تحديات على طريق الانتقال إلى حكم مدنى فى مصر - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 11:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات على طريق الانتقال إلى حكم مدنى فى مصر

نشر فى : الإثنين 26 ديسمبر 2011 - 8:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 ديسمبر 2011 - 8:55 ص

كثيرون يودون لو تحقق الانتقال إلى حكم مدنى فى مصر فى أقرب وقت ممكن. لا يمكن حتى لأشد أنصار المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يجاهر بالادعاء أن المجلس كان بارعا فى أداء مهمته، وليس بوسع تبرير إخفاق المجلس بأن بعض الصعوبات التى واجهها كانت من فعل الآخرين، أو أنه كان من العسير التنبؤ بها. آخر الأزمات التى اعترضت طريق المجلس تعود إلى رفضه التحقيق ومسالة من يفترض أنهم يأتمرون بأمره، وهم تحت سيطرته، ومع ذلك فقد أطلقوا الرصاص على العشرات من شباب مصر الأطهار، وتسببوا حتى كتابة هذه السطور فى استشهاد سبع عشرة منهم، وإصابة ما يتجاوز تسعمائة وكلما توافرت البيانات عن الشهداء والمصابين. اكتشف الرأى العام على عكس ما خرج من المتحدثين باسم المجلس فليسوا من البلطجية والصبية الضالين، ولكنهم بالفعل من أنبل ومن خيرة شباب مصر علما واستعدادا للتضحية من أجل حماية وخدمة الآخرين، بل واكتفى المجلس بالإعراب عن الأسف للإهانة المتعمدة لحرائر مصر، وكلف نفسه ومصر فضيحة كبرى فى الإعلام العالمى، وإدانة من جانب قوى كبرى وشخصيات دولية، كما أن المجلس هو المسئول عن المأزق السياسى والدستورى الذى تجتهد عقول الأمة فى البحث عن مخرج مناسب منه، بقبوله فكرة تعديل دستور 1971، والتى نصحه بها فقهاء وخبراء، جازاهم الله على ما نصحوا به، وكان خطة واضحة لتسليم مهمة صياغة الدستور والتحكم فى مسار فترة الانتقال فى يد فصيل سياسى، أيا كان حظه من أصوات الناخبين، إلا أنه لا يمكن أن يوصف بأن أفكاره ورؤاه تحظى بإجماع وطنى يؤهله ليضع بصماته وحدها على المفاهيم الأساسية التى تستمد منها مواد هذا الدستور.

 

●●●

 

هناك رغبة جارفة فى انتقال مصر فى أقرب وقت إلى حكم مدنى نرجو أن يكون ديمقراطيا يوفر لمواطنيها الأمن، ويفتح الباب لدوران عجلة الاقتصاد ويعبئ طاقات المواطنين جميعا لبناء مصر الجديدة التى كانت حلم الملايين منهم عندما خرجو لإسقاط الحكم الاستبدادى السابق، ومع ذلك فليس طريق الانتقال إلى هذا الحكم المدنى مفروشا بالورود، وإنما هناك تحديات ضخمة على هذا الطريق، سوف تصبح بدورها سببا فى مزيد من التوتر والصدام مما يزيد من تكلفة الانتقال، وربما يؤدى، دون أن ندرك، إلى إطالة أمد الحكم العسكرى. هذه التحديات هى من نوعين: تحديات سياسية وتحديات دستورية.

 

 

التحديات السياسية

 

أول هذه التحديات هى التحديات السياسية، فلا بد أن يتفق الفرقاء السياسيون، أو الفاعلون الأساسيون على مسرح الحياة السياسية فى مصر فى الوقت الحاضر على الخطوط العريضة لهذا الانتقال، على خطة طريق واضحة للخطوات المطلوبة حتى يتم هذا الانتقال بسهولة ويسر. ولكننا نعرف أن هؤلاء الفرقاء لا يلتقون ولا يتحاورون، وحتى عندما يكون هناك إطار يمكن أن يجمعهم، فهم يسارعون بالخروج منه وبالتنديد بمن دعاهم للاجتماع فى إطاره. لم يفلح لا التحالف الديمقراطى، ولا لجنة الحوار على ما سمى بوثيقة الدكتور على السلمى، ولا المجلس الوطنى الاستشارى فى أن يجمع كل أطراف العملية السياسية فى مصر، بل وشجب كل هذه المبادرات من تمت دعوتهم للمشاركة فيها، وفى الوقت الحاضر لا يوافق حزب الحرية والعدالة على الإسراع بالانتقال إلى حكم مدنى، ويتفق معه فى ذلك حزب النور، ويجمع الحزبان بينهما قرابة ثلثى أصوات الناخبين، وربما ثلثى مقاعد مجلس الشعب القادم، وأيا كان الرأى فى نتيجة المرحلتين الأوليتين من انتخابات مجلس الشعب، فلا يمكن للقوى الأخرى التى تقتسم فيما بينها الثلث الباقى من الأصوات والمقاعد إلا أن تقر بهذا الواقع وتأخذه بعين الاعتبار. ولا تستند ضرورة التوافق بين هذه القوى لكون التوافق فى حد ذاته مطلوبا لبناء نظام سياسى جديد يحظى بالشرعية من جانب كل المواطنين، ولكن لأن أى طرف من هذه الأطراف الثلاث لا يمكن أن يفرض إرادته منفردا، فبوسع أى من الطرفين الآخرين أن يفسد عليه ما ينتوى فعله، لا يستطيع الإسلاميون تجاهل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومهما ارتفع هتاف اليساريين والليبراليين بسقوط حكم العسكر، فلن يكفى هذا الهتاف لإسقاطه، فضلا على أنه من الخطورة أن يكون بناء النظام السياسى الجديد على حساب رضا وقناعة القوات المسلحة بالتزامها بحمايته، وإلا يصبح مستقبل هذا النظام مشابها لما عرفته تركيا قبل حكومة حزب العدالة والتنمية أو ما تعرفه باكستان فى الوقت الحاضر. وأخيرا فليس بوسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يفرض حكما عسكريا ممتدا على البلاد. لقد انتهى فى العالم كله عهد الحكومات العسكرية، وإذا كان من ثمة دلالة لما جرى فى التحرير يومى الجمعة 18 نوفمبر و23 ديسمبر، فهو أن الإسلاميين من ناحية وقوى الثورة أيا كانت تصنيفاتها نساء ورجالا هى على أهبة الاستعداد لمقاومة أى ميل لفرض بقاء العسكريين فى السلطة. المطلوب وبسرعة هو أن تجتمع هذه القوى الثلاث فى أقرب وقت ممكن داخل إطار واحد للحوار حول قضايا المرحلة الانتقالية. لقد رفضت هذه القوى أن تلتقى فى إطار المجلس الوطنى الانتقالى الذى شكله المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فليكن، ولكن عليها أن تجد الإطار البديل.

 

 

التحديات الدستورية

 

ولا يجب إطلاقا التقليل من خطورة التحديات الدستورية التى تواجهنا فى الحاضر والمستقبل القريب. بل إن الجدول الزمنى الذى اقترحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذى يقضى بإتمام الانتقال قبل نهاية شهر يونيو القادم قد يثبت أنه من المستحيل الوفاء به ما لم يتحقق الاتفاق بين هذه القوى الثلاث أولا وما لم يتضمن هذا الاتفاق العمل من الآن وعلى الفور فى التحضير للدستور الجديد. وفقا لهذا الجدول لا بد من الانتظار حتى تنتهى انتخابات مجلس الشورى فى مارس ويجتمع مجلسا البرلمان لاختيار اللجنة التأسيسية التى ستضع الدستور، ولن يتاح لهذه اللجنة سوى شهرين أو شهرين ونصف على الأكثر لصياغة الدستور الجديد وطرحه على الاستفتاء فى بداية شهر يونيو فى أقصى تقدير ويتاح لمن يرغبون فى الترشح لرئاسة الجمهورية أسبوعين أو ثلاثة للحملة الانتخابية، حتى يتم إجراء انتخابات الرئاسة وانتخاب الرئيس الجديد قبل نهاية شهر يونيو. فهل يمكن بالفعل حسم كل قضايا الدستور وفى مقدمتها الباب الثانى الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، والباب الثالث المتعلق بحقوق وواجبات المواطنين ثم الباب الخامس وموضوعه نظام الحكم لا ينبغى أن نقلل من شأن الخلافات الجوهرية بشأن ما يمكن أن تتضمنه هذه الأبواب، وفقا لتقسيم دستور 1971، وما يمكن أن تثيره من نقاش واسع حول المساواة فى كافة الحقوق بين جميع المواطنين، نساء ورجالا، وأيا كانت عقائدهم الدينية، وحول الحكمة من بقاء مجلس الشورى ونسبة الخمسين فى المائة من العمال والفلاحين، وحدود سلطات كل من المجلس النيابى ورئيس الدولة، بل وبين رئيس الدولة ورئيس الوزراء. هذه بعض القضايا الهامة التى يتعين على لجنة صياغة الدستور حسمها خلال شهرين ونصف على الأكثر هذا إذا نجح مجلسا الشعب والشورى فى اختيار أعضاء هذه اللجنة خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر عندما تبدأ اجتماعاتهما فى أوائل شهر مارس المقبل.

 

 

كيف يمكن الإسراع بإنجاز هذه المهام؟

 

سوف يكون من غير الحكمة محاولة اختزال هذه المهام بالخروج عن الجدول الزمنى الذى طرحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليس إيمانا بعبقرية غير موجودة فى هذا الجدول، ولكن لأن الاقتراحات البديلة مثل تولى رئيس مجلس الشعب القادم مهمة رئيس الجمهورية مؤقتا لحين انتخاب رئيس جديد قد تقتضى إعلانا دستوريا جديدا، وبموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكذا حزب الحرية والعدالة، وهو ما يستغرق وقتا ليس بالقصير، كما أن انتخاب رئيس جمهورية دون وضع دستور جديد سيجعله متمتعا بالسلطات الواسعة التى يمنحها له كل من الإعلان الدستورى أو دستور 1971 المعدل كما اقترح البعض.

 

●●●

 

القضية الأساسية التى يجب أن تكون شغلنا الشاغل هو كيف يمكن ضمان إنجاز الانتقال وفقا لهذا الجدول الزمنى. وربما تكون تلك هى المهمة العاجلة لرؤساء المجموعات البرلمانية التى بدأت فى التشكل مع انتهاء المرحلتين الأوليين من انتخابات مجلس الشعب، وقد يسهل من تفرغهم لأداء هذه المهمة أن يتعاون مجلس الشعب القادم مع حكومة الدكتور الجنزورى، أيا كان رأى أعضائه فيها، بدلا من تضييع الوقت فى محاولة تشكيل حكومة جديدة أو إعاقة عمل هذه الحكومة. فلن تكون نتيجة ذلك سوى تنحية قضايا إنهاء المرحلة الانتقالية ومد العمر لحكم العسكر وقتا ليس بالقصير.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات