تزكية الإنسان قلبا-ج - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 12:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تزكية الإنسان قلبا-ج

نشر فى : الجمعة 12 ديسمبر 2014 - 8:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 ديسمبر 2014 - 8:10 ص

نذكر أنفسنا سريعا أن التزكية ركن رئيس من أركان الإسلام، وأنها وظيفة كبرى من وظائف الأنبياء والمرسلين. كما نتذكر أن الخليل إبراهيم عليه السلام ظن أن العلم بصفة عامة وعلم الدين بصفة خاصة أهم من التزكية، فدعا ربه طالبا أن يبعث الله فى أهل مكة رسولا يقوم بتعليمها الكتاب أولا ثم يزكيهم ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)). لكن الله جل جلاله قد عدل أولويات ذلك الدعاء فقال: ((هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..)). وقد تكرر هذا الترتيب ثلاث مرات:

((..رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..)) البقرة (151)

((..رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ..)) آل عمران (164)

((..رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..)) الجمعة (2)

فليس هناك أدنى شك فى ضرورة تقديم التزكية على التعليم. والتزكية هى (التربية ــ التنظيف ــ التطهير ــ التحسين ــ التجميل)

(2)

كذلك قد تحدثنا كيف يتم تزكية الإقليم بإحسان استثماره، واستخراج خيراته، وتمتع سكانه بمميزاته دون إفساد للطبيعة ودون عدوان على الموارد التى خلقها الله لعباده. ثم كتبنا كيف يتزكى الإنسان بتواضعه واحترافه لحرفة مهنية صالحة مفيدة، وكيف يعيش مبادرا دون كسل أو هروب. وانتقلنا إلى كيف يزكى الإنسان نفسه (الروح) وكيف يزكى الإنسان قلبه بتخليصه من أمراض الغفلة والتلاهى والزيغ، وانتبهنا إلى أهمية تخلية القلب من الكبر.

(3)

واليوم نبدأ فيما يتحلى به القلب بعد تخليته من الأدران السابق الإشارة لها. وأفضل وأيسر ما يقوى القلب ويجعله سليما أن يحافظ الإنسان دائما على ذكر الله، ولاحظ أننا نتكلم عن القلب وليس عن اللسان. فكيف يذكر القلب ربه؟ يذكر بمعنى يتذكر ولا ينسى، فيشعر القلب دائما أنه حى لأن الله خلقه وأحياه ورزقه. ويشعر القلب دائما أن خالقه وخالق الخلق جميعا يراقبهم ويحصى عليهم حركاتهم وسكناتهم. ومعنى ذلك أن القلب لا يخاف من عدوان المتكبرين والمفسدين. فإن الله حى يراقبهم وسوف يحاسبهم وينتقم من الظالمين. كذلك يطمئن الإنسان إطمئنانا راسخا أنه فى حماية ورعاية الله الحى الكريم القوى الذى لا تضيع عنده الحقوق. وهكذا يتقوى القلب ويصند راضيا فى مواجهة الشدائد.

وهكذا نعلم معنى قوله تعالى ((..أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)).

نعم يا رب: بذكر الله يطمئن القلب على الطاعة والعبادة حبا فى الله

بذكر الله يطمئن القلب فلا يعصى حرصا على رضا الله

بذكر الله يطمئن القلب فلا يعتدى على أحد من الخلق خوفا من غضب الله

بذكر الله يطمئن القلب فلا ينتقم من أحد لأن الله مطلع لا يضيع الحقوق

بذكر الله يطمئن القلب لأن هذا العالم كله ملك لمن لا يغفل ولا ينام ولا يحابى أحدا

فإذا تذكر القلب ربه وتذكر كل هذه المعانى أو بعضها، فسرعان ما يهدأ ويستقر ويطمئن.

(4)

ولكن ما السبيل إلى ذكر القلب لربه وعدم نسيان ذلك؟ إذا أراد الإنسان تذكر شىء مادى، فإنه يقترب منه، أو يجعله فى مكان ظاهر لا يغيب عن عينه. وأما إذا أراد تذكر شىء معنوى غيبى، مثل الأخبار والأفكار وجميع المعنويات فإن الإنسان يدون هذه الأشياء فى ما يسمى «مذكرة» أو «مفكرة». وعلى هذا، فماذا يفعل الإنسان حتى لا يغفل القلب عن ذكر الله؟ إذا أردنا تدريب القلب على ذكر الله فليتعلق القلب بالمساجد ويواظب على دخولها والصلاة فيها وحضور مجالس العلم. فكل ذلك يذكرنا بالله جل جلاله فهو صاحب البيت، كما أن القرآن الذى نقرأه فى الصلاة هو كلام الله، كذلك فالإنسان لا ينحنى ولا يركع ولا يسجد إلا لله، فإذا داوم الإنسان على زيارة المساجد والصلاة فيها فإن قلبه حتما يبقى دائما ذاكرا لرب ذلك البيت جل جلاله. كذلك فاختيارك أصدقاءك ممن يعمرون المساجد وممن يقرأون القرآن ويداومون البحث فيه، وممن يسعدون لفعل الخير، كل ذلك يضمن لك دوام ذكر قلبك لربك.

(5)

وذكر الله مكانه القلب كما رأينا.. غير أن أحد طرق ذكر الله هو الحديث مع الله أو الاستماع إلى كلام الله، فإذا أردت اطمئنان قلبك فإما أن تتحدث إلى الله بقراءة القرآن وإما أن تستمع إلى القرآن فكلاهما حضور مع الله، وكلاهما ذكر لربك. واللسان ليس وسيلة ذكر فقط، ولكنه وسيلة إعلام للقلب وتأكيد على ما فيه، فالإنسان السوى يعبر بلسانه عما فى قلبه. وقد عبر أحد الحكماء عن علاقة اللسان بالقلب، فقال:

إن الكلام لفى الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله:

«لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات