التعليم الإلكترونى: تغيرات محتملة - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعليم الإلكترونى: تغيرات محتملة

نشر فى : السبت 25 أبريل 2020 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 25 أبريل 2020 - 9:25 م

بعد أن فرض وباء كورونا أمرا واقعا تمثل فى بقاء مليارات البشر فى المنازل ومباشرة الأعمال منها، فإنه وبحسب مدونات البنك الدولى فإن ما يقرب من 1.6 مليار طفل وشاب انقطع عن الذهاب إلى المدارس والجامعات فى 161 بلدا وهو ما يقترب من 80٪ من إجمالى الطلاب الملتحقين بالمدارس والجامعات على مستوى العالم فأصبحت العديد من المدارس والجامعات تقدم الخدمات التعليمية إلكترونيا أو عن بعد عوضا عن ذلك.
قطعا فإن التعليم عن بعد ليس جديدا وهناك العديد من الشهادات العليا والوسطى التى يتم منحها عن بعد ومن خلال الوسائط الإلكترونية بعد استيفاء العديد من المتطلبات التعليمية ورغم أن الكثير من هذه الشهادات يتم منحها من مؤسسات تعليمية معتبرة، تبقى سمعة بعض هذه الشهادات سيئة وخصوصا فى ظل بيزنس وهمى عالمى يقوم بمنح الشهادات بمقابل مادى ودون استيفاء أى متطلبات حقيقية للتعليم أو الحصول على أى محتوى معتبر للدراسة.
بعد أن اضطرت معظم المدارس والجامعات فى العالم إلى تقديم خدماتها التعليمية عبر هذه الوسائط الإلكترونية، فإن أسئلة وتحديات كبيرة قد ظهرت على السطح وتحتاج إلى إجابات وحلول.
***
لا يبدو فى الأفق أن عودة الحياة إلى طبيعتها قريبة، فالعديد من الجامعات فى الولايات المتحدة أعلنت بالفعل أن الفصل الخريفى لهذا العام سيكون أيضا عن بعد وهناك آلاف الجامعات والمعاهد الأخرى حول العالم التى تدرس إمكانية استمرار التعليم الإلكترونى خلال العام الدراسى المقبل أو على الأقل خلال النصف الأول منه، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول جودة الخدمات التعليمية المقدمة عن بعد وعن مدى استفادة الطلاب وتطوير مهاراتهم الاجتماعية والتربوية بينما يدرسون فى المنازل.
قطعا الأزمة لا تطال فقط المؤسسات التعليمية، فمعظم المصالح الحكومية والشركات العامة والخاصة فضلا عن البنوك وقطاعات الاتصالات والسياحة وغيرها من الخدمات توقفت وأصبحت تتم عن بعد أيضا، ولكن لأن متلقى الخدمة التعليمية هم من الأطفال الذين يمثل التعليم لهم فرصة تربوية وليست فقط اجتماعية، أو من الشباب وهم من ينتظرون من التعليم تطوير المهارات الحياتية والمهنية وليس فقط المحتوى التعليمى، فيبدو الوضع هنا أكثر خطورة أخذا فى الاعتبار أن جودة العملية التعليمية برمتها كانت محل تساؤلات حتى قبل انتشار الوباء فماذا سيحدث لهذه الجودة بعد أن توقف التعليم الاعتيادى واضطرارنا إلى التعلم عن بعد؟
فى العديد من الدول النامية ومنها مصر، فإن العديد من المدارس لم تتمكن من تقديم فصولها الدراسية وموادها التعليمية بشكل منتظم عبر الإنترنت واكتفى العديد منها بوضع أبحاث مبهمة ينفذها عادة أولياء الأمور وليس الطلبة بسبب صعوبتها وسعيها إلى استيفاء الشكل دون المضمون وهو ما تسبب فى حملة تندر حول «الأبحاث» المطلوب تقديمها من الطلاب وخصوصا من صغيرى السن!
وحتى فى الدول المتقدمة والتى تمكنت مدارسها من استمرار الفصول الدراسية إلكترونيا بشكل منتظم، فإن جودة المحتوى فى ظل عدم انتظام وسهولة التفاعل الإلكترونى بين الطلبة والمدرسين من ناحية، وبين الطلبة وبعضهم البعض من ناحية أخرى ظلت محل تساؤل هذا بالإضافة إلى العديد من المشكلات الأخرى منها أن الطلاب يفتقدون تطوير مهاراتهم الاجتماعية ويصعب تلقيهم القيم التربوية والأخلاقية عن بعد!
نفس هذه الأسئلة قد تم إثارتها على مستوى التعليم الجامعى عالميا أيضا، ذلك أن العلوم النظرية تقوم على تفاعلات المجموعات فى الأنشطة والأبحاث وهو ما لا يمكن دائما تطبيقه بكفاءة إلكترونيا، أما بالنسبة للعلوم التطبيقية، فالتحدى أكبر، ذلك أن أبحاث المختبرات والمعامل والحقول لا يمكن الاستعاضة عنها إلكترونيا وهو ما يعنى تعطل العملية التعليمية برمتها أو الحصول على القليل منها.
لاحظ أن المشكلات المذكورة أعلاه لا تنفصل أيضا عن البيئة الاقتصادية الرأسمالية، ذلك أن تعطل تخرج الطلبة نتيجة لتوقف المختبرات أو تدنى مستوى الخدمة التعليمية إلكترونيا، يعنى ليس فقط إضاعة عام من العمر والخروج إلى سوق عمل مهتز بشدة بسبب الأزمة، ولكن يعنى أيضا ارتفاع تكلفة الخدمة التعليمية على الطلاب وأولياء الأمور وهو ما قد يدفع الأخيريْن إلى الضغط على المؤسسات التعليمية لتقليل تكلفة الخدمة ووقتها سيكون أمام هذه المؤسسات حلان لا ثالث لهما، إما تخفيض تكاليف الخدمة وبالتالى تأثر الموظفين والأساتذة والباحثين العاملين فى هذه الجامعات ماليا فى ظل مشاكل قانونية قد يثيرها هؤلاء إذا ما حصلوا على قيم أقل من المتعاقد عليها، أو الإصرار على عدم تخفيض سعر الخدمة وهو ما قد يهدد بانخفاض إقبال الطلاب على الالتحاق بهذه المؤسسات وهو أمر لا يقل كارثية عن الحل الأول!
فى عدد كبير من الجامعات الأمريكية تمت مناقشات عدة لاحتمالية انخفاض إقبال الراغبين فى الالتحاق بالجامعات لنسبة قد تصل بين 20 إلى 30٪ وخصوصا فى حالة الاضطرار إلى التدريس عن بعد فى الفصل الخريفى المقبل أيضا، ومن أجل ذلك تم التأكيد على ضرورة المرونة مع الطلبة وقبول الأعذار وتقليل التكليفات والتأكيد على المشاركة فى الفصول إلكترونيا، كذلك فقد تم منح الطلاب اختيارات مرنة لعبور الفصل الدراسى الحالى دون تحديد درجات وغيرها من الإجراءات التى قد تشجع الطلبة على الاستمرار فى العملية التعليمية حتى لو تم التدريس عن بعد فى الفصول الدراسية القادمة.
***
الحقيقة أن الأمر ليس برمته سيئا، فتطوير مهارات الأساتذة على استخدام الأدوات الإلكترونية فى التعليم، وزيادة التزام الأساتذة تجاه الطلاب وخاصة فى الساعات المكتبية والحرص على تطوير المقررات بشكل يناسب البيئة الجديدة فى التعليم، كلها أمور إيجابية ولا يمكن التقليل من أهميتها، لكن يبقى السؤال، هل ستؤثر الأزمة الحالية على شكل التعليم مستقبلا؟
فى رأيى، هناك أربعة تغييرات محتملة:
التغيير المحتمل الأول هو أن ينخفض الإقبال على التعليم الخاص مرتفع التكلفة ويزداد الإقبال على التعليم عن بعد من الجامعات والمعاهد وهو ما يكون عادة أقل تكلفة وخاصة فى حالة الطلاب الذين يضطرون إلى السفر من أوطانهم أو مدنهم للدراسة فى بلاد أو مدن أخرى وما يستدعيه ذلك من تكاليف إضافية.
أما التغيير الثانى، هو أن يعيد الطلاب وأولياء أمورهم النظر فى جدوى المبالغ الطائلة التى يدفعونها خصوصا فى حالة الجامعات الخاصة، مما سيجعل الأخيرة أمام خيارين، فإما تقليل التكاليف وتقديم الخدمة بأسعار أكثر معقولية، أو زيادة كفاءة أعضاء هيئة التدريس من حيث طرق ومناهج البحث والتدريس مما يعزز موقع الجامعات ويبقى على تنافسيتها مع الجامعات الأخرى.
أما التغيير الثالث المحتمل، هو أن تركز الجامعات بشكل أكبر على تطوير الأبحاث والمعامل ومراكز الفكر والإبداع بشكل أكبر بكثير من تركيزها على الدعاية والإعلان وهو ما يستهلك حصة كبيرة من الميزانية دون جدوى حقيقية تنعكس على أداء الأساتذة وتطوير قدراتهم.
ثم يأتى التغيير الأخير والمتمثل فى احتمالية إعادة الاعتبار للتعليم الأهلى والعام/الحكومى وغيره من وسائل التعليم التكافلية التى قد تتمكن من تقديم الخدمة التعليمية بأسعار أقل وبقدرة على الإسهام فى إثقال مهارات الخريجين بشكل يلائم البيئة المحلية واحتياجاتها الخاصة.
قطعا تنطبق هذه الاحتمالات أيضا وإن كان بشكل أقل على المدارس، وفى كل الأحوال، فنحن فى مرحلة انتقالية هامة قد تؤدى إلى تغيرات واسعة فى شكل التعليم الذى تعود العالم عليه خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.