الترابط بين علم الاجتماع وعلم الأحياء.. مثال على الشمولية فى المعرفة العلمية - سامح مرقص - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الترابط بين علم الاجتماع وعلم الأحياء.. مثال على الشمولية فى المعرفة العلمية

نشر فى : الأربعاء 15 مارس 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 مارس 2023 - 8:45 م

نبدأ هذه المقالة بتقديم تعريف مبسط لعلم الاجتماع وعلم الأحياء (البيولوجى). علم الاجتماع هو الدراسة العلمية للمظاهر الاجتماعية للحياة البشرية وسلوك الأفراد ليس لغرض إصدار أحكام أخلاقية؛ بل لفهم أسبابها. أول من استخدم مصطلح علم الاجتماع كان الفرنسى أوجست كومبتى فى ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
علم الأحياء هو الدراسة العلمية للكائنات الحية بما فيها البشر، ويشمل العديد من المجالات المتخصصة مثل علم وظائف الأعضاء، وعلم التشريح، وعلوم السلوك، والتطور وعلم الجينات والوراثة.
يدرك علماء الاجتماع أن الافتراضات البيولوجية تشكل البنية الاجتماعية والثقافية والتفاعلات بين أفراد المجتمع، والبعض يعتبرون العلوم الاجتماعية فرعا من فروع علم الأحياء، وأن دراسة علم الأحياء وعلم الوراثة والتطور ضرورية لعلم الاجتماع. أول من اهتم بنظرية التطور لداروين واستخدم مصطلح «البقاء للأصلح» فى علم الاجتماع كان العالم البريطانى هربرت سبنسر فى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، أدى هذا الاهتمام إلى ظهور علم الأحياء الاجتماعى الذى أكد أن السلوك البشرى موروث جزئيا عن طريق الجينات ويتأثر إلى حد كبير بالانتقاء الطبيعى.
نظرية «اللوح الفارغ» التى اقترحها الفيلسوف الإنجليزى جون لوك فى القرن السابع عشر، ونظرية «الصفحة البيضاء» التى طرحت فى القرن العشرين، كلاهما يفترضان أن الإنسان يولد صفحة بيضاء يشكلها المجتمع بعد ذلك وأن السلوك البشرى يكتسب صفات تحددها البيئة من خلال ما يسمى الهندسة الاجتماعية. تم رفض هذا الادعاء من قبل خبراء علم النفس التطورى وأهمهم ستيفن بينكر، أستاذ علم النفس فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فى أمريكا، واعتبروه إنكارا للطبيعة البشرية، فالطفل يولد ولديه قدرة فطرية على التعلم مثل تعلم اللغة وغيرها من القدرات البشرية. ومن الظواهر البيولوجية العجيبة أن الطفل البشرى تحت تحكم الجينات يحتاج على الأقل 14 شهرا قبل أن يستطيع السير بدون مساعدة، بينما معظم الحيوانات تستطيع المشى مباشرة بعد الولادة. هذه الظاهرة لها مميزات فى التطور البيولوجى، حيث البطء فى القدرة على المشى يعطى البشر القدرة على التكيف مع ظروف بيئية مختلفة بينما أغلب الحيوانات ليست عندها هذه القدرة ولا يستطيعون البقاء على قيد الحياة فى بيئة تختلف عن الموطن الطبيعى لهم. لا يعنى هذا الطرح استبعاد البيئة من تأثيرها علينا، ولكن بقدر ما تؤثر البيئة، فإن الجينات لها تأثير قوى على السلوك البشرى.
تواصلت وتكثفت العلاقة بين علم الاجتماع والعلوم البيولوجية فى القرن الحادى والعشرين مع ظهور علوم حديثة مثل علم الوراثة السلوكى، الذى يدرس تأثير الجينات على السلوك البشرى، وعلم التخلق (epigenetics) المهتم بدراسة التغيرات فى الكائنات الحية الناتجة عن تعديل التعبير الجينى، وعلم الأعصاب الاجتماعى الذى يوضح العلاقة بين الخبرات الاجتماعية والأنظمة البيولوجية. ومع ذلك، لا يزال هناك نقص فى مواكبة التطورات الأخيرة فى العلوم البيولوجية، خاصة فى مجال دراسة وظائف المخ، أهم أعضاء جسم الإنسان وأكثرها تعقيدا، ويجب أن يكون مركز اهتمام علماء الاجتماع، لأنه العضو المسئول عن كثير من سلوكيات البشر وتصرفاتهم فى المجتمع التى تتم تحت سيطرة المخ، مايسترو الجسم البشرى. أصبح من الممكن الآن دراسة المخ أثناء أداء أنشطة بشرية مختلفة عن طريق التصوير الوظيفى للمخ بأجهزة الرنين المغناطيسى وتسجيل النشاط الكهربائى للمخ بأجهزة دقيقة لاكتشاف المراكز المسئولة عن ذلك.
أخيرا، علينا أن ندرك أن المعرفة العلمية الحديثة يجب أن تكون شاملة وليست متخصصة فقط، وأن الشمولية فى النهج العلمى ضرورية لدراسة الأنظمة المعقدة مثل علم البيئة وعلم الأحياء والفيزياء وأيضا العلوم الاجتماعية، حيث التفاعلات معقدة وغير خطية ولا يمكن فهمها بعمق من خلال التركيز على الأجزاء وحدها. فالمنهج الاختزالى غير مهيأ لتوفير فهم متكامل، ويعتمد العلم الحديث على الترابط بين النهج الاختزالى والنهج الشامل خاصة فى دراسة النظم البيولوجية وهذا يشمل الإنسان مركز دراسة علم الاجتماع.

أستاذ الأشعة التشخيصية سابقا بجامعة شفيلد ــ إنجلترا

التعليقات