بطرس غالى يعانق «بدر البدور» - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 12:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بطرس غالى يعانق «بدر البدور»

نشر فى : الأحد 21 فبراير 2016 - 10:55 م | آخر تحديث : الأحد 21 فبراير 2016 - 10:55 م
(1)

أثناء مرورى فى نيودلهى‏،‏ منذ سنوات خلت‏،‏ أتى من يقترح على استشارة عراف واسع الشهرة،‏ وقيل لى، لمزيد من الإقناع‏:‏ إنه على استعداد للمجىء إلى الفندق ولقائك سرا‏،‏ وتم تحديد الموعد فى 9‏ سبتمبر 1994.

كنت أتوقع أن أجد أمامى رجلا مسنا‏،‏ ذا لحية بيضاء‏،‏ ووجه نقشته السنون‏،‏ وهى الصورة التى نرسمها عن الحكماء‏،‏ وكانت دهشتى حين رأيتنى ذاك النهار أمام شاب يافع‏،‏ يوحى بالاحتـرام‏ (...).

وجهـت إليـه السـؤال الذى كان أكثر ما يشـغلنى ذاك الحـين‏:‏ إن فى نيتى السعى لولاية ثانية لـ5 سنوات فى الأمم المتحدة‏،‏ وما هى حظوظ إعادة انتخابى؟، أصابتنى الخيبة من إجابته الفورية‏:‏ لا أظن أنك ستنجح فى تحقيق هذا المشروع‏، لكن أعتقد أن نجمك سيسطع أكثر بعد أن تنتهى من مهامك‏،‏ سيحدث ذلك بعد انقضاء قمرك الألف‏،‏ وبإمكانى أن أؤكد لك أن نجمك سيشع بنور لا مثيل له‏،‏ لا أرى شيئا آخر فى الوقت الحاضر سوى النور الباهر لهذا النجم».

«تساءلت أحيانا كثيرة‏،‏ منذ هذا اللقاء الغريب‏،‏ عن رمزية هذا النور الذى سيضىء أيامى المشارفة على المغيب‏،‏ وأنا أنتظر‏،‏ كمن ينتظر الوحى،‏ أن يطلع بدر البدور».

(2)

العبارة السابقة من مقدمة كتاب «بانتظار بدر البدور» الصادر عن دار «الشروق» للدكتور بطرس غالى، أحد الفرسان الكبار للدبلوماسية المصرية، الذى وافته المنية الأسبوع الماضى، ورغم أننى لست من المؤمنين بأقوال العرافين.. ولا المولعين بتفسير نبؤاتهم، إلا أن نجم غالى قد سطع بالفعل بعد «أن انتهى من مهامه» وصعد إلى جوار ربه. و«بدر البدور» الذى ظل ينتظره فى حياته الحافلة بالعطاء قد ظهر بالفعل، لكن بعد أن حلقت روحه فى السماء؛ ففى بلاد مثل بلادنا لا يحدث أن يظهر لك «بدر البدور» بنوره الباهر الأخاذ ــ مهما كان حجم عطائك وتفانيك فى خدمة بلادك ــ إلا بعد أن توارى الثرى.. فيتذكر الناس أن هناك من أفنى عمره فى خدمتهم!

إن «بدر البدور» الذى ظهر ليحتضنك يا فارس الدبلوماسية وهو عاليا فى الآفاق.. محلقا بأجنحته المهيبة والمفرودة بعرض سماء المحروسة، كان «حب المصريين وتقديرهم لك، حتى من اختلفوا مع خطك السياسى»، بعد سماعهم نبأ وفاتك؛ فنم قرير العين.. مرتاح الضمير.. فبقدر ما اجتهدت فى العطاء لوطنك ــ فأصبت وأخطأت ــ بقدر ما أحبك أبناؤه.


(3)

بطرس غالى.. هو الاسم الذى ألفه جيلى المولود فى السبعينيات، فما أن تفتح وعينا على «نشرات الأخبار» حتى كان هذا الاسم أحد الثوابت فيها. تتبدل عليه أسماء وزراء الخارجية، لكنه يظل متألقا فى موقعه الأثير «وزير الدولة للشئون الخارجية» (1977ــ1991م)، الذى سيظل طوال تاريخ الدبلوماسية المصرية العريق أفضل من شغل هذا المنصب ــ المثير للجدل ــ على الدوام.

عمل غالى منذ أن تبوأ منصبه الوزارى فى نوفمبر 1977م بعد استقالة وزير الخارجية إسماعيل فهمى، احتجاجا على اعتزام السادات زيارة القدس، مع خمسة وزراء للخارجية: بداية من محمد إبراهيم كامل، مرورا بمصطفى خليل، وكمال حسن على، وعصمت عبدالمجيد، وصولا إلى عمرو موسى، الذى تغير معه المسمى الوظيفى لـ«غالى» ليصبح «نائب رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية».

(4)

اختلفت مساحة الحركة التى منحها كل وزير من هؤلاء الخمسة لـ«غالى»، فقمة مجده كانت فى عهد مصطفى خليل وكمال حسن على، لانشغال الأول برئاسة الوزراء، وليقين الثانى أنه قادم كرئيس للوزراء وهو ما تم بالفعل، لكن الثابت أن غالى طوال الوقت كان لديه إصرار فولاذى على أن يخلق لنفسه دورا، ناهيك عن الإبداع والتألق فيه. وبعد أن اقتنع بأنه لم يعد بمقدوره الاستمرار كرجل ثان فى إدارة الدبلوماسية المصرية، قاتل للبحث عن موطئ قدم له على المسرح الدولى، فنجح فى الوصول لقمة هرم الدبلوماسية متعددة الأطراف، ممثلة فى منصب السكرتير العام للأمم المتحدة (1992ــ1997م) كأول عربى وأفريقى يتبوأ هذا المنصب الرفيع.. رحم الله من عانقه أخيرا «بدر البدور».

kaboubakr@shorouknews.com
التعليقات