لازم أحكيلك.. - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 10:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لازم أحكيلك..

نشر فى : السبت 7 أكتوبر 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 7 أكتوبر 2023 - 9:10 م
البحر المتوسط هو بحر مغلق أو شبه مغلق تقريبا، إذ تحيط به القارات الثلاث: أوروبا وآسيا وإفريقيا، لكنها لا تغلقه كليا، بل تربطه ثلاث فتحات ضيقة ببحار ومحيطات أخرى، تلك هى طبيعته الجغرافية التى تؤثر بالطبع على تركيبة سكانه وخصائصهم وتاريخهم. فى الآونة الأخيرة، أمواجه حملت معها أخبار الهجرات غير الشرعية والنزاعات المسلحة والانتفاضات الشعبية ونداءات الاستغاثة من هنا وهناك والسياسات الانعزالية والدعوات لتشديد الرقابة على الحدود والأخطار التى تهدد بعض مدنه بالغرق بسبب التغيرات المناخية، إلى ما غير ذلك. وفى خضم الأحداث، أراد الكاتب الفرنسى فرانسوا بون، 45 سنة، أن يعطى لأهل المتوسط الكلمة وبدأ مشروعه الذى يهدف إلى جمع حكايات الناس فى هذه المنطقة، جنوبا وشمالا، مع بدايات الربيع العربى. استمرت رحلته الأولى من ديسمبر 2011 إلى أبريل 2013، تجول خلالها فى البلدان المطلة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وكان يطرح على من يقابل سؤالا واحدا: «ما هى الحكاية التى تود مشاركتها مع الآخرين؟»، فالمطلوب هو أن يختار الشخص بشكل تلقائى حكاية واحدة مرت به ويريد أن يرويها والكاتب يساعده فى صياغتها أو يسجلها بالصوت أو الصورة بحسب الرغبة. انطلق فرانسوا بون من فكرة أن جميعنا مشروع رواية تمشى على قدمين، وأن سلسلة الحكايات والبورتريهات التى حصدها كفيلة بأن تعطى صورة غير نمطية عن المكان وسكانه.
• • •
كانت الخطوة التالية هى حفظ ما بين 1000 و1500 حكاية فى مكتبة خاصة أو أرشيف مفتوح للجمهور، يمكن الاطلاع عليه من خلال موقع إلكترونى أسماه «حكايات حقيقية من المتوسط» (histoiresvraies.org)، كما يمكن إضافة حكايات جديدة بواسطة المستخدمين، سواء بالإنجليزية أو الفرنسية. على هذا النحو يمكننا التمتع بقراءة نصوص وحواديت متنوعة تشمل جميع مناحى الحياة وتقول الكثير والكثير عن طبائعنا، عن طرق حياتنا، عن السياسة والاقتصاد بشكل غير مباشر، لنكتشف أوجه التشابه والاختلاف. مواطن فلسطينى من رام الله يدعى عماد يذكر، على سبيل المثال، تفاصيل إيقافه على يد جنود إسرائيليين أثناء سيره فى الشارع سنة 1990. الكاتب الجزائرى شوقى عمارى يروى أوضاع بلاده من خلال حكاية بسيطة عن ارتفاع ثمن الجمبرى. هذا بالإضافة إلى مرويات عدة عن الأمهات اللائى يحظون غالبا بالنصيب الأكبر من الحكايات، سواء كن على حق أو على باطل، أصبن أم أخفقن، لكن الحكايات التى يرددها الأبناء تساعد فى تحليل العلاقات الأسرية والمشاعر الإنسانية وكيفية التعبير عنها. وعلى هذا النحو تتوالى الحكايات عن الحب والعمل والموت والتوتر والخوف...
• • •
بعدها قرر فرانسوا بون تأسيس جمعية تحمل اسم الموقع نفسه عام 2015 وجعل مقرها مدينة مارسيليا، بهدف التوسع فى الفكرة وتشجيع آخرين على الانضمام إليه، وبالفعل جذب مجموعة من الباحثين والمؤلفين والأكاديميين والفنانين وغيرهم من المهتمين بهذا المشروع الذى يخلط الأنثروبولوجيا بالأدب. وكان قد نشر قبلها بسنتين 200 حكاية بين ضفتى كتاب بعنوان «القمر فى بئر» (La lune dans le puits)، امتزج فيها الشخصى بالعام، وهو نمط الكتابة المفضل لديه، إذ يشجع تيار «الأدب الخام» الذى ظهر فى مطلع القرن العشرين كوسيلة للخروج من أزمة الكتابة، ويدعو إلى الاستماع للناس والاستلهام من الواقع. وهو ما يفعله فى معظم مؤلفاته، فقد نشر عام 2017 «حياة جيرار فى الغرب» عن مسيرة عامل فى منطقة ريفية، تشابكت حكاياته مع الجيران والأصدقاء، تلا ذلك بعام واحد إصدار كتاب «عمر وجريج» الذى اعتمد فيه على حوارات أجراها مع شخصين حقيقيين من أبناء المهاجرين المغاربة ينتميان إلى حزب الجبهة الوطنية اليمينى لتسليط الضوء على التناقضات الفرنسية الحالية، ثم تبعه كتاب «روح العائلة» الذى جمع فيه 77 نصا على لسان لبنانيين، استطاع أن يرسم من خلالهم «بورتريه» لعائلة متوسطية فى بلد لا تزال الانتماءات الطائفية والعائلية تعنى الكثير وتتحكم فى طبيعة العلاقات.
• • •
هذا النهج فى التفكير والكتابة جعل البعض يقارب بين أعماله ومؤلف بلزاك الضخم «الملهاة الإنسانية» الذى جاء فى 37 مجلدا ليبحث فى عمق التكوين الاجتماعى ويكشف مناحى الحياة المختلفة فى القرن التاسع عشر، أو يقارنه بالفنان التشكيلى والكاتب جان ديبيفيه الذى دعا، فى منتصف أربعينيات القرن الفائت، إلى التحرر من القواعد الموروثة والقوالب النمطية من خلال «الفن الخام» الذى يمجد البشر العاديين ويستلهم أفكاره من واقعهم. وبالفعل بعد مرور عشر سنوات على انتهاء أولى جولات فرانسوا بون، نجد على الموقع تفاصيل شراكات مع مشروعات ونشاطات أخرى تكميلية، معارض وندوات ولقاءات تربط بين الأكل والشرب والملابس والفنون والعمران فى بلدان المتوسط. نتعرف أكثر على مسيرة الكاتب الذى يحل ضيفا على الإسكندرية ضمن شخصيات أخرى بارزة، فى الفترة من 9 إلى 11 أكتوبر الحالى، بمناسبة الدورة الحادية عشرة لمهرجان «كتابة وسرد البحر المتوسط» الذى ينظمه المعهد الفرنسى بمصر، تحت عنوان «هوية فى حركة».
التعليقات