هل تلحق مصر بتونس أم ضاعت الفرصة؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 10:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تلحق مصر بتونس أم ضاعت الفرصة؟

نشر فى : الجمعة 16 أكتوبر 2015 - 11:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 أكتوبر 2015 - 11:00 ص

كانت الثورة التونسية عامل إلهام رئيسى لاندلاع الثورة المصرية فقد فاجأ التونسيون العالم أن طاغيتهم زين العابدين بن على يفر هاربا من البلاد بعد أن خرجت الجموع تطالب بالحرية، كانت الرسالة التى ألهمتها تونس للمصريين، وغيرهم أنهم يستطيعون إذا أرادوا، وأن تغيير الأنظمة الاستبدادية ليس مستحيلاً بل يلزمه شعبا موحدا يجتمع على مطالبه، ويحتشد خلفها بسلمية، ويضحى من أجلها إن لزم الأمر.

كان مشهد الشاب المصرى الذى وقف ثابتا أمام المدرعة التى تقترب منه ليجبرها على الوقوف بسلميته رسالة أن المصريين، قد كسروا حاجز الخوف وأن الآلة القمعية للنظام لن توقف هذا الجيل الذى خرج يطالب بالحرية وبإسقاط نظام فاشل أفسد الحاضر وصادر المستقبل وجثم على أنفاس المصريين، رغما عنهم ونجحت الثورة المصرية فى إزاحة مبارك ودخلت فى الاختبار الثانى الذى دخلته قبلها تونس وهو اختبار بناء الديمقراطية وتحقيق التوافق الوطنى لترسيخ القواعد المؤسسة لبناء الدولة الحديثة.

واجهت تونس بعض المشكلات فى البداية واشتعل بها الاستقطاب المدنى ــ الدينى، وانقسم المجتمع التونسى وبدأت إشكاليات الهوية، وشكل النظام الجديد وطبيعته تثير مزيدا من الاختلاف الذى كاد يودى بأول تجربة ديمقراطية أعقبت الثورة، لكن برز هنا دور المجتمع المدنى ممثلاً فى اللجنة الرباعية للحوار الوطنى التى تتألف من 4 منظمات رئيسية فى المجتمع المدنى التونسى، وهى الاتحاد العام التونسى للشغل، والاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ورابطة حقوق الإنسان التونسية، والهيئة الوطنية للمحامين، هذه أربع هيئات مختلفة، لكنها تآزرت واتحدت من أجل إنقاذ التجربة الوليدة وحماية الشعب التونسى من الانزلاق فى مسار العنف والاقتتال الأهلى، لم يكن أمام القوى السياسية المختلفة إلا أن تستجيب لمبادرة الحوار وتُصغى إليه لأنه نابع من إرادة شعبية جارفة تبحث عن مستقبل تتحقق فيه الديمقراطية.

كسر الحوار حدة الاستقطاب الدينى ــ المدنى وأدرك الجميع أن بديل الحوار هو موت التجربة والعودة للماضى البائس لذلك تمسكوا بالحوار وقدموا التنازلات من أجل المصلحة الوطنية ومن أجل تفويت الفرصة على من يريدون للتجربة الفشل ويحيكون لها المؤامرات.

•••

بالانتقال إلى التجربة المصرية ومقارنتها بما حدث فى تونس نجد أن الانتهازية السياسية لدى الإسلاميين، ولدى التيار المدنى جعلت الطرفين، يصران على إشعال نار الاستقطاب الذى يعطى لكل منهما حيثية لدى جمهوره، كان الباعث الأساسى لتأجيج الاستقطاب فى مصر هو الحصول على مكاسب انتخابية وجمهور أوسع، ولم يكن الاستقطاب قائما فقط على اختلاف فكرى وتصورات مختلفة، كما يدافع بعضهم عن سبب الاستقطاب، كانت الحماقة الكبرى أن نختلف حول لون دهانات المنزل ونحن لم نقم بتشييد أعمدته التى سيرتفع فوقها، احتمى الإسلاميون بجمهورهم وشعاراتهم وغرهم قوة الحشد، ولاذ المدنيون بالمؤسسة العسكرية يطلبون منها الإجهاز على غريمهم رغم معرفة الجميع مدى خطورة تدخل المؤسسة العسكرية فى السياسة، وتم تصفير المشهد الديمقراطى تماما لتصل مصر إلى مرحلة بائسة صار الحنين فيها للهامش الديمقراطى لنظام مبارك شيئا عاديا بعد أن تم تأميم السياسة وغلق المجال العام والعودة لنموذج ستيناتى لا يبشر إلا بمزيد من السقوط والانحدار.

دفع الإسلاميون ثمن مطامعهم ودفع المدنيون ثمن غبائهم بعد أن شارك الطرفان فى الإجهاز على الديمقراطية كلٌ بطريقته، السؤال المهم فى هذه اللحظة: هل من أمل لإصلاح الحال فى مصر واللحاق بالتجربة التونسية، التى منحها العالم جائزة نوبل للسلام تقديرا لشعب استخدم الحوار كوسيلة للتوافق واستطاع إنقاذ الديمقراطية فى بلاده من التعثر والإجهاض؟

بالتأكيد هناك أمل فى استعادة المسار الديمقراطى فى مصر عبر إحياء المجتمع المدنى وتجديد الحراك الفكرى والتوحد حول رؤية لتحقيق الديمقراطية فى مصر بشكل سلمى متدرج يخرج البلاد من كبوتها، هناك واقع جديد لا بد من التعامل معه بمسئولية وواقعية، من الواضح أنه لا توجد رؤية محددة تدار بها البلاد وأن تآكل الشرعية الحالية مسألة وقت لافتقادها للإنجاز ولإصرارها على العيش بأساليب الماضى وأدواته التى لا تستطيع إطلاقا تسيير الأمور بهذه الطريقة لفترة طويلة، لذلك هناك لحظة آتية لا ريب فيها سيتم فيها تصفير المشهد والبحث عن مشروع جديد يمتلك رؤية حقيقية للمستقبل، وسيحدث هذا رغما عن الجميع بسبب الوضع البائس والتحديات التى ستكون عصية على الإصلاح بنفس النهج، لحظة إعلان الإفلاس السياسى الجمعى فى مصر ليست بعيدة فمن الذى سيتلقف هذه الفرصة، ويطرح مشروعا وطنيا جامعا يحفظ للمؤسسات هيبتها واستقلالها ويعيد للديمقراطية بريقها ويحقق الوئام الوطنى العام بعد شقاق مجتمعى وتنازع طال كل بيت.

لا نريد مشروعا حزبيا ولا طائفيا ولا شخصيا ولا منتميا لاتجاه فكرى واحد، نريد من المجتمع المصرى ممثلاً فى نخبته ــ التى لم تمت ضمائرها ولم تفقد اتزانها ولم تتورط فى تأييد استبداد وتبرير دماء ــ أن تنهض من جديد، ولا تكرر أخطاء الماضى بالبحث عن شخص وتعليق كل الآمال عليه فقد خذلنا كل الأشخاص، لذلك فما نريده هو فكرة جامعة تتراص فيها الأطروحات الإصلاحية القابلة للتحقيق والتوحد عليها وطرحها لتحظى بالتوافق المجتمعى الذى يجعل من تبنيها مطلبا شعبيا يلزم الجميع باحترامها والعمل لتحقيقها، حان الوقت لننفض غبار اليأس، ونسعى لإنقاذ الوطن بالفعل لا الكلام.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات