طَقَّ - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طَقَّ

نشر فى : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:40 م

طقت البالونة وبكى الصغير بحرقة وتتابعت الدموع على وجنتيه؛ ولم أكن أعتقد أن ثمة طفلًا لم يزل يبكي لموقف مثل هذا أو يهتم لقطعة المطاط الملونة المنفوخة؛ إذ لم تعد الغالبية العظمى من الصبيان والبنات تشغف إلا بالألعاب الإلكترونية المعقدة، لا يكاد أحدهم يفلت المحمول من يده لحظة؛ وإن أثناء تناول الطعام، ولا يرحب جميعهم تقريبا بلعبة مشتركة، يبذل فيها طاقة بدنية؛ حتى وإن بدت حماسية مثيرة. لا ميل إلى العدو والقفز والالتحام في سباق أو منافسة، ولا رغبة في التواصل مع الآخرين وجها لوجه؛ دون أن تكون الشاشة وسيلة التلاقي ودون أن تتحول الأزرار إلى أداة وحيدة تنقل المشاعر والأفكار عبر الفضاء الافتراضي، مقتطعة منها الكثير.

 

• • •
يرد الفعل طق في قواميس اللغة العربية بمعنى تفرقع وسمع له صوت، فإذا ارتطم البمب بالأرض؛ قيل قد طق، وإذا اصطدم حجران فقد طقا، وإذا حرك الواحد أصابعه بحيث أصدرت مفاصلها صوتا مميزا قيل إنه طقطقها. الفاعل طاق والفعل لازم لا يحتاج إلى مفعول به، أما المصدر منه فيقال طق يطق طقا.
• • •
ربما لا تجد الأفكار المبتكرة براحًا في صدور الكثيرين؛ فالمألوف ولا جدال أهون على القلب وأسهل، والمعروف أضمن وأكثر أمنا ومسالمة، أما إذا خرجت فكرة تخالف السائد، وطقت في دماغ صاحبها فقرر المخاطرة بتنفيذها؛ نظر له الناس استنكارا وعجبا؛ لا لشيء إلا أنه قد كشف عفوا ترددهم وجبنهم، وعرى الصدأ الذي صارت إليه عقولهم، وألقى حجرا صوب الركود الذي انتاب نواياهم ونفوسهم.
• • •
ربما يتملك الواحد ضيق شديد، حتى يكاد يطق من أجنابه. التعبير شائع في أحاديثنا اليومية، بل ربما تحول إلى وصف تقليدي للحال الراهنة، والقصد منه التدليل على شدة الانفعال، وهول تبعاته، وغياب القدرة على التحكم فيه، فإن تفاقم الكرب واستوحش؛ ربما أدى بشريان في القلب أو الدماغ إلى التمزق والنزيف، وتهاوى الشخص في التوّ، وغالبًا ما ينطبق عليه حينها التوصيف: طق مات.

• • •
الطقطوقة نوع من الألحان شرقية الأصل، يتم التنقل بين المقامات خلالها، ولها مذاق خاص في أذن من يستمع إليها. غنت أم كلثوم هذا اللون وإن لم تكثر منه، وربما كانت "على بلد المحبوب" من الطقطوقات الخفيفة التي ما برحت تداعب الأسماع حتى يومنا هذا، وقد ظهرت في منتصف الثلاثينيات تقريبا وكتب كلماتها أحمد رامي ووضع اللحن رياض السنباطي. هناك أيضا "أهو دا اللي صار"، و"خفيف الروح" للعظيم سيد درويش، وكلتاهما من أشهر الطقطوقات التي تتميز في العادة بسهولة الحفظ؛ لبساطة عباراتها ومعانيها، ولتكرار المذهب الثابت بين مقطع وآخر.

• • •

أذكر بكامل الإعجاب شخصية طقطق أو طأطأ؛ طبال فرقة الأسطى سماسم الذي ترك موقعه ليصبح أحد عمال مصنع الباشا سليم البدري في مسلسل ليالي الحلمية، وبدلًا من أن يحظى بالاحترام والتوقير كما يتوقع المشاهدون؛ قيل في هجره مهنته الأصلية: قد تخلى الحظ عنه وخاب. أدى دور طقطق الفنان محمد فريد الذي درس في معهد الفنون المسرحية، وقدم أعمالًا مميزة خلال مسيرته، وأجاد في الواقع العزف على عدد من الآلات الموسيقية، وربما استمدت شخصية طقطق اسمها من صوت دق أصابعه على الطبلة، أما عن المسلسل الذي مثل علامة أصيلة في تاريخ الدراما المصرية؛ فقد عرض الجزء الأول منه عام سبعة وثمانين.

• • •

يطلق على الوجبة التي يتناولها المرء في المرة الواحدة "الطقة"، وربما كان الصوت الصادر عن الفم خلال الأكل سببًا في التسمية. الوجبات كما قيل لنا في الصغر ثلاث؛ إفطار وغذاء وعشاء، وقد اختزل عددها وتحولت مع اختلاف الأيام إلى طقتين، ثم باتت أخيرا طقة واحدة مختزلة المكونات، شحيحة القيمة الغذائية، قاصرة عن توفير احتياجات الجسم الطبيعية.
• • •
إذا وثبت الضفادع داخل البرك والمستنقعات أصدرت طقا يمكن تمييزه، أما النقيق فهو حديث الضفدع الخارج من جوفه، والذي كنا نتبارى في تقليده ما سمعناه ونحن بعد صغار. في أزمنة ماضية، حفلت الحدائق المروية بأصوات كائنات صغيرة تقطنها، صفير ونقيق وهسيس وطق وغيرها، أما وقد جُرفت الأرض من نبتها، وصُب عليها القار الأسود؛ فقد فقدت مظاهر الحياة جميعًا وتحولت إلى قبر كبير.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات