سلاح «التراميسو» - منى أبو النصر - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 2:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلاح «التراميسو»

نشر فى : الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 - 1:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 - 1:50 م

استعانت الإيطالية "آدا" بقهوتها المفضلة ومزيج آخر من مكونات محببة، وراحت تذوب عشقًا في إعداد هذا الاختراع الشهي، وخرجت من صومعتها بعد أيام، معلنة عن معشوق جديد في عالم الحلوى، أطلقت عليه "التراميسو".

لم تكن "آدا" تعلم وهي تمزج جبن "الماسكاربوني" والسكر وشراب القهوة، مغمسة فيه أصابع البسكويت الأسفنجى في ركن بعيد بمطعمها التقليدي، لم تكن تعلم أن سيرتها ستكون ملء سمع وبصر الاتحاد الأوروبي بعد رحيلها عن العالم بسنوات، لم تحسب لذلك الصيت الذي حققته الحلوى الباسمة التي اخترعتها، لأنها وباختصار كانت تعدها بغرض الاستقواء ببطاقتها، لاسيما بعد ولادتها لطفلها الجديد، إلى جانب إدارتها لمطعمها مع زوجها.

تعود حكاية "آدا" تقريبًا لعام 1970 ، وهو العام المقترن باختراع حلوى "التراميسو" ،وترجمتها بالإنجليزية pick me up أو "تناولني"، وصانعته هي تلك السيدة والدة المالك الحالي لمطعم "لو بيشيري" Le Beccherie، الكائن شمالى مدينة تريفسو الإيطالية.

هذه الحلوى الرائقة ، ذات الرنين الموسيقى والطعم الذي لا يقاوم، غمرت العالم بشهرتها على مدار أكثر من 40 عامًا، ولأن للنجاح أكثر من أب، فقد تنازع بطولة اختراعها العديد في إيطاليا وخارجها، وخلال الأشهر الأخيرة حاز تراميسو "آدا" صيتًا من فصيل آخر خارج كتب الطبخ والحلويات، بعد أن تحول لقضية مثارة داخل الاتحاد الأوروبي في غضون إعلان مالك مطعم "لو بيشيري"، بيت التراميسو الأصلي، بعد إعلان عزمه الإغلاق بسبب الأزمة الاقتصادية التي وجد أنها أثرت على عادات الطعام لدى الإيطاليين، الذين باتوا يفضلون تناول الطعام الزهيد في المطاعم والبارات الأقل ثمنًا عن تلك التى التي يشرف عليها "جارسونات" أنيقات كما في مطعمه، وحسب كارلو كامبويل، 60 عامًا، مالك المطعم، فإن قلة أعداد المترددين على مطعمه هو واحد من أكبر التهديد الصريح للثقافة الإيطالية منذ الحرب العالمية الثانية.

غواية "التراميسو" وقصة " آدا" لم يستطعا الاحتفاظ بالمطعم الشهير وإنقاذه من العراقيل المادية، وهو ما دفع رئيس إقليم فينتو الإيطالي "لوكا زايا"، لقيادة حملة لاعتراف الاتحاد الأوروبي بمدينة "تريفيسو" باعتبارها "بيت التراميسو" تمامًا كما يعترف بـ"نابلس" باعتبارها "بيت البيتزا".

فَحسَب العضو السياسي، فإن "التراميسو" ليس فقط جزءًا من تاريخ ترافيسو، ولكنه ينذر بإغلاق صفحة من مجلد المذاق الرفيع في العالم. أتذكر أنه في مصر مطعم يرفع في أركانه علم مقاطعة "بريتون" الفرنسية، باعتبارها بيت اختراع "الكريب" الذي يشتهر المطعم بتقديمه، وتعجب أنه رغم التشدق بأن " اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني"، فأن زائرى إسطنبول يرحلون منها بقناعة كاملة بأن تركيا هي مهد الحلويات الشرقية، وذلك للدعاية الكبيرة التي تبذلها الحملات السياحية والثقافية هناك مستعينة بالطعام والحلوى في دعم السياحة التركية، وكذلك الحال بالنسبة لـ"السميط" الذي لا تخلو إشارة مرور في مصر من بائعيه، تجد تركيا تجنح في دعاياته لكونها مكونًا تركيًا فريدًا، تبتكر في وسائل عرضه في شوراع وسط البلد وضواحيها ،حتى بات محل "سميط سراى" أحد أشهر بائعى السميط في إسطنبول يروج لكونه بيت اختراع "السميط " في العالم.

يشبه هذا الحديث كثيرًا ما كانت تتحدث عنه الفنانة الكبيرة إسعاد يونس في إحدى حلقات "صاحبة السعادة"، الذى تذيعه فضائية cbc، بأننا نفتقر كثيرًا لـمفهوم "التسويق العالمى لمأكولاتنا" كما تجيد باقى الشعوب، قالتها وهي تقدم أكثر من حلقة عن المأكولات الشعبية المصرية، واستضافت صاحب "جيلاتي عزة" الذى بدأ والده ببيع الجيلاتي على عربة خشبية في كورنيش الإسكندرية، ويتعتزم الابن مواصلة المشوار بافتتاح محل منافس في العاصمة ميلانو ، مهد الأيس كريم، مراهنًا على تميز منتجه "السكندري" وتفرده رغم أنه ليس إيطالي المنشأ والقبعة.

في ذات السياق الفضائي، فقد أذاع برنامجAsia talk على قناة CNN الأمريكية، حلقة خاصة حول المطبخ الصيني وتأثيره على تسويق الثقافة الصينية على مدى واسع وخطير، وهو أمر تعمل فرق كاملة على دراسته والتخطيط له، باعتباره إحدى الأذرع الناعمة للتسويق الاقتصادي والثقافي، وكان ذلك تمامًا ما يبحث عنه صاحب دعوى تسجيل "التراميسو" باسم الإقليم الإيطالي، ولاشك أن "المنيو" المصري زاخر بالقصص والحكايات التى يمكن أن تستعين بها الجهات المعنية وتسويقها عالميًا، وربما يمكن البدء بقصة صانع "الحواووشي"، أو "الكشك" الصعيدي، أو حتى "أم علي" الحلوى التي تحمل الفريد والمدهش من "دراما" الدولة المملوكية .

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات