شارع السوريين - منى أبو النصر - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 1:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شارع السوريين

نشر فى : الأربعاء 10 يناير 2018 - 1:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 يناير 2018 - 1:15 م

عرفت دُكانا مجاورا لبيع المنتجات السورية مؤخرا، دكانا تفوح منه رائحة الزعتر البري، وتُطل من "فاترينته" الزجاجية وجوهٌ سورية طيبة.

صار هذا الدكان مع الوقت نزهة محببة، كمدينة غريبة لها خصوصيتها في كل شئ، عرف باعته أنني مهتمة بأصل صناعاتهم الغذائية، التي لا تدخلها المواد الحافظة، فتصبح أقرب للعافية التي يتمنوها لي دوما مع مغادرتي "بالصحة والهنا".

كل مرة أخرج بحكاية عن صناعاتهم التقليدية "الحلوم"، "المكدوس"، الزيتون المنقوع في زيت الزيتون، وليس في الملح كما نفعل، كل مرة يتحدثون ومعها يمررون ملاعق صغيرة بعينات من اللبنة والحلاوة الطحينية على الزُوار، يطلقون على ذلك "ضيافة"، لفظ حميم يجمع بين الكلمة الطيبة والترويج للبضاعة ب"ِشطارة".

• لفتني في أحد الأيام مصطلح لأحد الباعة "جبن مسحوب خيرها" في إشارته للـ"جبن منزوع الدسم"، هذا المصطلح الأخير الأقرب للآلية منه للحياة التي لاح بها المصطلح السوري بصورة ريفية متخيلة عن سوريا..هكذا تلقيته وأحببته جدا، دوَنت عنه "بوست" على "فيسبوك"، شاركني البعض التخيل، ولفت البعض أن ثمة ارتباط وثيق بين هذا المصطلح وبين مصطلح مصري "فلاحي" قديم وهو "متشال خيرها".. التراث المشترك والثقافة الريفية الواحدة تقريبا.

• "البوست" لم يرق لبعض الأصدقاء الذين لم يقرأوا فيه سوى أنه تشدق للنزعة السورية الدارجة في مصر، وقابلوه بشكل أقرب لـ"الغيظ" ولفت أحدهم أنه كان من الأحرى أن أُعرج على الأصل المصري لكلمة "متشال خيرها" وهي الثقافة الفلاحية المصرية، وأنه فاض به شعوره بإحساس السوريين الزائد عن الحد بذواتهم في مصر، وإحساس المصريين الزائد عن الحد بأنهم أقل على حد تعبيره.

• لم يمر يومين حتى طالعت بالصدفة "بوست" عابر، على إحدى الجروبات الخاصة بسكان مدينة 6 أكتوبر، تصف فيه إحدى السيدات محلا وتقول إنه يقع في "شارع السوريين"، وشارع السوريين هو شارع أقرب للمعرض المفتوح، به عدد كبير من الباعة السوريين يرصون بضاعتهم على عربات، منها المأكولات السورية وألعاب الأطفال والحلوى والملابس، والميسورين منهم لهم هناك محلات،أغلب الوقت من ليل ونهار مُكدسة بالزبائن، لهذا أطلق عليه "عُرفا" شارع السوريين"، يقول رواده هي "سوريا المُصغرة".

• ما أن وصفت السيدة المحل وعنوانه "شارع السوريين" حتى هبطت عليها قذائف كلامية من إحدى السيدات "ماشاء الله غيرنا أسماء شوارعنا بأسماء السوريين وفاضل إيه كمان هنغير أسامينا.. ياريت نحافظ على هويتنا مش نسيبهم يسموا شوارعنا بأساميهم"!.

• دخلت سيدة سورية على الخط محاولة امتصاص الغضب المستعر على الساحة الإفتراضية، والتأكيد على تقدير الجميل "انتوا الأصل وانتوا الأساس وانتوا ولاد الكرم الطيبيين ومهما تبدلت الأسماء يكفينا فخرا أننا بينكم وببلدكم لأننا بنعتبركم أخوة إلنا لأنكم كنتوا السند بأصعب الأيام.. تقبلي مروري أختك السورية غزل".

• دعمت "غزل" وشاركتني العديد من السيدات في ذلك قلت لها "أنتم ملأتم شوراعنا بالجمال"، هي شوارعنا نعم لكن الحضور السوري جميل ولافت وحيوي ومؤثر.

• خروج آخر عن السياق، ودخول في سياق أراه "شيفونيا" إلى حد بعيد، كثير من المصريين لديهم قناعة أن السوريين احتلوا أماكنهم في العمل، وأصبح صاحب رأس المال أكثر ميلا لتعيين سوريين بدلا من المصريين، لأن أجورهم أقل ويتحملون ساعات عمل أطول، يرون أن المزاحمة السورية لسوق العمل والتجارة المصري لم يكن له مجال أبدا في وقت تتقلص فيه الفرص على أهل البلد.

وبنفس حسابات المكسب والخسارة تلك، وليس حسابات الإنسانية واللجوء، فإنه لا يخفى على أحد مهارة السوريين في تسويق بضاعاتهم بوجه بشوش ولسان حلو وسعر منافس، الأمر الذي جعلهم محل بحث الزبون المصري، وهو نفسه من أطلق على الشارع "شارع السوريين" ويستمتع بالتسوق به.

• السوري في محل عمله، بالملاحظة، لن تجده أبدا يشكو الحرب ولا ظروف اللجوء ولا "مشاوير" المفوضية، ولا طوابير تجديد الإقامة المكلفة جدا، ولا من تركه خلفه تحت القصف، ولا نظرات القهر التي يتلقاها من بعض من يعتقدون أنهم يأكلون من رغيفهم، السوري على الدوام يعمل في صمت في بلاد اللجوء، وتسبقه إبتسامته.

• أتساءل: ما الذي يزعجهم من "اسم" شارع تفوح منه رائحة الزيتون.. وبقايا شعب ودود اُنتزع من أرضه انتزاعا.. وبقي له "افتراضيا".. شارع.

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات