«أمريكا أولاً» والاقتصاد المصري - عاصم أبو حطب - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 5:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أمريكا أولاً» والاقتصاد المصري

نشر فى : الإثنين 30 يناير 2017 - 11:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 فبراير 2017 - 12:43 م
بهذا الشعار-"أمريكا أولاً- وصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أصبح الجميع – مؤيدين ومعارضين- أمام حقيقة واحدة لا يمكن غير التسليم بها وهي أن الرجل سيقود سفينة العالم سياسياً واقتصادياً خلال السنوات الأربع القادمة على الأقل. واستقبلت مصر رسمياً وإعلامياً خبر فوز "ترامب" بترحيب كبير وتفاؤل شديد جسدهما بوضوح بيان رئاسة الجمهورية- التي كانت أول المهنئين- والذي جاء فيه أن السيسي أعرب للرئيس الأمريكي عن تطلعه لأن تشهد فترة رئاسته "ضخ روح جديدة في مسار العلاقات المصرية الأمريكية، ومزيدًا من التعاون والتنسيق لما فيه مصلحة الشعبين المصري والأمريكي...".

وبعيداً عن هذه البروتوكولات الرسمية وحيث أن "ترامب" قد عزف بشكل رئيس على وتر الاقتصاد خلال حملته الانتخابية كآلية محورية "لجعل أمريكا أمة صناعية عظيمة مرة أخرى"، فدعونا نحاول خلال السطور التالية أن نلقي الضوء على بعض التأثيرات المحتملة لوصول ترامب للبيت الأبيض على الاقتصاد المصري بصورة مباشرة، أو غير مباشرة من خلال تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة ومن ثم على الاقتصاد المصري.

أولاً: في ظل تجربتنا الديمقراطية المتعثرة خلال الأعوام الست الماضية، لا شك أنه سيكون من الصعب على الكثير إدراك الفرق بين دور "الرئيس" و "النظام" في الديمقراطيات المستقرة؛ فهما دوران يتداخلان لدرجة التوحد في النظم الديكتاتورية، بينما يتكاملان في النظم الديمقراطية. فلا جدال أنه في ظل وجود تيار جمهوري كبير يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ، فإن "ترامب" يمتلك مقدرة أعلى على إدارة الرأي العام الأمريكي وصناعة القرار السياسي وتمرير سياساته الاقتصادية مقارنةً بسلفه أوباما. إلا أن طبيعة النظم الديموقراطية تجعل مؤسسات الدولة الوطنية هي المعنية أساساً بصياغة معالم السياسة الخارجية وتوجهاتها الاقتصادية ليقوم الرئيس بعد ذلك بمهمة تنفيذها. وبناءً على ذلك، فمع شخصية كترامب يصعب التنبؤ بتوجهاتها، وفي ظل دولة تحكمها المؤسسات، فهناك احتمالية واردة أن تتغير لغة ترامب- الرئيس- وأن تهدأ نبرة تصريحاته التي أثارت جدلاً واسعاً بعد أن آتت أكلها له –كمرشح- في دغدغة مشاعر الناخبين وكسب أصواتهم. وما نحن من كلمة "أوباما" التي ألقاها في مهد رئاسته- بل ومن قلب القاهرة- ببعيد، والتي بشر خلالها بمرحلة جديدة من التعاون والعلاقات الاقتصادية والسياسية مع مصر ودول المنطقة، ثم لم تلبث سياساته أن حادت كلياً عن مضمون الخطاب، فترك المنطقة مفككة سياسياً ومنهارة اقتصادياً. إذن، فأول ما يجب أن نتعلمه من دروس الماضي القريب ألا نستبق الأحداث وأن نراقب بحذر وأن ننظر إلى مستقبل العلاقات بتأن شديد بعيداً عن الاندفاع غير المدروس.

***

ثانياً: إن السياسات "القومية الاقتصادية" التي يريد ترامب أن يتبناها "لجعل أمريكا عظيمة مجدداً" تمثل سباحة ضد تيار الاقتصاد العالمي وستكون لها تأثيرات شديدة الخطورة على بنية النظام التجاري العالمي بأكمله. فأمام طوفان العولمة ونظريات اللبرلة الاقتصادية وسياسات تحرير حركة التجارة وفتح الأسواق، والتي غدت في مجملها التوجه الأيديولوجي المهيمن على الاقتصاد العالمي ومسار العولمة الاقتصادية في الوقت الحالي، تلاشت كلياً أهمية هذه السياسات الحمائية منذ عقود طويلة. والسؤال هنا هل سيتأثر الاقتصاد المصري بهذه التوجهات الأقرب إلى الحمائية والانغلاقية؟ دعونا نكون أكثر وضوحاً وموضوعية، ففي ظل هامشية نصيب مصر من الاستثمارات والتجارة الخارجية الأمريكية، لن يكون لهذه الإجراءات المشار إليها تأثير معنوي مباشر على مصر. فعلى سبيل المثال تشكل صادرات مصر لأمريكا حوالي 7% من إجمالي صادراتنا، وأقل من 5% من إجمالي الواردات. وبناءً عليه، فإنه على الأرجح أن ينتقل أثر سياسات "ترامب" الحمائية المزمعة على مصر من خلال تأثيرها المتوقع على الاقتصادات الناشئة وعلى الاتحاد الاوروبي. كذلك، فإن أحد أوجه التأثيرات الممكنة على التجارة البينية للجانبين قد تتمثل في زيادة العوائق التجارية وغير التجارية التي ستواجهها المنتجات المصرية للنفاذ إلى السوق الأمريكي، مما سينتج عنه المزيد من الانخفاض في القدرة التنافسية للمنتجات المصرية بسبب طبيعة وبنيان هيكل صادراتنا للسوق الأمريكي. إلا أنه من دواعي الإنصاف، ينبغي أن نعترف أن العلاقات التجارية المصرية الأمريكية قد شهدت تراجعاً كبيراً حتى قبل وصول "ترامب" للحكم في ظل البرود السياسي بين الجانبين والتوجه المصري نحو شركاء تجاريين آخرين، حيث انخفضت قيمة التجارة البينية لمصر والولايات المتحدة بحوالي 37% خلال العام المالي 2015-2016 مقارنة بالعام السابق له.

ثالثاً: لا شك أن الوقت الراهن يعد -من الناحية النظرية- مثالياً لاجتذاب الاستثمارات الأمريكية إلى السوق المصري، خصوصاً في ظل القرارات الاقتصادية الأخيرة لتحرير سعر الصرف، وخفض دعم الوقود والطاقة، إلى جانب ما صرح به ترامب خلال اتصاله مع السيسي حول دعمه للإصلاحات الاقتصادية الجارية في مصر. وهنا يجب أن ندرك أمرين هامين: أولهما، أن اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لا يضمنه فقط إصلاحات اقتصادية بل يحتاج أساساً إلى استقرار أمني وإصلاح سياسي لتكتمل ملامح البيئة الاستثمارية وتقل المخاطر الاستثمارية. وبالتالي فلا حاجة للتأكيد على أنه لا يزال أمامنا الكثير من العمل المطلوب على المستوى المحلي لتحسين بيئة الأعمال وجذب المستثمر الأمريكي. أما الأمر الثاني، فبينما يرفع ترامب شعار أمريكا أولاً سواء بترغيب الشركات الأمريكية من خلال تخفيض نسبة الضرائب لتشجيعها على الاستثمار في السوق الأمريكي، أو بترهيبها كما جاء في تصريحه حول شركة (آبل)؛ فإنه من المتوقع أن تحدث عملية إعادة تمنطق وتوزيع لاستثمارات الشركات الأمريكية بالتركيز على السوق المحلي. كما أنه من الأرجح أن تتحرك الشركات الأمريكية بحذر وأن تبني خططها الاستثمارية في ضوء توجهات سياسة ترامب الخارجية ومستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية الأمريكية مع دول العالم، وأمام هذا وذاك، يصبح من الصعب التكهن بفرص ونصيب مصر من جملة الاستثمارات الأمريكية المباشرة خلال الوقت الراهن.

***
رابعاً: لقد كان للدور الذي لعبته دول الخليج خلال السنوات الثلاث الأخيرة أثر كبير في دعم الاقتصاد المصري في أوقات التي كانت فيها البلاد على شفا كوارث اقتصادية. وعلى الرغم من تراجع هذا الدور الخليجي في الآونة الأخيرة تحت وطأة انخفاض أسعار النفط العالمية إلى جانب توتر العلاقات السياسية بين مصر وعدد من دول الخليج؛ إلا أن الدعم الخليجي يظل دائماً أحد الأدوات المهمة التي يمكن التعويل عليها في أوقات الأزمات. وأمام هجوم ترامب المستمر على دول الخليج واتهامه العلني لدولة كالسعودية بتمويل منظمات إرهابية، إلى جانب توجهه لرفع التعرفة والرسوم التي كانت مفروضة على قطاع الطاقة والغاز خلال حكم أوباما والذي قد يحفز الشركات الأمريكية على التركيز مجدداً على التنقيب عن النفط الصخري والغاز باعتبار أن ذلك سيكون أقل تكلفة من الاستثمار في الطاقة البديلة، فمن المتوقع أن يزداد المعروض النفطي في السوق العالمية ملقياً بظلاله على الأسعار العالمية في وقت تسعى فيه منظمة الأوبك جاهدة إلى التحكم في المعروض بهدف رفع الأسعار التي انخفضت بشكل حاد خلال العام الماضي. وبالتالي، فمن المرجح أن تتأثر الاقتصادات الخليجية سلبًا بسياسات ترامب الاقتصادية، الأمر الذي سيقلل من احتمالية وفرص الدعم الخليجي- المتراجع أساساً - لمصر في الفترة القادمة. ومما تجب الإشارة إليه في هذا الصدد، أن مسألة استفادة مصر- باعتبارها مستورد صافٍ للنفط - من الانخفاض المحتمل في أسعاره العالمية بسبب سياسات ترامب ينبغي أن تؤخذ بكثير من الحذر، فمما أشارت له الدراسات وأيدته تجربة العامين الماضيين هو بطء – وأحياناً عدم معنوية- استجابة السوق المصري للتغيرات السعرية في سوق النفط العالمية.

خامساً: لقد تمثلت إحدى حسنات السنوات الثلاث الأخيرة للإدارة المصرية في التوجه نحو تنويع علاقتها الخارجية وشركائها التجاريين، فتحسنت العلاقات الاقتصادية المصرية مع روسيا والصين على وجه الخصوص واختلفت كثيرًا بالمقارنة بفترات ماضية، وهو توجه حتى وإن لم يحقق بعد عوائده الاقتصادية المرجوة، فإنه يظل محموداً. وأمام تصريحات ترامب المعادية للكثير من دول العالم كالصين مثلاً والتي يعتبرها تمثل خطراً اقتصادياً وأنها تسرق فرص العمل من السوق الأمريكي وتأثر سلبياً على المقدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية، ثم تهديده شبه الصريح للشركات الأمريكية بفرض تعريفات جمركية عالية ومعاملاتها معاملة البضائع الأجنبية حال أبقت على أحجام استثماراتها الحالية في الصين، فقد تدفع هذه السياسات الاقتصادية التي يلوح بها ترامب دولاً وكيانات كالصين والاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات تجارية انتقامية قد تشعل حرباً تجارية عالمية. وفي ظل هذه الأجواء التي تنذر بعدم الاستقرار، ينبغي أن تتسم تحركات مصر السياسية والاقتصادية الخارجية بالحكمة الشديدة والدراسة الدقيقة وأن تزن شراكاتها التجارية بميزان الذهب، بحيث لا تخسر شريكاً على حساب آخر مما سينعكس سلباً على حجم تجارتها الخارجية ونفاذ صادراتها إلى الأسواق المستوردة.

***
خلاصة القول، إذا سلمنا بمقولة "إذا عطست أمريكا أصيب العالم بالزكام"، فالعالم اليوم مقبل على فترة شديدة الحساسية سياسياً واقتصادياً، فقد جاءت عطسة أمريكا هذه المرة لقيادة العالم برجل أعمال اتسم تاريخه في دنيا المال والأعمال بالمخاطرة العالية، وهو بذلك –كرجل أعمال مغامر- قد تغلب على تحركاته اقتناص الفرص الربحية على المدى القصير، وستشكل المصلحة والمنفعة المباشرة محوراً رئيساً لتحالفاته الاقتصادية. علاوة على ذلك فهو رجل بلا خبرات سياسية تقريباً أو تجارب يمكن البناء عليها أو الحكم من خلالها على مستقبل سياساته وإدارته للعلاقات الاقتصادية المصرية الأمريكية. لذلك فالحكمة مطلوبة من الجانب المصري في التعاطي مع ما تطرحه سياسات ترامب الاقتصادية، والتوازن مهم في علاقاتنا بالتحالفات الاقتصادية الدولية والاقليمية الأخرى، وقبل كل شئ فالدراسة المتأنية والتقدير الدقيق لنتائج وتبعات كل تحرك نحو الولايات المتحدة في المرحلة الحالية ضروري، وستكشف لنا الشهور القليلة المقبلة إلى أين ستقود سياسة ترامب الولايات المتحدة والعالم، وما تخفيه من فرص وتحديات للاقتصاد المصري.
عاصم أبو حطب أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية
التعليقات