الإنسان فى القرآن(4) تكريمه بتسخير الكائنات لسد حاجاته - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 1:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان فى القرآن(4) تكريمه بتسخير الكائنات لسد حاجاته

نشر فى : الجمعة 17 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 مايو 2013 - 8:00 ص

(1)

 

آيات كثيرة فى القرآن الكريم تعدد أهم ما خلقه الله من كائنات وسخرها لخدمة الإنسان، وأبرز هذه المسخرات الأرض والسماء وما فيهما وما بينهما كما تشير الآيات: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِى السَّماواتِ وَما فِى الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً...)، (اللَّهُ الَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِىَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «١٢» وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ...)، هذه المسخرات لا تملك معصية الإنسان، بل ولا تنصاع إلا لأمره. فها هى الأرض تؤدى جميع وظائفها لجميع البشر، مؤمنين وغير مؤمنين، حيث إن الخالق سبحانه متكفل بحاجات جميع المخلوقات، كذلك الحيوان بما فيه من دواب وأنعام والنبات على تنوع فصائله لا عمل له إلا خدمة ذرية آدم على تنوع أطيافها لإشباعها وتمتعها بالزينة والروائح الزكية.

 

(2)

فالأرض والماء يخدمان النبات، والأرض والماء والنبات يخدمون الحيوان، والأرض والماء والنبات والحيوان يخدمون الإنسان، فمن كل هذه الكائنات يتخذ الإنسان مسكنه وطرقه ومرافقه وملبسه ومطعمه ومشربه، وفى الأرض يمارس الإنسان جميع أنشطة حياته، لا يحول بينه وبين التمتع بجميع المخلوقات إلا جهله بأصول التعامل مع تلك المسخرات، ومدى معرفته بالسنن الإلهية التى تتجاوب بها تلك المسخرات مع سعى الإنسان وبحثه العلمى.

 

فتسخير الأرض جعلها تخضع للإنسان يشقها شقا لتخرج له الزرع مختلف ألوانه ولتخرج الماء عذبا، وتحمل الحيوان وتطعمه لتجهيزه لمنفعة الإنسان. ويستطيع كل بصير أن يدرك ما توفره الأرض من نعم لا تحصى للإنسان، لا ينقصها إلا إتقان الإنسان لمهام الإعمار والسعى والتحاور مع المسخرات بما يساعدها على إنجاز وظائفها التى خلقت من أجلها.

 

وكذلك الأرض تحمل جميع وسائل الانتقال، فمن الدواب قديما إلى ما اكتشفه العقل الإنسانى من استخدام الطاقة وتسخيرها ثم الثورة الصناعية إلى ثورة الاتصالات حتى تحولت الكرة الأرضية كلها إلى «قرية متجاورة».

 

فهل استطاع الإنسان أن يسخر نفسه لنفسه؟!

 

هل استطاع الإنسان أن يتيح لجنسه البشرى نتاج تلك المسخرات؟!

 

الواقع يثبت ويؤكد أن الأرض كانت ومازالت أكرم للإنسان من الإنسان، وأرحم به من نفسه، فالأرض أباحت وأتاحت خيراتها للإنسان، ولكن غلظة الإنسان وتعسفه باتباعه لهوى نفسه، فى استعماله للحق جعلته أدنى من الأرض فهو يكتم خيراتها حينا ويحتكرها حينا ويبذرها تبذيرا حينا اخرى، بل وصل جحود الإنسان أن يهلك خيرات الأرض إهلاكا بإلقائها فى المحيطات كى لا ينتفع بها الآخرون.

 

(3)

 

وتتعدد وظائف الكائنات السماوية

 

(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ...)

 

وفى السماء وما فيها ملكوت أكبر: (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، فتسخير السماء والشمس والقمر ينتج للإنسان الفصول الأربعة الربيع والصيف والخريف والشتاء، كما ينتج له الليل والنهار، فالسماء بناء مرفوع يحمى الإنسان (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا.. وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ)، كما أن السماء تنزل الغيث والمطر (وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد). كما يساهم الغيث فى إخراج نبات كل شىء.

 

(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ...).

 

وقد حوت السماء فوق كل ذلك كواكب ونجوما وآيات تجل عن الوصف (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ).

 

(4)

 

فالأرض وما فيها والسماء وما فيها وما بينهما كل ذلك طوع أمر الإنسان ومسخر لمنفعته ومصلحته. فهل يرتقى الإنسان درجة تجعله نافعا لنفسه ولجنسه؟! هل يرتقى درجة كدرجة عطاء الأرض لجميع من يسكنها؟ّ! درجة عطاء الحيوان للإنسان إذ يطعم جميع بنى آدم دون تفريق؟!

 

أو هل يرتقى الإنسان درجة كدرجة عطاء النبات لكل من يطلبه من الطير والحيوان والإنسان؟!

 

هل يتجاوب الإنسان مع نفسه ومن حوله دون نكران ولا جحود ولا كسل ولا تسويف؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات