الاسم والنصيب - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 11:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاسم والنصيب

نشر فى : السبت 25 فبراير 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 25 فبراير 2023 - 9:25 م
تكاد تجن حتى تصل لسبب مقنع لوجودك أو لتسميتك، لسعادتك أو لشقائك. تنظر للمرآة فتجد نفسك هكذا منذ ولدت، تحمل الاسم نفسه الذى التصق بك حتى صرت أنت وهو واحد، دون أى شجار عائلى. طفل شقى اسمه كذا، ثم تصل إلى سن النضوج وتتأمل ميراثك من الحب والكره، من اللوع والذكاء. يناديك الناس فتستجيب وتعرف أنك المقصود، دون أن تفكر فى مصيرك إذا كان اسمك مختلفا. تعرف دون رغبة مسبقة فى التصنيف أن فلانا وفلانة من جيلك لأنهما ينتميان لموضة أسماء بعينها. تقف مترويا أمام استبيان أجرى أخيرا حول الأسماء الأكثر ذيوعا فى أنحاء العالم، فتكتشف أن مارى ومحمد هما من حالفهما الحظ. مارى هى ستنا مريم التى «كَبَرت وربت» كما يفسر البعض، أو «المحبوبة» فى إشارة لاشتقاق الاسم من «ميريت» باللغة المصرية القديمة أو قد يميل آخرون إلى نسب «مريم» للعبرانية فيكون بمعنى «قطرة الماء». أما محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، فهو «صاحب الشفاعة والمقام المحمود»، يكفى أن تلفظ الاسم فى شارع أى دولة عربية حتى يلتفت إليك عدد هائل من المارة.
• • •

لكل امرئ من اسمه نصيب. هذا ما قاله العرب قديما وكانت هناك تجارب لإثباته حديثا بالاعتماد على برمجيات إلكترونية نجحت فى التنبؤ بأسماء أشخاص انطلاقا من هيئتهم الخارجية، أى أنهم خمنوا اسمهم الصحيح وفقا لما يوحى به شكلهم. دفعت دراسة نشرتها إحدى مجلات الأبحاث المعنية بعلم النفس الاجتماعى عام 2017 أننا نخضع منذ اللحظة الأولى التى نولد فيها لتشكيل اجتماعى ليس فقط من خلال الجنس والانتماء العرقى والمكانة بل ببساطة من خلال الاختيار الذى قام به الآخرون لأسمائنا، إلا أن بعضنا يدفع غاليا ثمن هذا الاختيار.
• • •

أول هدية عند الميلاد. قبل أن نولد يحدد الأهل ما الاسم واللقب اللذان سيقترنا بنا طوال العمر. قد يطول الاسم أو يقصر، يكون مركبا أو بسيطا، مميزا أو دارجا، نادرا أو شائعا، غريبا أو مفهوما، كلٌ وحظه. يرث البعض اسم الجد أو الجدة أو ربما أب غادر الحياة مبكرا. يظلوا فى محاورة ومنافسة مع صاحب الاسم الأصلى بغير قصد. يسألهم الناس عن سبب حملهم لهذا الاسم القديم نوعا ما، فيروون حكايته من طقطق لسلام عليكم. هذا الاسم الذى يرجع لعارف بالله، كان بركة القرية، صار محور النقاش مع كل الجهات الرسمية ومصدرا دائما للمشاكل بسبب طوله المبالغ فيه، كيف يمكن للموظف إدراجه فى السجلات المميكنة التى لا تتسع لشجرة عائلة كاملة؟
• • •

أصل وفصل. بشىء من التمرس والفضول، يتمكن البعض من تتبع تاريخ الفرد وأسرته من خلال الأسماء. لهم أصول شركسية كما يدل لقب العائلة. نزح جيل الآباء من الريف إلى القاهرة مع بدايات القرن العشرين. ينتمى لسلسال طويل من طباخى السكر ذوى الجذور اليهودية الذين سكنوا الفسطاط فى القرون الوسطى. جدها الأكبر كان شيخ طريقة صوفية ومن أولياء الله الصالحين. الدين والنفوذ السياسى هما العاملان المتحكمان فى تبادل الأسماء بين الحضارات، فمثلا استعار العرب عددا من الأسماء التركية للتقرب إلى الطبقة الحاكمة أيام الدولة العثمانية أو كدليل على الوجاهة الاجتماعية، كما نُقلت الكثير من الأسماء الفارسية إلى العربية مع دخول غير الناطقين بها إلى الإسلام، والعكس صحيح. انحسار أو ازدهار التأثيرات المختلفة يظهر من خلال الأسماء المنتشرة بين الأجيال: فى هذه المرحلة كانت هناك رغبة فى التحديث أو انفتاح أكبر على الغرب أو تدين ظاهرى... الفتيات انتقلن تدريجيا على هذا النحو من جلنار وناريمان إلى دينا وأمانى ثم إلى جودى وجورية، مرورا بالطبع بأسماء أخرى كثيرة.
• • •

تمييز وعنصرية. وبما أن الاسم قد يدل على قصة الشخص وأهله وانتماءاتهم الاجتماعية والدينية والسياسية أحيانا، فقد يكون مصدرا للتعب والشقاء، بل قد يعرض صاحبه لتعصب وطائفية مقيتة. يتم رفضه من وظيفة دون اختبار لمجرد أن اسمه يدل على ديانته، وهو ما يحدث مثلا فى دول غربية حين يحمل بعض أبناء المهاجرين أسماء تدل على أصولهم فلا ينظر إلى سيرهم الذاتية بعين الاعتبار ويُحرمون من فرص مناسبة لهم. وبسبب الاسم أيضا قد نعانى من التنمر ويلاحقنا التهكم لأنه مدعاة للسخرية ولأن الأهل لم يلحظوا أن طفلهم لا يحمل أى ملمح من صفات الاسم الذى منحوه إياه. ربما أرادوا له اسما فريدا من نوعه لكنهم بالغوا فى ذلك، أو اختاروا اسما لا يناسب كل المراحل العمرية.
• • •

ثِقل وعِشرة. هناك من حاول الهرب طيلة حياته من اسم أصبح يطارده كاللعنة، وهناك من سعى لتغييره فى الأوراق الرسمية وتحمل إجراءات لا أول لها من آخر بهدف التخلص منه نهائيا، وهناك من عاش ومات وبداخله غضب كبير تجاهه، وهناك من ضج بفكرة أنه يحمل اسما لا يتذكره أحد لكثرة انتشاره، وهناك من تصالح معه حتى وإن لم يكن معجبا به، فأعطى نفسه فرصة أخرى باستخدام كنية أو «اسم دلع»، وهناك من تعلق باسمه فصار يحب ما شابهه أو كان منه مدانيا، والناس فيما يعشقون مذاهب.
التعليقات