في الاحتفال بالذكرى الخمسين لطه حسين - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في الاحتفال بالذكرى الخمسين لطه حسين

نشر فى : السبت 2 سبتمبر 2023 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 2 سبتمبر 2023 - 7:50 م
ــ 1 ــ
حينما أصدرت كتابى «طه حسين ـ تجديد ذكرى عميد الأدب العربى» منذ عامين.. اختتمته بتوجيه الدعوة إلى كل الجهات الرسمية، والمؤسسات الثقافية الكبرى، والمؤسسات الثقافية الأهلية، وإلى كل من له اهتمام بالثقافة وتاريخ مصر الثقافى وقوتها الناعمة للاستعداد والتحضر لمناسبة مرور خمسين عامًا على رحيل طه حسين التى تحل فى أكتوبر 2023.
ومضى العامان، وها نحن فى مطالع سبتمبر، أى قبل أقل من شهرين فقط من حلول المناسبة، ولم أسمع أو أقرأ عن أى استعداد أو إعلام من أى نوع!.
وإذا استثنينا الدفعة التى صدرت من كتب طه حسين (20 كتابًا) بإشراف الصديق والشاعر جرجس شكرى ضمن مشروع النشر بهيئة قصور الثقافة فى يناير الماضى (ربما كان المشروع الوحيد الذى ما زال يحتفظ بقيمته فى السنوات الخمس الأخيرة)، ومبادرات محدودة من هنا أو هناك بجهدٍ فردى بحت، فلا حسّ ولا خبر ولا أى شىء (طبعًا باستثناء الجدل الذى ثار حول مقبرة طه حسين العام الماضى!).
ــ 2 ــ
وفى المقابل، حظى شخص طه حسين وقيمته وأثره والاحتفاء بمنجزه الفكرى والحضارى والإنسانى وبأعماله الفكرية والنقدية وروائعه الإبداعية، حظى كل ذلك باهتمام كبير من دولة الإمارات العربية واختير طه حسين شخصية العام الثقافية فى أبوظبى العاصمة فى 2022، وكان هو شخصية المعرض الرسمية المحتفى بها وبأعمالها وقد دعيت وقتها لإلقاء محاضرة بعنوان (مدخل معاصر إلى طه حسين) ضمن الفعاليات العديدة التى أديرت حوله فى معرض أبوظبى للكتاب.
وفى البحرين نظمت أسرة الأدباء والكتاب ندوة شاركت فيها عبر الزوم للحديث عن مشروع العميد وراهنيته، وتجديداته الجذرية فى مسارات الفكر العربى الحديث.
ولن يغيب حضور العميد عن المغرب العربى كله من تونس إلى المغرب، وقد كان وما زال ملء السمع والبصر فى دوائرهم الثقافية والأكاديمية ولا أبالغ لو قلت إن جماهيريته فى أوساط المثقفين وحتى عموم الناس هناك تفوق غيرها من بلدان العالم العربى كله، كان طه حسين يحب بلاد المغرب العربى، وكانوا يحبونه ويجلونه ويقدرونه (لمن أراد شواهد على تلك المحبة وذلك الحضور، مراجعة الكتاب القيم للمثقف المغربى الكبير عبدالهادى التازى بعنوان «طه حسين فى المغرب»، أو كتاب التونسى محمد أبو القاسم كرو بعنوان «طه حسين والمغرب العربى».. وغيرهما).
ــ 3 ــ
لماذا نحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لرحيل عميد الأدب العربى، الدكتور طه حسين (1889 ــ 1973)؟ وما أهميته؟
فى كل الثقافات وفى إرث كل الشعوب التى حققت قدرا من الازدهار وقطعت أشواطا فى طريق العلم والتمدن والحضارة، ثمة تقليد أصيل يحتل مكانة رفيعة وسامية، وهو إحياء وتجديد التذكير بأعلام هذه الثقافة، واعتبار هذا الجهد جزءا أصيلا من الفخر الوطنى وتأصيل الانتماء وإعلان عن إسهام هذه الثقافة أو تلك من خلال منجزات هذا العلم فى تقدم البشرية وإشاعة القيم الإنسانية.. إلخ.
إنها مناسبة عظيمة تستحق أن يحتشد لها الجميع، وأن يُستعاد البحث عن مشروعنا للنهضة وبناء الدولة الحديثة منذ محمد على، ولماذا أخفق؟ ولماذا يجب إعادة تأسيس هذا المشروع وفق شروطنا الآن، وحاجاتنا الملحة الآن، ويجدَّد العزم بإرادة حقيقية على البحث الأصيل والمخلص عن أسباب هذا النهوض، وقوامه «التعليم الحديث» و«الثقافة الأصيلة».. و«العلم.. ثم العلم.. ثم العلم». وأنا أقصد هنا بالعلم ليس فقط منتجاته من تكنولوجيا حديثة ووسائل ووسائط إلخ، إنما أقصد الأخذ بالأسباب الحقيقية والجذرية لتوطين الفكر العلمى أولا فى تربة الثقافة المصرية (وهو فى ظنى ما لم يحدث طيلة القرنين الماضيين)، ثم توطين نواتج البحث العلمى ومخرجاته بعد ذلك بأشكال مختلفة فى الصناعة والزراعة والمؤسسات.. إلخ.
ــ 4 ــ
نحن فى أمس الحاجة إلى وقفةٍ للمراجعة والسؤال (حتى لو كلفنا ذلك أن نبدأ من النقطة التى بدأنا منها قبل قرنين أو يزيد!!) لا بد من إعطاء المعرفة والعلم والتفكير النقدى فرصة كى يُسمع فيها، مجرد فرصة للعقل، للمعرفة، لاحترامهما. مجرد التفات إلى الدعوة التى أطلقها الشيخ المجدد؛ شيخ الأزهر حسن العطار فى القرن الثامن عشر «إن بلادنا لا بد أن تتغيرَ أحوالها، ويتجدد بها من المعارفِ ما ليس فيها».
دعوة للنظر إلى جهود طه حسين وغيره من أعلام الإصلاح والتجديد فى تاريخنا المعاصر؛ هؤلاء الذين كافحوا كفاحًا مريرًا كى يكون هذا الوطن «محلًا للسعادة المشتركة نبنيه بالحرية والفكر والمصنع»، كما كان يحلم جدنا العظيم رفاعة الطهطاوى، وفى هذا الكفاح الفكرى والنضال الثقافى ــ فيما أظن ــ تكمن قيمة طه حسين، وقيمة أبناء جيله كله.. هذه القيمة التى غيِّبت عن جهلٍ تارة، وعن عمدٍ تارة أخرى، وعن عدم دراية بوجودها من الأساس وهو الغالب!.
ــ 5 ــ
أرجوكم أعيدوا النظر فى ذلك كله، اجعلوه فى دائرة الضوء.. أظن هذا أهم وأجدى من البكاء على اللبن المسكوب والولولة والندب وخناقات لا معنى لها ولا طائل.. لدينا ما نبدأ منه فعلًا للبحث عن مستقبل أفضل مهما بدا ذلك مستحيلًا! أو هكذا أظن!.