العالم على مشارف ثورة خضراء جديدة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 2:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العالم على مشارف ثورة خضراء جديدة

نشر فى : الخميس 7 سبتمبر 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الخميس 7 سبتمبر 2023 - 8:40 م
نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة غادة خديوى، توضح فيه اتجاه بعض الدول مثل المكسيك والهند لتبنى تقنيات زراعية جديدة (فيما يُعرف بالثورة الخضراء) لتحقيق الأمن الغذائى وتفادى كارثة المجاعة. كذلك، تشير الكاتبة إلى الانتقادات التى وجهت لهذه الثورة الخضراء، لكن هذا لا ينفى حاجة العالم الماسة للاستثمار الزراعى لمحاربة الجوع والفقر.. نعرض من المقال ما يلى.
بعد الحرب العالمية الثانية ازداد عدد سكان العالم ازديادًا كبيرًا جدًا، حتى ثارت المخاوف من عدم إمكانية توفير الغذاء لهم. وعانت العديد من الدول، وخاصّة دول شرق آسيا من المجاعات. ففى الصين حدثت مجاعة كبرى فى الفترة 1959 ــ 1961، ووصل عدد الوفيات حسب التقديرات الرسمية إلى 15 مليون شخص، ولكنّ الدراسات الدولية قدرت عدد الوفيات بأنه يتراوح بين 20 مليونا إلى 45 مليون شخص. وكذلك تعرضت الهند لمجاعة كبيرة فى عام 1966 ــ 1967، ووفقًا للتقديرات الرسمية، توفى حوالى 1.5 مليون شخص جراء هذه المجاعة. كذلك كانت هناك مجاعات أيضًا فى كمبوديا (1975 ــ 1979)، وفيتنام (1945 ــ 1946)، وكوريا الشمالية (1994 ــ 1998). وتعتبر الأسباب الرئيسية لهذه المجاعات هى النزاعات والحروب، وسوء الإدارة والتخطيط، الذى يؤدى لتدهور النظام الاقتصادى؛ بسبب تطبيق سياسات غير فعّالة، وأيضًا التغيرات المناخية التى تتسبب فى إعاقة نمو الحاصلات الزراعية.
ولمواجهة هذه المشكلة بذلت الدول، العديد من الجهود للقيام بممارسات مختلفة فى الزراعة؛ ونتيجة لهذه الممارسات زادت كميات المحاصيل بصورة كبيرة لم تحدث من قبل. وأصبحت الدول التى كانت تعانى من المجاعة تنجح فى إنتاج كميات كبيرة من المحاصيل، وقد زادت عن حاجة السكان، بل توفر لديهم فائض لتصديره.
عُرفت هذه الممارسات باسم «الثورة الخضراء»، والتى تمثل أهم فترات الابتكار الزراعى فى القرن العشرين، وكانت تستهدف زيادة إنتاج الغذاء، والحد من الجوع والفقر، من خلال إدخال تقنيات جديدة، وحتى الآن هى من أكبر الإنجازات البشرية فى القرن الماضى، لتحقيقها الأمن الغذائى، والقضاء على الجوع من خلال الزيادة الهائلة فى الإنتاج، والتى وصلت لستة أضعاف فى بعض المحاصيل على نفس المساحة المنزرعة سابقًا، بل إنها أيضًا جعلت بعض المجتمعات أكثر ثراءً.
• • •
تقول الكاتبة إن بدايات الثورة الخضراء تُنسب عالميًا للعالم نورمان بورلاوج، وهو عالم أمريكى مختص فى الزراعة، حاز على جائزة نوبل للسلام عام 1970، نتيجة لعمله فى إنتاج أصناف قمح عالية الغلة (HYVs)، ويعتبر عالميًا مؤسس الثورة الخضراء، واستطاع من خلالها إنقاذ أكثر من مليار شخص من الجوع، وبدأت خطواته أثناء إجراء بحث فى المكسيك فى عام 1904، حيث طور أصنافًا جديدة عالية الإنتاجية من القمح، تتمتع بمقاومة عالية للأمراض، ولأن المكسيك كانت مجهزة بتقنيات الزراعة الآلية المتطورة، فقد تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح، وإنتاج الفائض لتصبح فى الستينيات من أكبر مصدرى القمح، وهى التى كانت قبل استخدام هذه السلالات تستورد نصف حاجتها من القمح.
تعرضت الهند فى الستينيات لأزمة غذاء، وأوشكت أن تصاب بمجاعة كبرى بسبب نمو سكانها السريع، فلجأت الهند لاستخدام التكنولوجيا، وبدأت بسلالات الأرز IR8، وكان قد تم تطويره من خلال أبحاث متطورة، بالمراكز البحثية لزيادة إنتاجيته، وتقليل الماء المستخدم فى زراعته، من خلال توفير الأسمدة اللازمة لنموه، وقد انتشر استخدام نوع الأرز IR8 عبر آسيا فى العقود التالية، بعد نجاح الهند.
العوامل والمبادئ التى قامت عليها الثورة الخضراء
ــ دمج التكنولوجيا الحديثة فى الزراعة مثل: الرى، والصرف الزراعى.
ــ تطوير سلالات وأصناف جديدة من المحاصيل الرئيسية عالية الإنتاجية، والتى تمثل غذاء أساسيًا للمواطنين، مثل: الأرز، والقمح، والشعير.
ــ استعمال مكثف للأسمدة الكيماوية، والمبيدات.
ــ إصلاح زراعى يحقق نقل ملكية بعض الأراضى إلى الفلاحين؛ ليتمكنوا من الحصول على قروض لتمويل التكنولوجيا المستخدمة، وتوفير مستلزمات الإنتاج.
ونتيجة لنجاح هذه الدول فى تطبيق هذه السياسات تضاعف الإنتاج إلى حد، وصل لستة أضعاف الناتج لنفس مساحات الأراضى الزراعية، وباستخدام نفس العدد من المزارعين، وكانت الهند، والمكسيك، والفلبين، والصين، وباكستان، وتايلاند هى أكثر الدول نجاحًا فى تحقيق الثورة الخضراء.
أهم مميزات الثورة الخضراء
زيادة الإنتاجية الزراعية: من خلال أصناف وسلالات عالية الإنتاجية، ودمج التكنولوجيا الحديثة، وأيضًا تقليل الخسائر الناجمة عن الآفات والأمراض.
الحد من الجوع والفقر: كانت الدول النامية هى أكثر من يعانى من الجوع والفقر، وساعدت زيادة الإنتاجية فى مجابهة مشكلات نقص الغذاء، وتحقيق الأمن الغذائى.
تحسين معيشة المزارعين: ساهمت زيادة الإنتاجية فى زيادة دخل المزارعين، وخاصّة بعد تحقيق فائض وارتفاع معدلات التصدير.
الابتكار الزراعى: ساعدت التكنولوجيا الحديثة على تحسين الممارسات الزراعية، واستثمار الموارد بالشكل الأمثل، وتطوير البنية التحتية الزراعية.
تعزيز الاقتصاد الوطنى: بسبب زيادة الإنتاج الزراعى ازدادت الصادرات الزراعية، وتحسن الرصيد التجارى للدول.
زيادة المساحات المنزرعة: من خلال السلالات الجديدة والتكنولوجيا، أصبح بالإمكان الزراعة فى المناطق المختلفة سواء التى تعانى من فقر المياه، أو تغيرات حادة فى درجات الحرارة، أو أنواع تربة عالية الملوحة.
الانتقادات التى وجُهت للثورة الخضراء
ــ أصبحت النباتات لا تستطيع النمو بنجاح دون مساعدة الأسمدة.
ــ التغير فى توازن النظام الإيكولوجى، بسبب تغير طبيعة الزراعة، والمواسم الزراعية مما أثر بشكل مباشر على التنوع البيولوجى.
ــ بسبب التماثل الشديد فى السلالات وأنواع النباتات، أصبحت مخاطر الزراعة أكبر فى حالة الإصابة بالآفات، مما يتوجب زيادة استخدام المبيدات بشكل كبير لمواجهة الآفات.
ــ أصبحت المنتجات الزراعية المنتجة، تفتقر لشروط السلامة الغذائية؛ لأن بها نسبًا عالية من المبيدات، التى تضر بصحة المستهلك.
ــ تلوث المياه والتربة، بالمبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية، مما يؤثر على البيئة والصحة العامة.
ــ زادت أعداد السكان بمعدلات أسرع، بسبب عدم الخوف من حدوث المجاعات، أو انعدام الأمن الغذائى.
تجربة الهند فى الثورة الخضراء
تعتبر التجربة الهندية من أهم التجارب الناجحة فى تحقيق الأمن الغذائى، وجعلت الهند من أكبر السلالات الغذائية، التى تصدر القمح والأرز للدول الأخرى. فى أغسطس 1968، أصدرت حكومة الهند طابعًا بعنوان «ثورة القمح» لتعزيز الوعى العام بأهمية زيادة إنتاج القمح، وأطلقت الحكومة برنامجًا كبيرًا لتطوير ونشر أصناف عالية الإنتاجية من الأرز، والذرة، والذرة الرفيعة، والدخن. وكانت هذه البرامج هى المحركات الرئيسية التى ساهمت فى إحداث تقدم فى الإنتاج والإنتاجية، دون زيادة المساحة المزروعة.
وفى عام 1965 بتوجيه من م. سواميناثان، أطلقت الحكومة الهندية الثورة الخضراء، التى استمرت من 1967 إلى 1978، والتى كانت أهم محركاتها وعوامل نجاحها، أنها استهدفت بشكل رئيسى تشجيع المزارعين على استخدام التقنيات الزراعية المتطورة، وتوفير الدعم، والتمويل اللازم لهم لتحقيق أقصى استفادة من هذه التقنيات، كما تم اعتماد نظام الدعم الحكومى للمزارعين، وتشجيع الاستثمار فى البحوث، والتطوير لتحسين جودة المواد الغذائية، وزيادة إنتاجيتها.
ونتج عن هذه المحركات طفرة كبيرة فى إنتاج الحبوب، وخاصّة القمح حيث ارتفع إنتاجه من 11 مليون طن عام 1960 إلى 55 مليون طن عام 1990، وزيادة محصول الفدان من 850 كجم / هكتار إلى 2281 كجم / هكتار، وبسبب خفض تكاليف الإنتاج على المزارعين، انخفضت أيضًا أسعار المواد الغذائية.
لقد واجهت الثورة الخضراء بالهند العديد من الانتقادات، بسبب الأضرار المحتملة للإنتاجية على المدى الطويل؛ نتيجة الاستخدام المفرط لمبيدات الآفات، والأسمدة، والمحاصيل الأحادية. ولكن نجاح الثورة الخضراء فى تخفيض معدلات الفقر والجوع المستوطن، كانت وما زالت هى المحرك الرئيسى للعمل والاستمرار. أما أهم الدروس المستفادة من الثورة الخضراء فى الهند، فهو أنه يمكن نقل التكنولوجيا الزراعية دوليًا للبلدان، التى لديها قدرة بحثية زراعية لتوفير الظروف المناسبة للبذور عالية الإنتاجية، لتناسب بيئات الإنتاج المحلية.
الثورة الخضراء فى أفريقيا
تعتبر أفريقيا من أكثر القارات معاناة من انعدام الأمن الغذائى؛ إلا أنه برغم نجاح الثورة الخضراء فى عدد من الدول، إلا أنّ هناك عوامل متعددة أثرت على عدم نحاجها فى أفريقيا، مقارنة بالدول الأخرى. أهم هذه الأسباب هو عدم وجود بنية تحتية زراعية قوية، خاصّة فى منظومة الرى والصرف، وأيضًا التنوع الكبير فى التربة فى المنطقة الواحدة، والتغير الحاد فى المناخ. ولكن يعتبر السبب الأكبر فى عدم نجاحها هو ضعف الإرادة لدى الحكومات للتنفيذ، بسبب ضعف التمويل، أو عدم رغبة المزارعين فى استخدام التكنولوجيا لتكلفتها العالية.
معدل انتشار انعدام الأمن الغذائى على المستوى الشديد فقط، وعلى المستوى المعتدل، أو الشديد خلال الفترة من 2014 ــ 2021 بناء على مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائى.
هل يحتاج العالم ثورة خضراء ثانية؟
نعم، أصبح الآن لا مفر من التوجه لثورة خضراء ثانية للحد من الجوع فى العالم، ومع استمرار نمو سكان العالم، ستظل هناك حاجة ماسّة لزيادة الإنتاج الزراعى والغذائى بشكل مستدام، لأنه طبقًا لتقرير ﺣﺎﻟﺔ اﻷﻣﻦ الغذائى والتغذﻳﺔ فى العالم 2022، فإن التوقعات العالمية لتحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول عام 2030، فى تراجع وانتكاس، لهذا سيتوجب على العالم إعادة توجيه السياسات الغذائية والزراعية، لزيادة القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية.
وقد بدأت الدعوات لبدء ثورة خضراء جديدة بالفعل، منذ ارتفاع أسعار الغذاء فى عام 2008، وزاد الاهتمام بالاستثمار الزراعى، وأطلق هذه الدعوات الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان فى ذلك الحين. وبرغم تقديم قادة العالم وعودًا إنمائية كبرى، إلا أنّ هذه التعهدات تفشل بسبب الوتيرة السريعة للمتغيرات العالمية سواء الوباء، أو النزاعات، لذلك لابد من أن تفى الدول الكبرى بوعودها، وتزيد الاستثمار فى البحث والتطوير فى مجال الزراعة، وأن تستهدف الاستثمارات العالمية دعم الدول الفقيرة.
المرجح هو أنّ الثورة الخضراء الثانية ستكون أكثر تقدمًا، وتتلافى مشكلات الثورة الأولى، خاصّة من حيث ارتفاع نسبة المبيدات المستخدمة، والتأثير على التنوع البيولوجى، ولكنّ الثورة الخضراء الثانية تأتى ومعها مخاوف جديدة، لأنها ستكون ثورة جينية لسلالات معدلة وراثيًا بشكل أكبر، مما يثير مخاوف العالم من الإقدام المتعجل عليها، وربما سيصحبها ارتفاع فى تكاليف التكنولوجيا المستخدمة، وتكلفة السلالات الجديدة، وهى تحديات مهمة تواجه الدول الفقيرة الأكثر احتياجًا، لزيادة إنتاج الغذاء.
النص الأصلى

التعليقات