بلاغة أهل الگهف - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 3:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بلاغة أهل الگهف

نشر فى : السبت 17 ديسمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 ديسمبر 2011 - 8:00 ص

تيتو كان يهوى السينما ويشاهد فيلما جديدا تقريبا كل ليلة، وبورقيبة كان مهووسا بالثقافة خاصة المسرح، إذ مثل على خشبته مع حبيبة مسيكة فى الثلاثينيات وكذلك عندما كان طالبا فى السوربون بباريس، ونتذكر حتى الآن احتفالات ثورة يوليو المصرية والأغنيات الخالدة التى تؤرخ للعهد الناصرى بما شهده من تعددية ثقافية «تحت إشراف الرقيب».. شغف أدى إلى ازدهار على الطريقة الأبوية، استمر لحين واضمحل أحيانا.. لسنا بصدد الحديث عن مشوار السياسات الثقافية فى بلاد تلاعب حكامها بمصير مبدعيها وذائقة الجماهير، فذلك الحديث قد يطول بما يتجاوز مساحة الصفحة، لكننا أمام واقع فرض نفسه مع ثورات الربيع العربى، فكما تغير النظام السياسى كان يجب التفكير فى تغيير المنظومة الثقافية تباعا. وقد ظهرت بالفعل محاولات البعض لاسترجاع «الفضاء العام»، بعيدا عن رمزية الاحتفالات الوطنية التى استعملتها الأنظمة السابقة لفرض هيمنتها. وبما أن تونس تتصدر المشهد بكل حب ومودة منذ الصيف الماضى، بحكم الأقدمية الثورية.. فكل ما يأتينا من أخبار تتعلق بتنظيم العمل فى الحقل الثقافى تبشر بالخير، هناك مثلا محاولات ناجحة لتشكيل مجلس وطنى ثقافى مستقل (له صلات بالحكومة لكن لا يرتمى فى أحضانها)، ووضع أربعة نقاط فى الدستورالتونسى الجديد تنص على الحقوق الثقافية بما يكفل حرية التفكير والإبداع، ومبادرات جادة للقضاء على المركزية، ودليل شامل يقدم كل المبدعين التونسيين حسب اتجاهاتهم.. اتخذت خطوات بالفعل وينظم الناشطون بهذا الصدد وقفة فنية أمام البرلمان يوم 8 أو 11 يناير المقبل لكى يطرحوا أفكارهم على الجميع.

 

رغبة عارمة، وبخاصة لدى الشباب، فى احتلال الجدران والشوارع وملء الفراغ الثقافى الذى ساد وطال.. وضمن هذا الإطار يستمر «أهل الكهف» فى الرسم على مسطحات تونس العاصمة وسواها، مستغلين شقوقها لإعطائها بعدا فنيا. فمن خلال منتدى للثقافة والسياسة عقد فى القاهرة مؤخرا بواسطة معهد جوتة ومؤسسة المورد الثقافى، وقف الشاب التونسى ــ زياد الحضرى ــ ليروى تجربة مجموعة «أهل الكهف» التى يقودها ثلاثة من خريجى الفنون الجميلة اليساريين وانضم إليهم لاحقا عدد لا يحصى من الأعضاء. شرعوا فى رسم أول جرافيتى لهم خلال اعتصامات القصبة أمام مقر رئاسة الوزراء، بعدها قام أحدهم بتنزيل الصور على الفيس بوك فكانت انطلاقتهم الفعلية. وبما أنهم كانوا يبحثون عن ثقافة لا تذوب فى الثقافة الاجتماعية السائدة ويأخذون مسافة منها بحثا عن بديل، فقد جاءت تسمية «أهل الكهف» موفقة للغاية، إذ ترمز إلى القصة القرآنية لرجال لجأوا إلى الكهف هربا من الطغيان فأدخلهم الله فى سبات عميق دام أكثر من ثلاث مائة سنة، الفنانون الشباب أيضا انعزلوا عن مجتمعهم كأهل الكهف حتى استطاعوا أن يعيشوا تجربة مغايرة.. يرسمون ليلا، وبعيدا عن أعين الشرطة التى ما زالت تلاحقهم، تاركين للسكان فرصة اكتشاف أعمالهم مع مطلع الشمس، مثلهم مثل العديد من فنانى الجرافيتى حول العالم المضطرين دوما للمغامرة والتحايل على السلطات، حتى وإن حملت أعمال «أهل الكهف» الأصليين بعدا تشكيليا بحكم دراستهم بمعهد الفنون الجميلة.

 

ذاع صيتهم وأصبح الهامش هو المتن والعكس صحيح.. ولولا هذا التغير المصاحب عادة للثورات لما ظهرت العديد من الأسماء هنا وهناك.. لما تميزت فرقة «اسكندريلا» بأعمال مثل «يحكى أن» و«أهل الشام».. ولما وقف مغنى مثل رامى عصام وسط الجماهير الحاشدة بميدان التحرير ليلحن شعارات الثورة أو ليؤدى أغنية ساخرة على نمط «الجيش العربى فين؟».. الجيش العربى فى مصر ساكن فى مدينة نصر.. يصحى من النوم العصر.. يشرب شاى ومنين» إلى آخره... ولما انتشرت رسومات الجرافيتى بتوقيع «كايزر»...

 

تحررت الكلمة وانتمت أكثر إلى الشارع. وفى حين يحاول البعض على الصعيد الشخصى تجميع بعض القطع الصغيرة المتناثرة التى انتمت لماضيه بهدف تكوين وحدة جديدة لها معنى عام، يسعى آخرون بشكل جماعى أو فى صورة ائتلافات مستقلة لصياغة رؤية أو سياسة ثقافية جديدة، لكن البطء سيد الموقف حتى الآن فى مصر رغم أنها عرفت المؤسسات الثقافية منذ القرن التاسع عشر بفضل محمد على، لكن طبعا هذا الأخير لم يكن يؤمن بدمقرطة الثقافة ولا بشعار «إنا للشارع وإنا إليه راجعون».

التعليقات