عدالة الشبشب - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عدالة الشبشب

نشر فى : السبت 11 فبراير 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 11 فبراير 2012 - 9:00 ص

لماذا يجب أن نبدأ دوما من حيث فعل الآخرون؟ هذه المرة أود أن أبدأ بمشهد الختام فى العديد من المشاجرات والمعاكسات التى تتعرض لها النساء، خاصة فى أفلام الأبيض والأسود، عندما ترفع السيدة الشعبية «الشبشب» فى وجه من ضايقها وتوبخه بما فتح الله عليها من ألفاظ وتعبيرات أثرت بها قاموس الشتائم.

 

وتبارت الأقلام على مر السنين فى الحديث عن «غواية الشبشب» ودوره كوسيلة لتصفية الحسابات والأخذ بالحق أو كسلاح ردع شامل، وفى وصف سحر السيدات الشعبيات (بالملاءة اللف سابقا)، ثم كيف استلهم رسام الكاريكاتير الشهير رخا شخصية رفيعة هانم (السيدة قوية الشكيمة) من الممثلة إحسان الجزايرلى وفى يدها شبشب تدافع به عن نفسها من خلال أفلام الثلاثينيات.

 

ونضحك... فقد تحولت كل هذه الصور إلى تجليات فولكلورية حول «جدعنة» بنت البلد. ثم نردد عبارة أخرى صارت خالدة بفضل السينما، وهى «يا قليل الأدب!» على طريقة فاتن حمامة أى بتأنيب لا يخلو من رقة وخفر أبناء الطبقة الوسطى مع أن الصفعة كانت تدوى على وجه المتحرش! بل فى بعض الأحيان كانت أى سيدة تريد الانتقام من شخص ما أو التخلص منه بذكاء تكتفى بالصياح أنه تحرش بها أو كان ينوى ذلك فيلتف حوله المارة ويوسعونه ضربا.

 

لم يعتد أحد آنذاك أن يلوم سيدة لأنها دافعت عن نفسها، فلماذا نلومها الآن؟

 

ونتساءل مثلا: «ما الذى أنزلها الشارع فى تلك الظروف؟» أو نتهم فتاة «العباءة» الشهيرة التى هاجمها وسحلها بعض الجنود بأنها لم تأخذ الاحتياطات الكافية بالنسبة لملابسها لذا تم تعريتها فى الميدان؟ لا أتعمد الخفة فى الحديث، لكن الأمر جد غريب. وكأننا فى حالة تراجع مستمر فيما يتعلق بحق المرأة فى صون جسدها والدفاع عن النفس، مع أن الدعوات تتصاعد لتغطيتها من منبت الشعر وحتى أخمص القدمين...

 

●●●

 

خلال الأسبوع الماضى، وتحديدا فى الثالث من فبراير، تعرضت ثلاث فتيات لمحاولة اعتداء وهتك عرض من قبل من يطلق عليهم «بلطجية مندسون فى الشوارع المحيطة بالميدان ووزارة الداخلية»، من بينهن كانت صديقة صحفية تؤدى عملها، هاجمها هؤلاء وتحرشوا بها، بعد أن تركها زميلها المصور لاستكمال مهمته بالقرب من الاشتباكات.

 

 وهى تروى كيف أن صرخاتهن وطرقهن لأبواب العمارات لم تجدهن، بل إن ما أنقذهن هو مرور عربة إسعاف فى الوقت المناسب ومساعدة بعض الشباب الذين تعرضوا للاعتداء بدورهم. استبد بها الغضب وقررت أن تكتب عما حدث لتفضح المعتدين وكل من لم يحرك ساكنا، سواء بسبب الخوف وعدم الاكتراث أو التواطؤ... ففى مثل هذه الحالات تشعر الضحية بخيانة كل من تخلوا عنها ولم يسارعوا لكف الأذى أو القيام بواجبهم الأمنى. وطبعا كان فى محيطها القريب أصدقاء نصحوها بالتكتم ونسيان الأمر، خوفا على سمعتها، لافتين إلى أن البعض قد يتهمها بأنها تسعى للشهرة أو تحاول اختلاق بطولة زائفة، مؤكدين أنهم لا يدينونها لكن يخشون ألا تجد عريسا فى المستقبل القريب إذا ما ارتبط اسمها بهذه الحادثة. تتعدد أشكال الضغوط الاجتماعية، رغم توافر حسن النية، فتضيف إلى معاناة الفتاة التى تشعر فعليا بمزيج من الألم والخزى والعار والعجز وقلة الحيلة والحنق، لكنها روت ما حدث فى إحدى الجرائد اليومية دون الإفصاح عن اسمها.

 

●●●

 

رفع الشبشب فى وجه المعتدى لن ينفع فى مثل هذه الهجمات الشرسة، فهو ليس تحرشا تقليديا يستدعى وسيلة ردع بدائية... لكن استلهام روح «عدالة الشبشب» هو الأهم، فالأصل فى الموضوع هو الفضح والعقاب، وعلاج الصدمة لن يكون سوى بالملاحقة الجنائية والبوح بما حدث سواء من خلال وسائل الإعلام أو بالتوجه إلى بعض المواقع الإلكترونية مثل (harassmap.org). فهذا الموقع، الذى يعنى حرفيا «خارطة التحرش الجنسى» والذى أقامته سيدة أمريكية منذ 2010، يجمع الآن كل حوادث التحرش بأنواعه التى جرت فى التحرير وأماكن أخرى، سواء على يد الأمن أو البلطجية أو المتظاهرين، ويكفى الإبلاغ على رقم 6069 أو على الفيس بوك أو تويتر حتى تسجل الشهادة... وذلك بداية الثأر للشرف، وإلا لماذا نسمح بوجود ائتلافات وحملات على غرار «عايز حقى» فى مختلف المدن والمحافظات بعد الثورة وننكر على النساء مجرد الدفاع عن النفس أو المشاركة؟ وكذلك نضحك لدى سماع الأخبار حول بيع شبشب فى الأسواق يحمل صورة الرئيس السابق وبعض رموز نظامه، ونعتبرها وسيلة شعبية للثأر من هؤلاء فى ظل بطء المحاكمات أو نسمح للبعض بتداول أنباء حول امتناع وزير الداخلية الأسبق عن ممارسة الجرى عقب قيام المساجين بتوجيه الشتائم وإلقاء الشباشب عليه أثناء مشاهدته فى فناء السجن... نتقبل السخرية والمطالبة بالحق فى أشياء بعينها، وعندما يتعلق الأمر بالمرأة نقف محتارين.

التعليقات