبيون، أو ذهبت الصين والقوى الأخرى بعيدا فى مواجهة التعريفات الجديدة ولم تبد المرونة المطلوبة أمريكيا فى مواجهة تلك العقوبات بالانصياع دون رد وإنما ضاعفت أيضا من عقوباتها وتعريفاتها التجارية على الولايات المتحدة بحيث أصبحت حرب عقوبات وتعريفات متبادلة، أو انهيار النظام التجارى الدولى الحالى والبحث عن بدائل، حيث أعيد طرح المخاوف بشأن «نهاية النظام العالمى» ومدى واقعيتها فى العديد من المقالات والتقارير.
وبعيد الحرب الأخيرة على إيران وقبلها الحرب القصيرة بين الهند وباكستان، بعد هذه الحرب التجارية والاقتصادية علينا تعلم بعض الدروس المهمة وبالذات لاقتصادات بلداننا، وأهمها ضرورة التحول من علاقات التبعية السياسية والعسكرية والاقتصادية إلى حالة من الاعتماد المتبادل وألا نظل فى تبعية مطلقة للطرف المهيمن على المركز العالمى، والذى بدوره يتغير ديناميكيا، وأنه حتى الصين الحليف التجارى والاقتصادى الأكبر للولايات المتحدة لم تسلم من تقلبات السياسة الأمريكية، علينا أيضا أن نتعلم الدرس بأن الاعتماد على الذات والحمائية قد لا تكون سياسات سيئة بالضرورة كما روج الكثيرون لعقود، وحتى البلدان التى حوصرت لعقود طورت قدرات عسكرية واقتصادية واجتماعية للصمود والتحدى والردع.
على بلداننا أن تدرك أيضا أن الاقتصاد والتجارة والحرب لا تنفصل، وفى هذا تعد المنطقة العربية محورا للتنافس بين طرق التجارة التى تتنافس عليها القوى الدولية، سواء ممر التجارة الهندى الجديد أو طريق الحرير وما يرتبط به من تقاطعات وتناقضات، وقد تصبح ساحة صراع من عدة نواحٍ أخرى حيث يتبنى اليمين الأمريكى والإسرائيلى المتطرف أفكارا حول طرق بديلة لقناة السويس وخطوط الغاز العربية بعد إزالة غزة من الخريطة، فيما يمكن التنسيق مع الصين وربما تركيا وإيران لتجاوز هذه الأطر وإيقافها إن توافرت إرادة عربية تدرك تلك المخاطر ولا تتعامل فرادى مع خصومها أو حتى حلفائها.
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا