«زلزال قيصر».. الترتيل الصامت للموت - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 30 مايو 2024 4:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«زلزال قيصر».. الترتيل الصامت للموت

نشر فى : الأربعاء 15 فبراير 2023 - 8:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 فبراير 2023 - 8:05 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب نصرى الصايغ تناول فيه الموقف المخزى والمنافق لدول الغرب والولايات المتحدة ــ أنصار الإنسانية ــ حيال ما حل بسوريا من دمار وخراب جراء كارثة الزلزال، والتباطؤ فى إرسال المساعدات إلى سوريا ــ عكس ما حدث مع تركيا ــ بدعوى العقوبات المفروضة عليها «قانون القيصر»، إذن نحن أمام عملية تسيس تام للحقوق الإنسانية.. نعرض من المقال ما يلى.
زلزال واحد أصاب تركيا، فالتمت المساعدات. وأصاب سوريا، فامتنعت المساعدات.
هل تعرفون قصة «قانون قيصر؟». إنه قانون إخضاع وتجويع. قانون إعلان الحرب ضد الفقراء فى بلادهم. قتلاه وضحاياه، أكثر بكثير من الحرب العسكرية. الحصار جريمة حرب مُطوَبة أمريكيا بالحرب الحضارية، حيث لا غارات ولا معارك. إنه قانون ضد الحياة البشرية. هو لا يصيب العسكر والجنود و«الأغيار» وعابرى الحدود «بالشنط». إنه يصيب المجتمع.. كل المجتمع.
«قانون قيصر»، هو الشقيق الجديد للحرب المكتومة. هو قتل بلا دماء. هو إبادة بلا وخز ضمير. إنه حرب بلا بنادق وغارات وجبهات. «قانون قيصر»، العقوبات، الحصار، منع الإمدادات، حظر التجارة، و.. كل ما يحتاجه الشعب، يعنى أن «المواطن» محكوم بالإعدام البطىء.. قتلُ المدنيين متداول فى الحروب.
يصف علماء الحروب القرن العشرين بأنه قرن المجازر الاجتماعية والفظائع المريعة: محارق، مجازر، إبادات، تطهير عرقى إلخ.. إنه «قرن التوحش الأخلاقى». وهذا التوحش أطلق على دول الغرب الحضارية الموغلة فى الدم على مدار القارات الخمس. والأخطر، أن كل ذلك، يحصل، حتى بعد استسلام الضعفاء، أمام التوحش الغربى. منطق حروب الأقوياء هو التالى: «لنا الحياة.. ولهم الموت». إنه زمن الفظائع وزمن السقوط الأخلاقى. أفدح الجرائم فى الصراعات، تلك التى جعلت من الشعوب هدفا عسكريا. عن جد، إنه زمن التوحش الأخلاقى. فى بلاد القهر الواسعة، يدين بعض غفير من الشعب، بدين الخبز، بمذهب اللقمة، بلحظة الشبع.. لم يعد الشعب بمنأى عن أن يكون ضحية تجوع وتتعذب وتنازع.. وقبل بلوغ اللقمة تموت. مادلين أولبرايت الحائزة على جوائز إنسانية فاخرة، برّرت موت نصف مليون عراقى جوعا ومرضا. ماتت مكللة بأبهة الأخلاق الأمريكية الغربية. هذه المرأة عبّرت، بصدق نادر، عن عقيدة قتل المدنيين البطىء.
اليوم، المدن مكشوفة. الدول عارية. الشعوب فى مرمى المجاعة والمرض واليأس والموت، فى ظل صمت دولى غربى تحديدا، شبيها بالصمت الدولى على «جنوب أفريقيا»؛ حيث شعبها كان محذوفا، موبوءا، مقتولا، فى معازل نائية عن مدن هى لهم وليست لسلالات الجيش الأبيض البريطانى الملقن عقيدة التفوق!
لقد ربحت الجاهلية الحديثة حروبها. الأفكار والمبادئ والمواثيق وحقوق الإنسان والعدالة والرفق بالإنسان (وليس بالحيوان فقط) أصبحت مدافن للضمائر. هذا الغرب نعرفه جيدا جدا. يفاخر بجرائمه، فى فتح القارة الأميركية؛ فى استعباد أفريقيا؛ فى شن الحروب شرقا وغربا وجنوبا وشمالا وكونا؛ فى احتضان المجرمين وتأليه القتلة؛ فى التعامى عن الضحايا الذين ماتوا، إما قتلا أو جوعا.. إنهم قتلة.
برهنت دول الغرب «الحضارى»، أنها تملك أنيابا، ولكن، «لا تظنن أن الليث يبتسم». حصار مفروض على سوريا منذ أكثر من عشر سنوات. بؤس لا يوصف. مجاعة بالتقسيط. عيش على الكفاف. مؤسسات منهارة. مناطق خارج سيطرة الدولة تعيش بؤسا ولا أفق إلا المزيد من الموت والبؤس. الجوع وجبتهم الدائمة. غزة محاصرة. فلسطين تنزف دما. الغرب يرقص كالهنود الحمر على شهدائنا. أوروبا الإنسانية. أمريكا «رائدة حقوق الإنسان». خنقت العراق، وسوريا و.. وهى تخنق لبنان. من دون إطلاق رصاصة. منع المساعدات للبنان جريمة فاقعة. تعطيل المساعدات لسوريا، بعد الزلزال المريع، جريمة، يصفق لها الغرب.
المأساة هى فى الإنسان، فبينما نفتش فى ليل الزلزال عما تبقى من أحياء تحت الركام، يصار إلى تصنيف الأصدقاء والأعداء. الغرب الشره الشرير لديه شهية الكلام عن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة، ولكنه يوكل إلى شياطين السياسة، تنفيذ ما يلى: من معنا هو لنا. ليتعلم الآخرون الدرس من الحرمان. حرمان المساعدة والغذاء. ولهذا، يُمكن أن تفسر، كيف يتعايش الشيطان مع الكوارث. الكوارث وليمة شهية لذئاب السياسة والمال.. أما الغلابة من الشعوب، فإن قلوبهم ليست على دين سياسات مجرمة. يصابون بحزن، يصلون، يتبرعون، يسقطون الفوارق. يفتحون قلوبهم لحزن حقيقى.
الاستعلاء والتحقير. حصتنا فى هذا الزمن، أن نكون الضحية. لم نكن كذلك فى سالف عصورنا الحضارية. ارتكبنا حروبا كثيرة، ولكننا بنينا حضارة إنسانية. كنا ماديين كسوانا، ولكننا لم نفقد الروح. كنا شياطين قليلا. أما اليوم، فالعالم محكوم بأبالسة الطغيان والسلطة. المال إله دائم، الرأسمال دين الدنيا القاهر. الأرض لم تعد أوطانا. صارت الكيانات تعيش فى خوف دائم، من «الإله سام» وأشقائه البيض وأشقائه فى الغرب. نعترف بأن للعقل مساحات فى الغرب.
طبعا المال أقوى من كل الآلهة والفلسفات والقيم والمبادئ. من معنا فهو قديس ولو كان قُدّاسهُ ترتيل دائم للفساد. ومن ضدنا، ولو كان من القديسين، فعليه أن يركع، إن لم يصل إلى هيكلنا. العقوبة، حرمانه من الدولار، حصاره بالقرارات ــ وضعه فى حجر سياسى ــ إلى آخر ما تعرفونه من شعوب تموت جوعا وقهرا وظلما.
لهفة الدول على تركيا، وهى بحاجة إليها، وإلى أكثر منها، قابلها إحجام كثيرين عن ذكر سوريا كمنكوبة زلزال. يحاسبونها على سياسة وخيارات. دمّروها. عاثوا فيها خرابا، ثم تركوها على قارعة البؤس، تحصى خسائرها المتدافعة إلى المزيد. مشردو سوريا بالحرب والزلزال صاروا بالملايين. عودتهم ممنوعة. هكذا يريد الغرب. هكذا تريد إسرائيل. الرأسمالية تفوز دائما وقاتلة أيضا. أكثر من مليارى جائع فى العالم. ما العمل؟ هل المستحيل هو الجواب الواقعى؟ الأحلام مضادة لليأس والخضوع. احلم، ولو لم يتحقق حلمك.
النص الأصلى

التعليقات