سحر الأسود - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 4:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سحر الأسود

نشر فى : السبت 8 أكتوبر 2022 - 6:25 م | آخر تحديث : السبت 8 أكتوبر 2022 - 6:25 م

أسود دامس يذكرنا بالشوارع المستسلمة لظلمة الليل أو بالماء المظلم الذى لا تتألق فيه نجمة. علميا الأسود ليس بلون، لكن هو غياب الضوء بأطيافه المرئية لنا، وهو لا يظهر ضمن ألوان قوس قزح التى تمثل انعكاسات للضوء، تمتص بعض مواده وتعكس أطوال موجية محددة من الضوء المرئى، مما يؤدى إلى أن تأخذ الأشياء لونا معينا للعين البشرية، أما الأبيض فيشتمل على جميع درجات ألوان طيف الضوء المرئى.
وإذا ابتعدنا قليلا عن هذا المنظور الفيزيائى فسنغوص فى بحر من دلالات سحر الأسود وقوته الجرافيكية، فعلى مر العصور كانت له معانٍ رمزية عالية تتردد فى بالنا ونحن نشاهد الأعمال الفنية المعروضة حاليا، وحتى 13 أكتوبر، فى جاليرى «مشربية» بوسط القاهرة. نحو 40 عملا يجمعها اللون الأسود على اختلاف طبيعة شغل الفنانين وانتماءاتهم.
نقف أمامها ونسترجع كل العبارات التى اعتمدناها دون تفكير فى حياتنا: أيام سوداء، عشرية سوداء، كوميديا سوداء، سوق سوداء، بطة سوداء، صندوق أسود، إلى ما غير ذلك، فى إشارة غالبا لأشياء كئيبة أو غير واضحة أو مريبة أو منبوذة أو معدوم الأمل فيها، وأخرى تنطلق بنا من انطباعات الغلاظة والتقشف والشظف والسرية والغموض والموت إلى الأناقة المتناهية والبساطة.
•••
غريب هذا اللون أو انعدام اللون. تنظر إلى نفسك فى إطار المرايا التى لفتها الفنانة الإيطالية ماريا جراتسيا تاتا بقماش التل الأسود فترى انعكاس صورتك وتكتشف أنك صرت جزءا من اللوحة. تتأمل وجهك وقد أكسبه الأسود بعض الدراماتيكية. تصبح أحد أبطال تراجيديا الحياة. تغيب قليلا، تلف وتدور، ثم ترجع لتقف أمام إحدى المرايات المستطيلة الملفوفة بالتل. بعدها تنجذب إلى قطعة نحتية للفنان السكندرى محمد أبو المجد بانسيابيتها ونعومة سطحها. تهمس إليك بسرها، فتكتشف أنها بعنوان «وشوشة» أو «همسة».
وفى الخلفية تطالعك سيدة حسناء على لوحة كبيرة من الخشب بألوان ضبابية من رسم سامى إلياس، كأنها شبح من الماضى خرج لتوه من العتمة. ثم على بعد خطوات، ينقلك عمرو الكفراوى إلى أحد معاقل الأبيض والأسود، إلى ماسبيرو الذى لا نعرف أى مصير ينتظره، مبنى التليفزيون المصرى الذى سكن وجداننا بأعمال فنية صارت ضمن مرجعياتنا. ربما سيختفى هو الآخر كما حدث لمثلث ماسبيرو الشهير بعماراته القديمة ودكاكينه التى أزيلت وحملت معها روح عصر مضى وانتهى فجأة بهدمها.
تقنية الكولاج التى تعتمد على تجميع أشكال وملصقات مختلفة لتكوين عمل فنى جديد تثير الشجون، فكل ما حولنا يقوم على القص واللصق، مع اختلاف الخامات والموضوعات، وتختفى ماهية الأشياء فلا نعرف إذا كنا أمام مبنى ماسبيرو أم مجرد استوديو عادى أو بناية غير واضحة المعالم، لكنها تخلق نوعا من النوستالجيا لدى المتلقى.
•••
بعض الفنانين المشاركين عُرف ببراعته فى استخدام الأسود مثل الحفار السورى يوسف عبدلكى الذى يعرض لوحة طبيعة صامتة، لكن آخرين مثل هانى راشد لم يعرفوا بالضرورة بعشقهم للأسود. يقدم راشد بورتريه لسيدة لها حضور قوى، تحمل قطتها، وتبرز على خلفية سوداء. شىء ما يجعلنا نشعر أنها تأتينا من عالم آخر، مسكون بالشخوص والخرافات، وربما الذكريات التى قرر الفنان استرجاعها على الورق بألوان الأكريليك، مثلما فعل رامى دوزى حين رسم لوحات صغيرة تشبه مسرح خيال الظل.. شخصيات خيالية تصنع حكايات وترويها على خلفية سوداء طاغية الحضور، تبرز التفاصيل البسيطة، كأننا فى رواية جورج أورويل الشهيرة «مزرعة الحيوانات».
الأسود يوحى فى بعض الأحيان أيضا أننا بصدد عمل قفزة نحو المجهول، نتحرك فى الضباب، ربما كان هذا ما شد انتباهى إلى المعرض.

التعليقات