«شفنا اللى عمرنا ما شفناه» يا أستاذ هيكل - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 3:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«شفنا اللى عمرنا ما شفناه» يا أستاذ هيكل

نشر فى : السبت 20 فبراير 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : السبت 20 فبراير 2016 - 10:20 م
«مصر مقبلة على ما لم تشهده من قبل فى تاريخها.. هذان العامان سيحكيان لنا عما سيحدث.. هتشوفوا اللى عمركم ما شفتوه قبل كدة».. بهذه العبارة ختم الأستاذ محمد حسنين هيكل رحمة الله عليه ندوة دعاه إليها المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى قضاة مصر حينها فى مايو عام 2008، ليتحدث إلى قضاة مصر فى المقر النهرى لناديهم.

كان الأستاذ عائدا لتوه من رحلة استمرت ستة أسابيع خارج مصر قضى منها فترة غير قصيرة بالولايات المتحدة لمتابعة تطورات الانتخابات الأمريكية، «تلك الانتخابات غير مسبوقة، ورغم أن الرئيس المقبل من وجهة نظرى لن يكون أفضل من بوش، بل أعتقد أنه سيكون أسوأ منه فى تقديرى، فإن متابعتها مهمة».

كانت المرة الأولى التى ألتقى فيها «نبى الصحافة»، لم يخيب ظنى فيه، فالرجل الذى تجاوز الخامسة والثمانين حينها مازال شغوفا بالخبر، يتتبعه حيث كان، يذهب إلى أمريكا ليرى ويسمع ويستقصى المعلومات من مصادرها، «لن أنشرها لأى صحيفة لكن يموت الزمار وإيديه بتلعب».

منذ أن بدأت الخدمة فى بلاط صاحبة الجلالة وأنا أحلم بلقائه ومجالسته والاستماع إليه، وكانت ندوة نادى القضاة الذى أغطى أخباره فرصة لتحقيق حلم الوقوف أمام رسول المهنة الذى هبط عليه وحيها فأمسك به ولم يفلته حتى صعدا معا إلى ربهما.
تحدث هيكل فى بداية الندوة بإسهاب عن الوضع فى الإقليم، بعدها قال: السؤال الذى يواجهنى دائما إحنا رايحين على فين؟ وأقول إجابة مختصرة حملها بيت شعر لحافظ إبراهيم بأننا «رايحين فى داهية».

لم يشأ الأستاذ أن يضع القضاة فى حرج بحديثه عن الأوضاع الداخلية، فأزمتهم مع نظام مبارك لم تنته بعد، «دائما ما أتعرض لأزمات ومشاكل ولا يهمنى، ولكن لا أريد هنا أن تحدث لكم مشاكل» لكنه لم يستطع أن يقاوم، فختم الندوة برد على سؤال للزميل مجدى الجلاد رئيس تحرير «المصرى اليوم» حينها «هل سنتعرض لردة عن الإصلاح فى حرية الرأى والتعبير خلال الفترة المقبلة»، فأجاب هيكل بقوله: «أخالفك الرأى، فما سيحدث هو شدة وليست ردة، ومصر مقبلة خلال الفترة المقبلة على ما لم تشهده من قبل فى تاريخها».

وأضاف: «مصادفة أن أحضر إلى نادى القضاة فى نفس التوقيت الذى يصدر فيه قرار بمد الطوارئ لمدة عامين.. مطلوب من جميع الأطراف المعنية أن تتدبر مواقفها وخطواتها جيدا لمعرفة كيف يمكن أن تواجه الأزمة.. هذان العامان سيحكيان لنا عما سيحدث.. هتشوفوا اللى عمركم ما شفتوه قبل كده».

تحققت نبوءة الصحفى المعجون بمداد الكلمة، والمحلل الاستراتيجى الأوحد الذى جلس التاريخ أمام مكتبه ليقلب صفحاته فيرى ما لا نرى، و«شفنا اللى عمرنا ما شفناه»، سقط رئيس بليد وواجهت مصر مصيرها ولاتزال.
كلما سمعت أو قرأت عن تجربته فى بلاط تلك المهنة من تلميذه الأقرب أستاذى عبدالله السناوى أشعر بضآلتى وبأننى لم أراوح مكانى وعلى أن أبدأ من جديد.. إدارته لوقته، شغفه بالمعرفة، سؤاله الدائم «إيه الأخبار»، تدوينه لما يسمع، أدراكه لقيمة الوثيقة، معاركه وترفعه وعدم التفاته للصغائر ليظل كبيرا.

بالرغم من تسلل علامات السن على وجهه ألا أن ذهنه ظل حاضرا، بدا فى المرات القليلة التى التقيته فيها بمكتبه على نيل الجيزة حريصا على المتابعة الدقيقة لكل ما يجرى، لكن فى المرة الأخيرة خلال احتفال اصدقائه وتلاميذه بيوم مولده فى سبتمبر الماضى تفحصت وجهه فشعرت بأننى أمام رجل يلملم أوراقه ويجهز لرحلته الأخيرة، مع ذلك لم يفته أن يلخص لنا ما يجرى وقال فى جملة واحدة: «لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبدالناصر بسياسات إسماعيل صدقى»، فى إشارة إلى طبيعة التوجهات الاجتماعية والاقتصادية لنظام الحكم الحالى.
التعليقات