«طرب زمان»: «يا ظبى خذ قلبي وطن» - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 11:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«طرب زمان»: «يا ظبى خذ قلبي وطن»

نشر فى : السبت 22 يوليه 2023 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 22 يوليه 2023 - 9:50 م
يرجع عشقى للأغنيات المصرية القديمة، وللأدوار وللموشحات، إلى برنامجين أثّرا عميقا فى جيلنا كله، أحدهما برنامج تليفزيونى شهير بعنوان «الموسيقى العربية»، من إعداد وتقديم د.رتيبة الحفنى، والثانى إذاعى بعنوان «ألحان زمان»، من إعداد المؤرخ الموسيقى محمود كامل، ومن تقديم هالة الحديدى.
لا أزعم أننى كنت أستوعب كل ما يذاع فى البرنامجين، ولا كل شروحات د.رتيبة للأغنيات، ولا تنويهات هالة الحديدى حول الأغنية الفلانية الملحنة من مقام السيكا أو النهاوند، ولكنى أزعم أن أذنى تعودت على الطرب، وخصوصا أن برنامج «الموسيقى العربية» بالذات، كان يعرض القديم بطريقةٍ عصرية، وبتوزيعاتٍ مبسطة لاثنين من كبار الموسيقيين هما: عبدالحليم نويرة، وحسين جنيد، وبأصواتٍ جميلة مميزة، مثل: إجلال المنيلاوى، وسوزان عطية، ومحمد الحلو.
لدينا تراثٌ غنائى مذهل، وأصوات عظيمة قديمة، وهذا الكتاب الصادر عن دار المحرر، بعنوان «طرب زمان»، لمؤلفه د.عصمت النمر، يهدى قارئه سياحة ممتعة شاملة، كتبها عاشق حقيقى للتراث، وجامع لنوادره الغنائية، ودرره الفريدة.
يطوف بنا الكتاب فى عالم الطرب القديم، وتحديدا من نهاية القرن التاسع عشر، وطوال النصف الأول من القرن العشرين، فيتوقف المؤلف أولا عند ديوان الزجل والزجالين، من ابن قزمان، والغبارى، وابن عروس، إلى عبدالله النديم، ويونس القاضى، وبيرم التونسى، والأخير يسجل الكتاب بعض أشعاره المنشورة أثناء إقامته فى تونس، سواء بالعامية المصرية أو التونسية، أو بالفصحى.
ينتقل المؤلف إلى كبار العازفين القدامى، مثل عازف الكمان الشهير سامى الشوا، وعازف القانون، وصاحب التخت الشهير محمد العقاد، ثم يقدم فى ترجمات يسيرة، مشفوعة بالصور، نجوم مدرسة المشايخ الذين أثروا حرفة الغناء والموسيقى، مثل الشيخ أبو العلا محمد، والشيخ سلامة حجازى، ونابغة العصور الشيخ سيد درويش، والشيخ يوسف المنيلاوى. فى مقابل طرب المشايخ، كان هناك غناء العوالم، وفى الكتاب ترجمات مهمة لأسماء معروفة، وأخرى مجهولة، فى دنيا العوالم، من سيرينا المصرية، وهى شقيقة الفنانة نجمة إبراهيم، ونعيمة المصرية، صاحبة الأغنيات المعروفة مثل «تعالى يا شاطر»، ومثل أمينة شخلع، ومن أشهر أغنياتها «قولوا لعين الشمس ما تحماشى»، وأسما الكمسارية التى سجلت 23 أسطوانة، منها «جمال خدك بيتعاجب» و«يا شمعة العزّ قيدى».
بين العوالم مَنْ كُنّ تقدمن الأدوار بصوتٍ ممتاز، وتحظين بالتقدير والاحترام، وهناك من كن تقدمن الأغنيات المكشوفة. كانت رئيسة العوالم تحمل لقب «أُسطى»، وترتدى تاجا على رأسها، وتضم فرقتها ثمانى سيدات، واشتهرت طقاطيق كثيرة تؤديها العوالم، مثل: «سلفنى بوسة على خدك»، و«إوعى تزغزغنى جسمى رقيق ما يستحملش»، و«جوزينى يا امة راجل قيافة.. كامل المحاسن واللطافة». يقدم د.عصمت النمر صفحاتٍ عن شخصياتٍ يمكن أن يقال إنها غامضة فى تاريخنا الغنائى، لقلة المعلومات عنها، مثل: حياة صبرى، تلميذة سيد درويش، وبطلة فرقته. فالشيخ سيد هو الذى أعطاها اسمها الفنى، وكان اسمها الأصلى عائشة عبدالعال. ومثل زوبة الكلوباتية، التى اشتهرت برقصة الشمعدان، والمغنية فاطمة سرى، صاحبة القصة الحقيقية التى اقتبسها مصطفى أمين فى فيلم «فاطمة» لأم كلثوم. تزوجت فاطمة سرى عرفيا من محمد بك شعراوى، ابن هدى شعراوى، وأنجبت منه طفلة، ولكن هدى هانم أجبرت ابنها على إنكار الزواج والإنجاب، بسبب الفوارق الطبقية، فخاضت فاطمة سرى معركة قضائية، أثبتت حدوث الزواج، وتم ضم الابنة إلى والدها محمد بك شعراوى، ولكن فاطمة لم تعد أبدا إلى زوجها، على عكس نهاية الفيلم.
ومن أهم وأمتع فصول الكتاب تفاصيل مؤتمر الموسيقى العربية الذى استضافته مصر فى العام 1932، والذى اعتبر نقطة تحول تاريخية فى تأسيس علم الموسيقى العربية. عقد المؤتمر تحت رعاية الملك فؤاد، واشترك فى لجانه محمد عبدالوهاب، المطرب الشاب وقتها، وغنت أم كلثوم فى حفل ختامه، حيث قدمت أغنيتها البديعة «أفديه إن حفظ الهوى أو ضيّعا».
ومن أبرز إنجازات المؤتمر طبع 360 أسطوانة لأغنيات وموسيقى قدمتها الفرق المشاركة، ومن بينها فرق من تونس والمغرب والجزائر ولبنان والعراق. لا يمكن الحديث عن هذا المؤتمر دون الإشارة إلى الدكتور محمود أحمد الحفنى، والد د.رتيبة، الذى كان صاحب فكرة المؤتمر، وكان د.الحفنى رائدا عظيما فى مجال إعداد المناهج، وتدريس الموسيقى فى المدارس المصرية.
عن أساتذة الابتهالات والإنشاد الدينى، يتوقف د النمر عند أسماء خالدة مثل: الشيخ على محمود، وهو سيد القراء وإمام المنشدين، وتلميذه القارئ والمنشد الفذ الشيخ طه الفشنى، والعبقرى المنشد إبراهيم الفران، والشيخ درويش الحريرى، الذى تعلم منه عبدالوهاب، والشيخ محمود صبح، صاحب المساحة الصوتية الخارقة، والذى تحدّى كبار مطربى عصره. فقد كان صبح يقطع أغنياته فى محطات الإذاعة الأهلية، ويقول متحديا: «سامعين يا مطربين آخر زمن؟ سامع يا أستاذ عبدالوهاب؟ سامعة يا ست أم كلثوم؟ سامعين الواحد وعشرين مقام اللى عملتهم فى جواب الجواب ده؟».
من أشهر موشحات محمود صبح: «يا ظبىُ خذ قلبى وطن/ فأنت فى الأنس غريب»، ومن أدواره التى لحنها: «حلّفت خدّك بخاله... يخلّى عبده فى حاله»، ودور «غرامك مدرسة عشاق»، ويا لها من كلمات جميلة.
يختتم د.النمر كتابه بترجماتٍ لأشهر مقرئات القرآن المصريات مثل كريمة العدلية، زوجة الشيخ على محمود، ومنيرة عبده، والاثنتان قدمتا قراءاتٍ ممتازة مسجلة فى الإذاعة المصرية. ويرجع تاريخ القارئات المصريات إلى أم محمد، التى كانت من أشهر القارئات فى عهد محمد على.
أتمنى على أهل الفضائيات أن يستفيدوا من معلومات د.النمر، ومن تسجيلاته الغنائية، ومن أرشيفه المميز، عبر برنامج موسيقى أسبوعى. فهذا أفضل وأنفع بالتأكيد، من ذلك الهراء، الذى يطاردنا يوميّا، على الشاشات الفارغة.
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات