بين حرب يوم الغفران.. وصفقة «السلام» السعودية - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين حرب يوم الغفران.. وصفقة «السلام» السعودية

نشر فى : الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 - 7:55 م

بمرور السنوات، تبدو حرب فيتنام فى وعى الكثيرين من أبناء جيلى رمزا لحرب فاشلة ومؤلمة خصوصا. الظروف التى أدت إلى غرق الولايات المتحدة فى الوحل الفيتنامى يمكن أن نفهمها لاحقا بواسطة نظريات، مثل نظرية الدومينو وعقيدة ترومان. ولكن، كى نفهم حقا عناصر المأساة، وبعمق، من الناحية العاطفية، واستمرارها الذى يبدو محيرا اليوم، يجب أن نفهم أيضا النفسية الأمريكية فى نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد اعتقد كثيرون، حينها، أن خطر انتشار الشيوعية هو مثل عودة خطر النازيين، الذى يجب أن ينقذوا العالم منه فى أقرب وقت، وبحزم كبير.
الأمة هى مجموع الذاكرة الجماعية، وبصورة خاصة للصدمات والمخاوف المشتركة. بالطبع، فى إسرائيل أيضا، تعتبر حرب يوم الغفران، الحرب التى أحدثت أكبر صدمة فى الذاكرة الجماعية، وأدت بمرور السنوات إلى ترسيخ نظريات عامة تؤثر حتى اليوم بعمق فى إدراك الواقع. ويبدو فى نظر عدد مهم من الإسرائيليين، أن الدروس المركزية التى استخلصت من هذه الحرب هى دروس عسكرية. ويدور معظم الحديث اليوم بمناسبة مرور 50 عاما على هذه الحرب حول الفشل الاستخباراتى. لكن فى أوساط أخرى، هى أوساط الوسط ــ اليسار، نموذج من الدرس الذى استخلص من حرب يوم الغفران هو المتعلق بالرفض العنيد، عشية الحرب، للسعى للسلام مع العالم العربى، وفى طليعته مصر.
أجزاء من هذا المعسكر، الذى يرى حتى اليوم فى جولدا مائير نموذجا صارخا من الغطرسة الوطنية المطلقة التى أدت إلى الكارثة، بمساعدة الإيمان الأعمى بالتفوق العسكرى على حساب التسوية السياسية، يعكسون نظرتهم هذه على الواقع الحالى. وبسبب هذا الإخفاق التاريخى الذى حال دون التوصل إلى اتفاق سلام مع مصر فى وقت سابق، هم مستعدون لتأييد أى تسوية «سلمية» بأى ثمن، وهذه المرة، حان دور «السعودية». وعلى الرغم من أن المقصود ليس «سلاما» لأنه لا توجد حرب معها، بل هو التعبير علنا عن علاقات تطبيع موجودة عمليا، ومن دون فحص التداعيات المعقدة التى يمكن أن تكون لهذه التسويات على تحقيق السلام المنتظر الحقيقى: السلام مع الفلسطينيين، فى المدى البعيد.
من ناحية أخرى، بدأت تظهر التغييرات الأولى فى هذه النظرية. فى الجولة الأولى لـ«اتفاقات أبراهام» كان الوسط ــ اليسار أكثر سذاجة، وسارع فى أغلبيته إلى استقبال الصفقة بحرارة، انطلاقا من الاعتقاد أنها ألغت «خطة الضم»، وستساعد الفلسطينيين. من الواضح اليوم أن الاتفاقات مع الإمارات، ومع البحرين، ومع المغرب، لم تمنع تشكيل ائتلاف هو الأكثر تطرفا فى تاريخ إسرائيل، وسيطرة الكهانية على المناطق، وتعميق الانتهاكات للوضع القائم فى المسجد الأقصى.
من الممكن رسم خطوط متشابهة كثيرة بين سنة 2023 وسنة 1973، لكن يجب ألا ننسخ دروس الماضى من خلال تجاهل الصلات الجديدة. إسرائيل لم تعد كما كانت، والسعودية ليست مصر، والشرق الأوسط ليس الشرق الأوسط نفسه، واتفاق سلام، هدفه كبح البرنامج النووى الإيرانى، لا يشبه اتفاقا يمكن أن يسمح بحصول السعودية على النووى؛ وكلمات «السلام والعرب» يجب ألا تعمى أولئك الذين يعتبرون أن السلام الحقيقى مهم بالنسبة إليهم. ربما هناك درس واحد لا يزال هو نفسه: فى سنة 2023، لا يزال هناك من يعتقد أن فى الإمكان إجراء مصافحات فى البيت الأبيض، ويتجاهلون برميل البارود فى الضفة وغزة. هم لا ينتبهون إلى أنهم هذه المرة هم الذين يقومون بدور جولدا مائير.

التعليقات