إشكاليات ومعوقات الإصلاح الصحي - علاء غنام - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 5:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إشكاليات ومعوقات الإصلاح الصحي

نشر فى : السبت 15 يوليه 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : السبت 15 يوليه 2023 - 8:25 م
أثار الحوار الوطنى القائم حاليا فى ملف الصحة إشكاليات عديدة تستحق اﻻنتباه بين المتحاورين والمتحاورات وصناع القرار الصحى التنفيذى نرى من الضرورى التعرض لها، لبناء إطار عام مرشد لتوجيه نظامنا الصحى فى العشرية القادمة على الأقل كاستراتيجية واضحة تسمح بتحقيق أهداف النظام العامة، التى تشمل تحسين المخرجات الصحية للمواطنين والمواطنات (MMR INFMR) وتخفيف العبء المالى للعلاج عن كاهلهم ورضاهم عن أداء وجودة النظام بالمجمل.
ومن هذه الإشكاليات الهامة ما يلى:
مسألة تصاعد التكلفة المالية للخدمات الصحية وارتفاع نسبة ما يتحمله المواطنون منها من جيوبهم مباشرة أو ما يسمى (O.O.S.P) مما يشكل عبئا إضافيا على الأسر المصرية متوسطة وفقيرة الدخل ويدفعهم إلى هوة الفقر والعوز.
وفى المقابل عدم وفاء الإنفاق العام على الرعاية الصحية من الموازنة العامة تلك النسب التى أوصى بها النص الدستورى فى مادة 18 منه (3% من الناتج الإجمالى المحلى كإنفاق عام من الموازنة).
ولفهم أسباب هذا التصاعد فى تكلفة الخدمة الصحية ينبغى التعرض لعدة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية تتحكم فى المسار العام للمجتمع والحكومة وتضع الجميع فى مأزق مالى حاد، منها ارتفاع نسب التضخم غير المسبوق، ومنها هيمنة آليات السوق وتسليع الخدمات الطبية والصحية بشكل عام، وعدم التحكم فى آلية العرض والطلب فى الصحة وهو ما يتعارض مع الدستور الذى يضمن ويكفل الخدمة الصحية كحق للمواطنين والمواطنات بغض النظر عن أسعارها ولأنها حق يجب أن تكون هذه المعادلة (العرض والطلب) غير مرنة NON ELASTIC لأن الحق فى الصحة مرتبط بالحياة وحتمى.
ترجع زيادة التكلفة أيضا للاستخدام المفرط أو غير الضرورى علميا لتكنولوجيا متقدمة مرتفعة السعر فى حين أن البلدان المتوسطة الدخل والفقيرة لديها فرص بديلة أخرى تتمثل فى تكنولوجيا ملائمة وغير مكلفة من خلال نظم الرعاية الأساسية والوقاية وطب الأسرة، وتحقق نفس الأهداف وتحد من تسليع الخدمة أو اﻻتجار فيها على حساب دخول الأسر المحدودة أو موازنة الدولة التى تعانى فى أغلب الأحوال من العجز المالى بين مواردها ونفقاتها.
يغذى أيضا تصاعد تكلفة الخدمة الصحية وعدم السعى بجدية ﻻحتوائها (COST CONTAINMENT) وسائل إعلامية تحفز تطلعات المواطنات والمواطنين باعتبارهم فرصا ومستهلكين جيدين للسوق باستخدام أدوية وتدخلات مرتفعة الثمن عبر احتكارات لشركات أدوية تتسم بالجشع فتبدع دواء لكل عضو فى جسم الإنسان والنظر إليه كمادة للربح السريع، فهناك تدخلات غير ضرورية وﻻ أساسية يروج لها إعلاميا (دواء للصلع ودواء للتخسيس ودواء للتجميل ودواء للترفيه) مما يصنع حالة شاملة من السوقية الرثة المركبة التى تهدف فقط لأعلى مستوى من الربحية مقابل الرعاية الصحية مثلها مثل أى سلعة أخرى ينبغى التكسب من ورائها.
وفى سياق تلك العلاقة المركبة بين اتجاهات تصاعد تكلفة الخدمة الصحية وتصاعد التطلعات البشرية يتم الضغط على النظم الصحية وعلى المواطنين والمواطنات بلا هوادة وتضع تلك المعادلة زيادة التكلفة مع ارتفاع التوقعات المستمر بالإصلاح الصحى أمام مأزق توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لإنجازه، كما تواجه الحكومة قيودا تحد من قدرتها على مواجهة تلك الزيادة فى التكلفة بسبب هيمنة آليات السوق والقطاع الخاص الطبى على الخدمات الصحية ومستلزماتها خاصة إذا كانت الإدارة الصحية تتسم بالضعف وعدم القدرة على السيطرة والتحكم فى السوق وذلك لسعيها لخلق بديل وبناء نظام صحى عام قوى تمتلك أصوله هى والمواطنون المستفيدون منه.
•••
بالطبع ثمة قوى أخرى تدفع مأزق الإصلاح الصحى لمزيد من التعثر منها المعطيات العالمية الخارجية والإقليمية التى تتحكم فى السوق الطبية عالميا بحجة اﻻستثمار فى الخدمة الطبية. ومنها أيضا أن بيروقراطية المؤسسات الصحية المحلية خاصة فى البلدان المتوسطة الدخل والفقيرة تتسم بقدرات محدودة وتفتقد لإمكانيات اﻻبتكار والقيادة الرشيدة، وﻻ تهتم كثيرا بجوهر الإصلاح الصحى الحقيقى وأهدافه فى تحسين الأداء وتحقيق الإنصاف.
ولتحليل أعمق لإشكالية التكلفة المتصاعدة للخدمات الطبية والصحية نرى أن ذلك يحدث فى كل مكان فى العالم فى ظل النظام العالمى وبشكل مستمر، وأحد العناصر التى تدفع لذلك خاصة فى البلدان الغنية والمتقدمة هو شيخوخة الهرم السكانى فيها وتقدم المواطنين والمواطنات فى العمر وبالتالى ارتفاع تكاليف علاجهم ورعايتهم.
على عكس الأمم والبلدان المتوسطة الدخل والفقيرة التى يعتبر هيكلها السكانى أكثر شبابا ولكنها أيضا تعانى من عبء المراضة المزدوج للأمراض السارية وغير السارية وهذا مكلف أيضا ويشكل عبئا كبيرا عليها ومن ثم نستطيع أن نقول بشكل عام وعالميا إن مزيدا من المواطنات والمواطنين يعيشون أطول الآن ولكن فى ظل المعاناة من الأمراض المزمنة (ارتفاع ضغط الدم والسكر)، فبينما يتقدم بنا العمر تتصلب شراييننا وتقل كفاءة وظائف أعضائنا الحيوية وتزيد نسب أمراضنا النفسية وهى كلها مظاهر متصاعدة لأشكال العجز (Disability) ولذلك يعد تأثير التقدم فى العمر على نظم الرعاية الصحية تأثيرا معقدا خاصة فى البلدان الغنية التى تستخدم التكنولوجيا المتقدمة بإفراط. وكما قلنا سابقا شركات الدواء واﻻحتكارات تبحث أيضا عن اﻻستفادة من السوق وتقدم دواء لكل جهاز عضوى فى الجسم البشرى ومن ثم ترتفع توقعات الناس من تسليع السوق للتكنولوجيا المتقدمة واستخدامها، ويتوارى الدور الحيوى لمنظومة الرعاية الأساسية الصحية والوقاية بعيدا عن تطلعات الناس (مثال الإفراط فى استخدام الولادات القيصرية وانتشارها فى العقود الأخيرة).
• • •
فى الخلاصة لسنا وحدنا فى هذا المأزق الصحى فالعديد من بلدان العالم تواجه فجوة بين ما يمكن الدفع مقابله وما يستطيعون تقديمه داخل القطاع الصحى، مع انتشار صور لأنماط الحياة تبثها وسائل الإعلام عبر العالم تقريبا فى كل البلدان؛ تتصاعد نفقات الرعاية الصحية نتيجة التسليع والتغير فى التركيبة السكانية البشرية، كما تتصاعد أنماط جديدة للأمراض واﻻستخدام غير الرشيد للدواء وللتكنولوجيا المعقدة بدون دواعٍ حقيقية، ولذا يجب التنبيه لتبعات هذه المعوقات من خلال بناء عمليات اجتماعية وسياسية تنادى بالمساواة مثل (بناء نظم التأمين الصحى الشامل المنصف وتسعير الخدمات الصحية المحكم والتحكم فى السوق الطبية واحتواء التكلفة والسيطرة على خلق الطلب المزيف للخدمة، فمصر من البلدان متوسطة الدخل التى تعانى من الزيادة السكانية وتعانى من عجز الموازنة الحكومية وعدم الإنصاف فى توزيع الأعباء المالية ومواردها المخصصة للرعاية الصحية كانت ومازالت لا تلبى احتياجات المواطنين والمواطنات، لذا يجب توزيعها بكفاءة Evocative Efficiency واستخدامها بأعلى قدر من الكفاءة Technical Efficiency بالحد من أشكال الهدر والفساد وبالإدارة الرشيدة والحوكمة الجيدة بمجمل النظام العام والخاص الصحى داخله وليس خارجه حتى نحقق أهداف الإصلاح الصحى الحقيقى بكفاءة وإنصاف.
علينا أن نعرف أن مسار تطور الإنفاق العام على الرعاية الصحية هو مسار لسياسة مالية عامة، وهى أداة للسياسة اﻻقتصادية الكلية بشكل عام مما يحتم مراجعة هيكل الإنفاق العام فى الرعاية الصحية وهو أهم فى كل الأحوال من حجم الإنفاق الذى قد يزيد بشكل دورى سنويا ولكنه ﻻ يعبر عن نصيب الفرد فى هذا الإنفاق الذى يتراجع فعليا بسبب ارتفاع تكلفة الخدمة الطبية والزيادة السكانية التى أشرنا إليها، لأن زيادة الإنفاق العام على الرعاية الصحية فى الخلاصة يساعد على تحسين إنتاجية المواطن والمواطنة ويضع لبنة فى سلم تحقيق أهداف سياسات التنمية البشرية المستدامة للمجتمع المصرى.
علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات