الكاتب أحمد بهجت ورحلتى إلى أفريقيا - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 7:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكاتب أحمد بهجت ورحلتى إلى أفريقيا

نشر فى : الإثنين 15 يونيو 2015 - 9:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 يونيو 2015 - 9:40 ص

اعتدت قبل القيام بأى مهمة صحفية كبيرة أن أبحث فى تاريخ الصحافة المصرية الذى يزيد على قرنين من الزمان عن تجربة مماثلة للمهمة التى كلفت بتنفيذها، وبعد تكليفى بتغطية أعمال القمة الخامسة والعشرين للاتحاد الأفريقى المقامة حاليا فى مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، قلبت فى أرشيف الصحافة المصرية عن تجربة لصحفى مصرى كتب عن رحلته الأولى إلى أدغال القارة السمراء، فوجدت تجربة غاية فى الروعة لكاتبنا الصحفى الكبير، الأستاذ أحمد بهجت ــ رحمه الله ــ الذى عرفه جيلنا من خلال عموده الساحر «صندوق الدنيا» فى«الأهرام»، ولم نره صحفيا مثلنا ينتقل فى الميادين بحثا عن الأخبار.

سجل الكاتب الكبير تفاصيل رحلته إلى أفريقيا فى كتاب بديع سماه «رحلتى إلى أفريقيا»، صدر سنة 1982، يقول فى مقدمته التى لم تزد على فقرة واحدة «سنة 1965، وضعنى الأهرام على ظهر مركب للبضاعة كان يتجه إلى الساحل الغربى فى أفريقيا بمجموعة بضائع مصرية، كان الهدف من الرحلة هو الكتابة عن أفريقيا. وقد وقعت فى حب أفريقيا منذ هذا التاريخ، وزرتها بعد ذلك ما يقرب من خمس مرات خلال خمس عشرة عاما، وحرصت على أن أحضر فيها أهم المؤتمرات الثقافية والأدبية والفنية والاقتصادية، وهذا الكتاب ثمرة هذا الحب».

بأسلوب أدبى جميل، وبجمل منمقة تحمل بين جوانب كل حرف فيها معلومة يصف بهجت رحلته إلى أفريقيا بداية من ركوبه السفينة، مرورا بكل ميناء أفريقى حطت فيه رحاله على ساحل المحيط الأطلنطى، فبدأ بتجربته بالنزول فى جزيرة «جورية» على شاطئ السنغال، والتى يطلق عليها «جزيرة العبيد»، ويبدأ فى الحكى عن تجربة استرقاق الأفارقة من قبل الأوروبيين المستعمرين، تستوقفك عبارة عميقة فى دلالتها من بين ما كتبه بهجت عندما هم بزيارة بيت العبيد، الذى كان يتم ترحيلهم منه إلى السفن التى تقلهم إلى أوروبا «أمام هذا البيت يود المرء أن يخلع حذاءه ويتوضأ قبل أن يدخل احتراما لأحزان الذين دخلوه من قبل، واحتراما للألم الإنسانى الذى تردد بين جدرانه».

ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن زيارته لغانا، ومن خلاله يحكى كيف تهافت الأوروبيون على هذه القارة بحثا عن العبيد والعاج «كان ترتيب الاقتصاد الأفريقى بالنسبة إلى أوروبا أو العالم الجديد هو تجارة العبيد أولا.. وتجارة العاج ثانيا.. أى أن دخل أفريقيا كان يأتى من جراح الرجل الأسود.. ومن جراح الفيلة».

ويحكى مأساة قضاء الأوربيين على الحيوانات الأفريقية «بعد فوات الأوان اكتشف المستعمرون أن الحيوانات التى يصطادونها ويبيدونها هى من أغلى الأشياء التى يمكن أن يضعوا أيديهم عليها وهى حية (..) وهكذا تناقصت الأماكن التى يمكن أن ترى فيها آلاف الحيوانات فى لمحة واحدة».
ثم يطوف بك الكاتب الكبير حول زيارته لمناجم الماس فى غينيا، ويشدد فى ثنايا كتابه على وجود وحدة ثقافية بين شعوب غرب أفريقيا ومصر، فيقول: «أثبت العالم وينرايت أن اللوحات الكنسية التى وجدت فى أرض بوريا فى جنوب نيجيريا تذكره بلوحات مماثلة كان يقدمها الكهنة للإله أمون فى مصر الفرعونية».

هذه التجربة البديعة لهذا الكاتب المصرى العظيم عن رحلته إلى أفريقيا فى أواسط ستينيات القرن الماضى تعكس ذلك الاهتمام المصرى الكبير بالقارة السمراء، وقت أن كانت بحق مصر رائدة فى أفريقيا، بدعمها لحركات التحرر، وتنمية الإنسان الأفريقى، وهو ما قابلته أفريقيا بمنتهى الوفاء والحب، بدعمها للقضايا المصرية والعربية، خاصة فى الصراع العربى الإسرائيلى.. فهل تعيد مصر إعادة اكتشاف أفريقيا فى القرن الواحد والعشرين بعد أن أهملتها لعقود؟ إن الفراغ الذى تركته مصر فى هذه القارة يحتاج منها لجهد كبير بعد أن بات الكارهون لعودة مصر لقارتها أكثر من أى وقت مضى.. وهو ما يلحظه أى مراقب للمناقشات الدائرة فى أروقة القمة الأفريقية فى جوهانسبرج.

التعليقات