النرجسيّة داء العصر الرقمىّ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 3:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النرجسيّة داء العصر الرقمىّ

نشر فى : السبت 15 أكتوبر 2022 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 15 أكتوبر 2022 - 8:35 م
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب خالد صلاح، تناول فيه معنى النرجسية، أنواعها، مدى ارتباط انتشارها بمواقع التواصل الاجتماعى، وكيفية علاجها.. نعرض من المقال ما يلى.
يُشير عددٌ من الدراسات إلى أنّ مستويات النرجسيّة قد تزايدت فى الأجيال الجديدة، ولاسيّما جيل الألفيّة الحاليّة، مُقارنةً بالأجيال القديمة كجيلَيْ السبعينيّات والثمانينيّات من القرن الماضي؛ وأنّ ثمّة علاقة إيجابيّة وثيقة بين ارتفاع مستوى النرجسيّة وبين استخدام وسائل التواصُل الاجتماعيّ، خصوصا «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستجرام»، التى باتت منصّات للترويج الاستعراضى للذّات والتفاخُر الشديد بها و«بخصالها المميّزة».
ثمّة دراسة توصَّلت إلى أنّ « فيسبوك» يعمل على إبراز النرجسيّة وتعزيزها من خلال الخدمات التى يقدّمها للفرد لتجعله محطّ أنظار الجميع وتُشبع حاجاته الاستعراضيّة، وأنّ الإفراط فى استخدام المَوقع لدرجة الإدمان عليه يزيد من مستوى نرجسيّة الفرد.
كما جاء فى دراسة أخرى أنّ الأشخاص الذين حصلوا على درجاتٍ عالية فى مقياس النرجسيّة، هُم أكثر رغبة فى استعراض أنفسهم والبحث عن الاهتمام من خلال إضافة عددٍ كبير من الأصدقاء الغرباء وإدراج صورهم، ويركّزون على تحديثات الحالة والاطّلاع على كلّ تعليق أو إعجاب فى ما يخصّ مشاركاتهم، كما أنّهم أكثر عدوانيّة تجاه التعليقات السلبيّة ويشعرون بقلقٍ عندما لا يحصلون على الاستحقاق والثناء والإعجاب من طَرف الآخرين، فهُم يرون أنفسهم يستحقّون السند والدعم الاجتماعى من طرف أصدقائهم من دون تقديمه لهم.
• • •
توصف النرجسيّة ــ فى قاموس كولينز ــ بأنّها «اهتمام استثنائيّ بالذّات أو الإعجاب بها، خصوصا مظهرها الجسدى»، ما يعكس الإفراط فى حبّ الذات، والاهتمام بالمظهر الخارجى وتضخيم الفرد لأهميّته وقدراته. أمّا موسوعة ويكيبيديا فتُعرِّف النرجسيّة على أنّها حُبّ النَّفس أو الأنانيّة، وهو اضطراب فى الشخصيّة حيث تتميّز بالغرور والتعالى، والشعور بالأهميّة ومُحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين.
وتشمل النرجسيّة مجموعة من الصفات الشخصيّة التى ربّما يكون لدى أيٍّ منّا بعضٌ منها، ولكن فى الحالات الأكثر تطرُّفا يتمّ تشخيصها فى خانة الصحّة العقليّة بأنّها «اضطراب الشخصيّة النرجسيّة»: كالسطحيّة فى تناول الأمور، ومحاولة استغلال نقاط الضعف، والحرص الدائم على تجميل صورة الذات بشتّى الطرق، والشعور بأهميّة الإنجازات والمواهب التى يمتلكها إلى حدّ الاعتقاد بأنّه فريد من نوعه، والشعور بالاستحقاق (أى توقُّعات غير معقولة من معاملة خاصّة)، وحبّ استغلال الآخرين والاستفادة منهم لتحقيق أهداف خاصّة، والافتقار للتعاطُف مع الآخرين وإنكار احتياجاتهم العديدة والغيرة من نجاحاتهم.
ووفقا لهذه السمات، الشخصيّة النرجسيّة معقّدة نفسانيّا وسلوكيّا ومن أكثر الشخصيّات التى يصعب إرضاؤها أو التعامُل معها حتّى ولو من خلال الخضوع لها ولطلباتها، لذا ينصح علماء النفس الاجتماعى بتجاهلها وعدم الخضوع لها أو لمطالبها الزائدة عن الحدّ الذى يُثير فيها حبّها لذاتها، وذلك كى تتعلّم هذه الشخصيّة العطاء قدر نزعة الأخذ.
كما يُصاحب الشخصيّة شعورٌ غير اعتيادى بالعظمة، وأنّه فرد نادر الوجود بين البشر، لا يُمكن أن يفهمه إلّا خاصّة الناس؛ وأنّه، بالتالى، ينتظر من الآخرين احتراما استثنائيا لشخصه وأفكاره، وهو استغلالى وابتزازى ووصولى يستفيد من مزايا الآخرين وظروفهم فى تحقيق مصالحه الشخصيّة. وهو غيور، مُتمركِز حول ذاته يستميت من أجل الحصول على المناصب، لا لتحقيق ذاته، وإنّما لتحقيق أهدافه الشخصيّة.
• • •
ثمّة أنواع متباينة من النرجسيّة:
1ــ نرجسيّة المَهمّة: حيث يأتى إعجاب الشخص النرجسى بذاته من قدرات فكريّة أو مهارات مميّزة يمتلكها أو إنجازات متفوّقة، فيتوقَّع جذب متابعيه نتيجة لذلك.
2ــ نرجسيّة اجتماعيّة: حيث يُعجَب الشخص النرجسى بنفسه من خفّة ظلّه وقدرته على سرْد الحكايات المسلّية، وعادةً ما يهتمّ هذا النَّوع بعرض الصور والتفاخُر بجوانب سطحيّة فى الحياة.
3ــ نرجسيّة الجسد: حيث يُعجب الشخص النرجسى بمظهره ويهتمّ بالجمال بصورة متطرّفة، كمشاهير «هوليوود»، وربّما يُجرى البعض عمليّات تجميل بمئات الآلاف من الدولارات لينالوا مزيدا من الرضا والإعجاب.
• • •
وفقا لدراسات أُجريت عبر عقود، تصل النرجسيّة إلى الذروة فى السنوات المبكّرة من البلوغ، حيث يظهر التمركُز حول الذات كمَلمحٍ واضحٍ لهذه المرحلة العمريّة. كما تُسجِّل العشرينيّات من العمر درجاتٍ عالية من النرجسيّة، ولهذا يَستخدم الشباب وسائل التواصل الاجتماعى بصورةٍ أكبر، بوصفها مَصادر لتعزيز الميول النرجسيّة. وفى الوقت الذى يُفضّل الأشخاص النرجسيّون الصغار «تويتر»، يُفضّل الكبار «فيسبوك».
وكَشَفَ تحليل لعشرات الدراسات التى تناولَت علاقة تقدير الذات والشعور بالوحدة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى، وعلاقة ذلك بالنرجسيّة بين مُختلف الأجيال، أنّ أصحاب تقدير الذّات المُنخفض والشاعرين بالوحدة بصورة أعمق يستخدمون وسائل التواصل هذه بشكل أكبر، سواء فى شرق العالَم أم فى غربه، وإنْ كانت هناك بعض الفروق وفقا للثقافة الجمعيّة والفرديّة، حيث يختلف الأشخاص النرجسيّون الأمريكيّون عن نظرائهم الآسيويّين، كمثال، فى طبيعة الموضوعات التى يطرحونها وعدد الأصدقاء والمُتابعين. كما يتفوّق الأشخاص النرجسيّون الألمان على نظرائهم الروس بتسجيل قدر أكبر من الإعجاب.
وبيَّنت دراسةٌ أُجريت فى جامعة إيلون الأمريكيّة موافقةَ غالبيّة مَن استطلَعت آراءهم على أنّ أخْذ صور الـ «سيلفى» ونشْرها على منصّات شبكات التواصل الاجتماعى تؤدّى إلى تعزيز السلوكيّات النرجسيّة والأنانيّة.
أمّا أهمّ دواعى نشْر الصور، فهى أنّ الـ «سيلفى» يسمح لجمهورهم بمعرفة حياتهم الاجتماعيّة «الرائعة»، وتلقّى أكبر قدر من الإعجاب والتعليقات على الصور، أو الرغبة فى أن يراهم الناس «رائعين» كما يبدون فى الصور.
وهناك مَن رأى أنّ الدّاعى إلى ذلك هو إثارة غيرة بعض الأصدقاء القدامى، بينما اعتقدت مجموعة أنّ الناس يهتمّون بهم وبما يفعلون. وخلُصت الدراسة إلى أنّ جيل الألفيّة الجديدة يَستخدم وسائل التواصل الاجتماعى، لا لخلْق علاقاتٍ شخصيّة والحفاظ عليها فحسب، بل لتقديم نفسه على نحوٍ مثالي؛ وأنّ كثيرين من هذا الجيل يشعرون بالحاجة إلى تقديم أنفسهم بطُرق لافتة وجاذبة لانتباه الأنداد على وجه الخصوص.
• • •
ما يُميّز هؤلاء النرجسيّين، فهو تمتّعهم بسماتٍ شخصيّة إيجابيّة، كالقدرة على القيادة والحشد والإيجابيّة، وصوغ جُمل وشعارات بصورة لافتة للانتباه. ولأنّهم لا يحتملون تجاهُل الآخرين لهم، تكون حاجتهم إلى المُشاركة فى الأنشطة كبيرة. كما تَسمح وسائل التواصُل الاجتماعى لأفراد منهم بالمُشاركة فى شبكات ومنتديات وأنشطة واسعة المدى. ويسمح «يوتيوب» بتصوير أنفسهم وعرْض ما يصوّرونه ويسجّلونه من فيديوهات وإعلانات فى العالَم الافتراضى.
وعلى الجانب السلبى، هناك سمة الاستغلال، وشعور النرجسى باستحقاق الاحترام والاستعداد للتلاعُب والاستيلاء على جهد الآخرين لكسْبِ الأضواء بأنانيّة؛ فلا يَسمح الشخص النرجسى، فى الغالب، لمَشاعر الآخرين وحاجاتهم بإعاقة تحقيقه أهدافه، ما يفسد علاقاته بالمُقرَّبين منه.
ومن سمات الشخص النرجسى أيضا الاستجابة بعدوانيّة ردّا على أيّ تعليق يزدريه. ويغلب على كلماته الغضب والمشاعر السلبيّة مُقارَنةً بالتفاعُل الاجتماعى.
ويوجد نرجسى خفيّ يُعبّر عن نفسه بصورةٍ سلبيّة وغير مباشرة، ويكون مُستعدّا للتنازُل. ويفتقد مثل هذا النرجسى الشعورَ بالأمان، ويتّصف بالعدوانيّة السلبيّة والدفاعيّة والإيذاء؛ ويكون قابلا للجرح ومنطويا على نفسه.
• • •
أَثبتت بعض الدراسات وجودَ دليلٍ على أنّ الإفراط فى تقدير الأطفال ومدْحهم من جانب الوالدَين وباقى أفراد الأسرة وغياب العلاقات الدافئة، هى من أسباب الإصابة بالنرجسيّة لدى الصغار. فوفقا لنظريّة التعلُّم الاجتماعى، غالبا ما يكبر الصغار نرجسيّين مع شعورهم بالتفوُّق على الآخرين إذا بالَغَ الآباءُ والأمّهات فى اعتبارهم متميّزين عن غيرهم من الأطفال.
وتحمل نظريّة التحليل النفسانى تفسيرا يرى أنّ قصور الدفء الوالدى يُمكن أن يُحوِّل الأطفالَ إلى نرجسيّين يسعون على الدوام وراء استقطاب تقديرٍ من الآخرين لم ينالوا مثله من أسرهم.
ولهذا استُحدثت تدريبات لمُقدِّمى الرعاية للصغار المُصابين بالنرجسيّة كتدخُّلٍ علاجى يَمنع تطوّر الحالات، وذلك عبر جلسات يستطلع خلالها المُعالِج خبرات الطفولة الماضية، ويُصحِّح طُرق التعامُل والعلاقات بين الأطفال وذويهم.
لكنْ على الرّغم من اعتبار تدخُّل التدريب الوالدى فعّالا لعلاج تطوُّر النرجسيّة فى العمر المبكّر، فإنّ هناك دراسات أشارت إلى صعوبة علاج النرجسيّة بعد أن تتطوَّر، وذلك لأنّ النرجسيّين عادةً ما يُقاومون التغيير، ويعتبرون أيّ ملاحظة تُوجَّه إليهم من جانب الآخرين نقدا لاذعا. ولكنْ ثمّة دليل على إمكان تغيّرهم فى نهاية المطاف.
لكن من الناحية النظريّة، يُمكن تغيير الأشخاص النرجسيّين بإكسابهم سمات كالرعاية والدفء، وغرْس المبادئ الأخلاقيّة وتعزيزها فى شخصيّاتهم. وما يحمل أمل الشفاء، هو التطوُّر الحاصل على صعيد العلاج الإكلينيكى للنرجسيّة، كالعلاج النفسانى المتعلّق بتنظيم الذات والتحكّم فيها. ولا تزال الجهود تُبذَل لوضْع مزيد من الاستراتيجيّات الجديدة للتقليل من آثار النرجسيّة.
النص الأصلى: https://bit.ly/3T0AY3e


التعليقات