هل يتحقق السلام بإقليم التيجراي بعد اتفاق بريتوريا؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 11 مايو 2024 12:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يتحقق السلام بإقليم التيجراي بعد اتفاق بريتوريا؟

نشر فى : الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 - 8:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 - 8:20 م
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن بتاريخ 5 نوفمبر تناول فيه أهداف اتفاقية السلام بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراى، مشيرا إلى التحديات التى قد تؤدى إلى انهيار الاتفاقية.. نعرض من المقال ما يلى.
بعد ما يقرب من عامين كاملين من الصراع الدموى بالغ العنف، تم التوقيع فى بريتوريا بدولة جنوب أفريقيا، فى الثانى من نوفمبر 2022 على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراى. وعلى عكس الهدنة أحادية الجانب التى أعلنها رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد فى مارس 2022، فإن اتفاقية سلام بريتوريا مكتوبة وتتضمن آلية للمراقبة والإشراف والتحقق. ومن المقرر أن يعين الاتحاد الأفريقى عشرة خبراء أفارقة، بالإضافة لأطراف الصراع لإنشاء آلية مشتركة. وقد يستخدم الاتحاد الأفريقى أيضا الأقمار الصناعية. وعلى الرغم من الضغوط الحثيثة التى بذلتها الولايات المتحدة فإن إثيوبيا تعطى الفضل الأكبر للاتحاد الأفريقى من خلال التأكيد على شعار «حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية».
كان خيار الطرفين فى صراع التيجراى هو التفاوض والتوصل إلى تسوية سلمية. قامت الولايات المتحدة بالجهد الأكبر فى مرحلة ما قبل المفاوضات، حيث أجريت مباحثات سرية فى كل من جيبوتى وسيشل. ولعل ذلك ما مهد الطريق لمرحلة الوساطة التى قادها الممثل الأعلى للاتحاد الأفريقى الخاص بالقرن الأفريقى الرئيس النيجيرى السابق، أولوسيجون أوباسانجو، والرئيس الكينى السابق أوهورو كينياتا، والنائبة السابقة لرئيس جنوب أفريقيا فومزيل ملامبو ــ نجوكا. كما شاركت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) بصفة مراقبين. على أن الولايات المتحدة قامت بدور حاسم فى ممارسة الضغط على الحكومة الإثيوبية ووفرت الدعم الأمنى واللوجستى لوفد التيجراى المشارك فى مفاوضات بريتوريا.
كان من المفترض أن تستمر المفاوضات فى جنوب أفريقيا خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر 2022، ولكن تم تمديدها حتى يوم الأربعاء الثانى من نوفمبر الحالى، حيث تم التوقيع على اتفاق وقف الأعمال العدائية. ووفقا للمادة الأولى من الاتفاق، فإن أهداف هذه الاتفاقية هى:
1ــ الوصول إلى وقف فورى ودائم للأعمال العدائية بهدف إسكات المدافع وخلق بيئة مواتية وإرساء أسس السلام المستدام.
2ــ استعادة النظام الدستورى المعطل بسبب النزاع فى منطقة تيجراى.
3 ــ نبذ العنف كوسيلة لحل الخلافات السياسية.
4ــ ضمان الأمن للجميع.
5ــ ضمان تسوية دائمة للنزاع.
6ــ توفير إطار عمل لمعالجة المسائل الناشئة عن الصراع.
7ــ توفير إطار لضمان المساءلة عن الأمور الناشئة عن النزاع.
8ــ تعزيز المصالحة وإعادة تأهيل الروابط الاجتماعية.
9ــ تسهيل الانتعاش الاقتصادى وإعادة الإعمار.
10 ــ الالتزام بمعالجة الخلافات السياسية الأساسية.
11ــ توفير إطار للرصد والتحقق من تنفيذ الاتفاقية.
• • •
من المكاسب الرئيسية للحكومة الفيدرالية أنها ستتولى إدارة إقليم التيجراى، بما فى ذلك جميع المنشآت الفيدرالية، وستدخل قوات الجيش الفيدرالى إلى مكيلى (عاصمة إقليم التيجراي) بشكل سلمى. وسوف تجرى انتخابات المجلس الإقليمى وسيتم تمثيل شعب التيجراى فى البرلمان الاتحادى. فتنص المادة 7 فقرة ج من الاتفاق على: «تحترم الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى التفويض الدستورى للحكومة الفيدرالية بنشر قوة الدفاع الوطنى الإثيوبية بالإضافة إلى القوات الأمنية وجهات إنفاذ القانون لممارسة مسئولياتهم طبقا للدستور والقوانين ذات الصلة».
كما نص الاتفاق فى مادته السادسة على الاعتراف بوجود جيش وطنى واحد لجمهورية إثيوبيا الفيدرالية. واتفق الطرفان على تصميم وتنفيذ برنامج وطنى لنزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج لمقاتلى الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى بالتوافق مع الدستور الإثيوبى. علاوة على ذلك، تلتزم الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى بنزع السلاح الكامل فى غضون 30 يوما، بدءا بالأسلحة الثقيلة ثم يتبعها الأسلحة الخفيفة، كجزء من عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. وسيكون هذا سريعا جدا، نظرا للحجم الهائل لقوات دفاع التيجراى (ربما يقدر العدد الإجمالى بنحو 200 ألف).
من جهة أخرى يمكن للجبهة الشعبية لتحرير التيجراى التى انسحبت من المدن الكبرى تحت وطأة تقدم التحالف الإثيوبى الأمهرى الإريتيرى الترشح للانتخابات، حيث سترفع الحكومة تصنيفها لها كمنظمة إرهابية. ومن المفترض أيضا أن تكون جزءا من «الإدارة الإقليمية المؤقتة الشاملة» فى التيجراى انطلاقا من مبدأ الحوار بين الطرفين. حيث تنص المادة 7 فقرة 2 على: «سوف يتعين على الحكومة الإثيوبية تيسير رفع تصنيف الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى كمنظمة إرهابية من قبل مجلس نواب الشعب». أضف إلى ذلك يمكن للجبهة الشعبية لتحرير التيجراى أن تشير إلى الالتزامات الفيدرالية لاستعادة الخدمات الأساسية ووصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق. ولا يخفى أنه بعد أكثر من شهرين من عدم وصول المساعدات الإنسانية، وأكثر من عام على الخدمات المعطلة، من المفترض أن يؤدى ذلك إلى إغاثة السكان المدنيين.
بشكل عام، نحن أمام اتفاق موجز ولكنه موضوعى يعكس المكاسب القتالية الأخيرة للجيش الإثيوبى والقوات المتحالفة معه فى التيجراى. ولم يكن من المحتمل تحقيق تلك التنازلات من جانب التيجراى فى بداية العام الحالى.
على الرغم من مشاركة القوات الإريتيرية فى القتال ضد قوات دفاع التيجراى فإنه لم تتم دعوة الحكومة الأريترية لمفاوضات جنوب أفريقيا. ومن الواضح أنه على الرغم من عدم ذكرها فى وثيقة الاتفاق، فإن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية سوف تتحمل المسئولية عن انسحاب قوات الدفاع الإريترية. فتنص المادة 3 فقرة 2 على اعتبار «استخدام الوكلاء لزعزعة استقرار الطرف الآخر أو التواطؤ مع أى قوة خارجية معادية لأى من الطرفين انتهاكا لاتفاق وقف الأعمال العدائية». ومن المفترض أن ينطبق هذا أيضا على القوات الإقليمية، لا سيما من الأمهرة، وعلى جيش تحرير أورومو. ومن جانب آخر تلتزم قوات الدفاع الإثيوبية بحماية الحدود الدولية لإثيوبيا، ومنع أى «توغل أجنبى» وتلتزم «بضمان عدم حدوث أى استفزاز أو توغل من أى جانب من جانبى الحدود». (المادة 8 فقرة 2) ولعل ذلك أمر وثيق الصلة بشكل خاص بالحدود مع إريتريا. ويبدو أن ثمة تعهدا من قبل جبهة تحرير التيجراى باحترام اتفاقية ترسيم الحدود مع إريتريا، وهو الأمر الذى يجعل أسياس أفورقى، رئيس دولة إريتريا، يشعر بأنه خرج منتصرا من تدخله فى صراع التيجراى. لقد كان أفورقى يهدف إلى إضعاف جبهة التيجراى بحيث لا تشكل تهديدا له فى المستقبل.
• • •
ومع ذلك، هناك العديد من المجالات التى يمكن أن تؤدى إلى انهيار الاتفاق فى المدى القريب. كان من الممكن أن تساعد قوة حفظ السلام الدولية فى الإشراف على نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وانسحاب الإريتريين، واستعادة الخدمات، ومراقبة تنفيذ الاتفاق، فالفريق الصغير من الخبراء الأفارقة لن يكون كافيا لهذه المهمة. كما أن الاتحاد الأفريقى لا يمتلك القدرات الفنية واللوجستية للقيام بهذا العمل منفردا.
من جهة أخرى ينص الاتفاق (المادة 10 فقرة 3) على ضمان المساءلة والوصول إلى الحقيقة فى قضية ضحايا الحرب والجرائم المرتكبة. وهل يقبل رئيس الوزراء أبى أحمد مفهوم المحاسبة ناهيك عن قادة التيجراى والمتورطين جميع فى هذه الحرب العبثية؟. وأخيرا فى إطار احترام القيم والمبادئ الدستورية بحسبانها المرجع لهذا الاتفاق، هل يمكن تفعيل المادة 39 من الدستور من أجل إجراء استفتاء للانفصال فى التيجراى كما طالبت بذلك الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى؟
على أية حال فإن الاتفاق بشكله الحالى يمثل انتصارا كبيرا للاتحاد الأفريقى. لقد أدى توسيع فريق الوساطة، بما فى ذلك الولايات المتحدة وفريق هيئة الإيجاد بصفة مراقب وجنوب أفريقيا كبلد مضيف، إلى ترسيخ مصداقية العملية السلمية. كما يمكن أن تمثل هذه الاتفاقية نقطة تحول فاصلة فى تاريخ إثيوبيا، من خلال إنهاء حرب التيجراى الدموية بطريقة تفاوضية، وليس من خلال الانتصار فى ساحة المعارك كما تعكسها الخبرة التاريخية. ينبغى أن يكون هذا المثال الإثيوبى فرصة للباحثين والدارسين حول التفاوض والوساطة فى النزاعات الداخلية لاستكشاف مسار الوساطة المبكرة ومبادرات الدبلوماسية الوقائية. إن الحكومات الأفريقية غالبا ما تتجاهل الأزمة الناشئة حتى تتحول إلى نزاع مسلح. فى بعض الحالات، لا تكمن المشكلة فى تجاهل بوادر الصراع فحسب، بل أيضا فى الرد بقوة عن طريق القمع العنيف الذى يؤدى إلى نزاع مسلح.

النص الاصلي http://bit.ly/3UBTXBz
التعليقات