الولد ده ابنِك؟ - منى أبو النصر - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 1:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الولد ده ابنِك؟

نشر فى : الإثنين 28 مارس 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 28 مارس 2016 - 10:20 م
1- على طريقة الأفلام: لمحت شابة على الرصيف الموازي لجامعة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"، تحمل "لفة" تشي بطفل رضيع ينام بسلام داخلها، انتهزت بطء المرور في هذا الطريق، وأشرت لها للاقتراب من نافذتي، هرولت في انتظار "الحسنة"، وبادرتها أنا بكل ما أوتيت من شك وغضب "الولد ده ابنِك؟".. بعدت مسافة خطوة.. وردت بهدوء مصطنع "أيوه ابني".. لم يُرحني شكل الشابة التي لم تبلغ العشرين ولاحظت هي حجم الريبة التي أتعامل بها مع ردها.. وقبل أن أجبر على إنهاء الحوار القصير بعد تهديد "كلاكسات" تأتي من خلفي، سمعتها تواصل باستنكار "تحبي أوريكي شهادة ميلاده؟".


2- على طريقة أفلام أكثر درامية: اعتدت قبل سنوات أن ألتقي إحدى بائعات المناديل في شارع "البطل أحمد عبدالعزيز"، لها ابتسامة ودودة ووجه طفولي، أبتسم فتتبسم، تشير لي بالسلام فأشير، أحرص بعدها على أن أخصها بشراء المناديل، وهكذا.


مرت أيام وهجرت هذا الطريق، واستبدلته بآخر، وأصبحت أمر ببائعين آخرين وأخريات، وأفاجأ بعد هذا الوقت وفي مكان آخر وهو "كوبري مايو" بهذه الفتاة ومناديلها من جديد، تحتفظ بذات الابتسامة وإشارة اليد، والجديد أنها تحمل طفلا بذراع وبالأخرى تبيع المناديل.


في البداية أشرت لها بحماس وفتحت النافذة لنتبادل بعض التحية بعد سنين، وأتبعت ذلك على مدار أيام، ولكنها ليست أياما طويلة، بدأت في "الانكماش" من تلك الفتاة رغم غامر ابتساماتها، ليس فقط انكماش من شراء المناديل، ولكن في مبادلتها التحية من الأساس، رغم أنها جارتي اليومية في حارة الكوبري المتجهة لكورنيش النيل، أتساءل لماذا لا أرى طفلها هذا إلا نائما على كتفها كل يوم؟ هل ينام كل يوم في العاشرة صباحا وسط هذا الضجيج؟ ألا يبكي؟ ألا يجوع؟ لا أراه سوى محمولا على كتفها وكأنه في سبات عميق، الحق ولا أدعيه، أصبحت أحدث نفسي أنها تحمل طفلا مخدرا، ولا تخدر أم طفلها تحت أي ظرف، هي ليست أمه بكل تأكيد، هي تتسول بطفل خُطف من أمه.. هكذا صدقت وهكذا تصرفت، أصبحت أتعمد عدم النظر إليها وتجاهلها، حتى باتت تطرق زجاجي لأنتبه، ولا أفعل، لو التفت لها ربما لأطالبها هي الأخرى بشهادة ميلاد هذا الطفل.. وليس لي توكيل بهذا.. وربما هو سوء ظني.


3- على طريقة "الفيس بوك" : أصحو كل يوم على مرار "مامت سلمى"، هكذا قامت بتغيير اسمها على البروفايل الخاص بها، ولن تجد به سوى يومياتها هي وزوجها في البحث عن "سلمى" منذ 3 سنوات كاملة، سلمى التي اختطفت في حلون، طرقت كل الأبواب، صادفت يوما "بوست" لعدد من أطفال الشوارع في مدينة 6 أكتوبر، جزمت بقلب الأم بأن واحدة منهم هي ابنتها سلمى، يبدو أنها في مطلع السادسة، تقارن ملامحها المطلية بشمس الشارع وترابه بملامح صغيرتها، وعلى طريقة أفلام "الأكشن"، توجهت للبحث عنها في 6 أكتوبر، المدينة مترامية الأطراف، بدأت في مراسلة جروبات "هوانم 6 أكتوبر" وما على غرارها، تستغيث بها لمساعدتها في البحث عن صاحبة هذه الصورة "صورة سلمى"، بعد تحولها لفتاة شارع، تشاركها "هوانم" 6 أكتوبر البحث، باعتبارها مغتربة من حلوان، يبحثون في دهاليز ميدان الحصري، وفي الأحياء، ولا أمل.


4- منذ ما يقرب من عام، قرر شاب ثلاثيني وهو رامي الجبالي، أن يقوم بالمجهود الذاتي بتدشين موقع إلكتروني يحمل اسم "أطفال مفقودة"، http://www.atfalmafkoda.com/ وتبعه بصفحة على "الفيس بوك" للتنويه عن الأطفال المفقودين من خلال نشر صورهم وبياناتهم، ونجحت بعد شهرين من إنشائها في حصد أكثر من 100 ألف متابع، وإعادة 27 طفلا إلى ذويهم.


من خلال الموقع يقوم الأهالي بنشر صور ذويهم وأية تفاصيل عن المشتبه بهم، ليس ذلك وحسب إنما امتد إلى رواد صفحات التواصل الاجتماعي الذين تطوعوا في البحث عن هؤلاء الأطفال من خلال تبنّي الحملات التي أطلقتها الصفحة ومنها حملة (قاطع أي متسول بطفل)، والتي تهدف إلى منع الأموال التي يقدمها المارة للمتسولين الذين يحملون أطفالا بهدف تقليل نسبة الاختطاف للأطفال، بعدما لوحظ وجود عدد من الأطفال المبلغ عن اختفائهم بصحبة أفراد يستخدمونهم في التسول بالفعل.


5- رغم أن هذا المشروع هو مشروع تطوعي بالأساس لمحاولة إدارة "الفوبيا" التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي بننشر صور الأطفال المختطفة، إلا أنه استطاع على حد تعبيره بعد مضي 5 أشهر على المبادرة، حسب حوار أجراه معه موقع "البورصة"، أن يستقبلوا 400 بلاغ يوميا.. وحصد اهتمام 270 ألف متطوع بجميع المحافظات.


6- الجبالي بدأ بمحاولة، لكن التنسيق المفقود بين مبادرات المجتمع المدني والجهات التنفيذية سيظل مُعطلا لعجلة البحث عن الأطفال المفقودة، والتحري عن هوية الأطفال المشردة، فـ"شهادة الميلاد" التي لوحت لي بها المتسولة التي تحدثت عنها سلفا لإقصائي عن شكي في أمرها، هي في حد ذاتها ثغرة لا زال يستغلها خاطفو الأطفال، فحتى اللحظة يقوم العديد من هؤلاء بعد الإبلاغ عنهم، باستخراج تلك الشهادات بسهولة أو "ضربها "، مستغلين سهولة تزويرها، في الوقت الذي تتبع فيه كثير من الدول نظما لحفظ هوية الطفل بما في ذلك "بصمة القدم" للطفل عند الولادة مصحوبة ببصمة الأب والأم، وتحديث صورة الطفل كل خمس سنوات.


7- كما آلاف الملفات المفتوحة، ليست المشكلة في قلة الحلول، ولكن في جدية الطرح وإرادة التنفيذ، وحتى ذلك الحين: الدائرة تتسع.. والفقد عزيز.
منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات