بصلة المحب - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بصلة المحب

نشر فى : الأربعاء 27 سبتمبر 2023 - 6:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 27 سبتمبر 2023 - 6:40 م

لم يكن أكثر المتشائمين من أجدادنا الذين أطلقوا المثل الشعبى «بصلة المحب خروف» فى إشارة إلى انعدام قيمة البصل وتدنى سعره، يتصورون أن يأتى يوم ويصل فيه سعر كيلو البصل إلى 30 جنيها. ولا يجب التعامل بغير اهتمام مع وصول سعر هذه السلعة التى لا يتم استيرادها ولا استيراد مكوناتها من الخارج، وبالتالى لا يمكن التعلل بالحرب الروسية الأوكرانية ولا بجائحة كورونا لتبرير هذا الارتفاع الجنوبى فى سعر البصل. وحتى قرار الحكومة حظر تصديره يعنى تأكيد الفشل وليس علاجا له، لأنه فى الوقت الذى ترصد فيه الدولة مليارات الجنيهات لتشجيع الصادرات، تقرر حظر تصدير سلعة مصرية لها شهرتها العالمية وتحظى بطلب قوى عليها، فتحرم البلاد من ملايين الدولارات التى تحتاجها بشدة.
فى تقديرى أن أزمة البصل الحالية هى نتاج لاكتفاء بعض المسئولين فى مصر بالأحاديث البراقة عن التخطيط والإنجازات والانحياز للفلاح مرة وللعامل مرة وللمستثمر مرات، فى حين أن الممارسة على أرض الواقع تقول إن خطط الحكومة إن وجدت لا تتجاوز حدود مقارها.
ففى العام قبل الماضى قفزة أسعار البصل تصورناها كبيرة عندما بلغ سعر الطن 4000 جنيه أى 4 جنيهات للكيلوجرام، وكان الطبيعى أن تتوقع الحكومة وبخاصة المسئولين عن الملف الزراعى اندفاع المزارعين للتوسع فى زراعة البصل فى الموسم التالى، فتضع خططا للتعامل مع زيادة الإنتاج أو تتواصل مع المزارعين لتحذيرهم من التوسع فى زراعة البصل حتى لا تنهار الأسعار.
ولأن المسئولين لم يفعلوا هذا ولا ذاك، حدث الأمر المتوقع وزادت المساحات المزروعة بالبصل، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية واضطراب حركة التجارة العالمية فانهارت أسعار البصل لتصل إلى 500 جنيه للطن مما دفع العديد من المزارعين لعدم جمع المحصول وتركه فى الأرض بعد أن اتضح أن سعره لن يغطى تكاليف الحصاد.
وفى ذلك الوقت قال الراحل مجدى الشراكى رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعى إنه لا يوجد تنسيق بين المزارعين والتجار ووزارة الزراعة فيما يتعلق باحتياجات السوق كل عام من أى محصول ومن بينه البصل بل تخضع للعشوائية.
ومرة ثانية لم تتدخل الحكومة لا بشراء البصل والعمل على تصديره أو تصنيعه ولا بدعم الفلاح بتعويضات مالية تضمن له القدرة على مواصلة النشاط فى العام التالى، خاصة مع الارتفاع الجنوبى فى أسعار مستلزمات الإنتاج من سماد وبذور ووقود. وكانت النتيجة انخفاض المساحات مرة أخرى، مع زيادة الطلب الخارجى على البصل المصرى لتقفز أسعاره فى السوق المحلية إلى ما لم يتخيله إنسان طبيعى.
البصل سلعة حيوية لكل الأسر المصرية والفقيرة والمتوسطة منها على وجه الخصوص، ووصول سعره إلى هذه المستويات الفلكية لا يجب ان يمر مرور الكرام سواء بالنسبة للحكومة أو البرلمان أو حتى الأحزاب التى تقول إنها تمارس المعارضة، خاصة وأن أزمة البصل كما قلت هى نتاج غياب السياسات الزراعية وربما الاقتصادية الجيدة بشكل عام.
أخيرا أرى أن التحرك بشكل مختلف هذه المرة حتى لا يتكرر سيناريو ارتفاع الأسعار بسبب نقص المعروض، ثم زيادة المساحة المزروعة فى العام التالى لتنهار الأسعار مرة أخرى ويخسر الفلاح المسكين مرة أخرى، وإن كنت غير متفائل بإمكانية هذا التحرك، لأنه أولا لم نسمع عن محاسبة ولا حتى مناقشة من فشلوا فى إدارة السياسة الزراعية التى يمكن أن تحول دون حدوث مثل هذه السيناريوهات، وثانيا لأننا لم نعتد من بعض المسئولين التعامل الجاد مع أى مشكلة كبيرة بعيدا عن التصريحات القوية والإجراءات الشكلية.

التعليقات