ناقشتُ مشاكل الذكاء الاصطناعى فى كتابى «كلام فى العلم» الذى نشر قبل عامين، وقد ذكرت فيه مخاوف عالم الفيزياء العظيم ستيفن هوكينج من احتمال تفوق الذكاء الاصطناعى على الذكاء البشرى، وأن يصبح قادرا على تطوير نفسه لاستخدامات تتعارض مع قيم الإنسان الأخلاقية، وقد يقدم فى مجال تكنولوجيا الأسلحة وإدارة الحروب، أسلحة قادرة على اختيار الأهداف التى تريد تدميرها دون تحكم بشرى.
كما أعرب هنرى كيسنجر أيضا عن قلقه إزاء التطورات التكنولوجية الحديثة، وخوفه من أن تصبح أجهزة الكمبيوتر قادرة على التواصل بعضها مع بعض دون تدخل بشرى واستخدام لغة تواصل لا يفهمها البشر، وقال إن البشرية لا تدرك عواقب هذه التطورات الحديثة التى قد تؤدى إلى خلق عالم يعتمد على التكنولوجيا، ولا يخضع للمعايير الأخلاقية والفلسفية المتعارف عليها بين البشر.
دفعت هذه المخاوف علماء الفيزياء وتكنولوجيا المعلومات أمثال بيل جيتس، وستيف، وزنياك، وإيلون ماسك وآخرين إلى توقيع خطاب مفتوح فى يناير 2015 للتعبير عن تخوفهم من التطور غير المنضبط للذكاء الاصطناعى، ودعوا إلى إجراء أبحاث تركز على الأثر الاجتماعى للتقدم التكنولوجى، مع استمرار الجهود العلمية لتطوير تكنولوجيا المعلومات لخدمة البشرية. فى نفس العام تم إنشاء مركز باسم «معهد مستقبل الحياة» يضم مجموعة متميزة من كبار علماء الكمبيوتر والفيزياء، بهدف وجود مركز لدراسة الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعى وحماية البشرية من أى تطورات تكنولوجية تتعارض مع القيم الإنسانية٠ وفى هذا الصدد يجب أن نشير إلى كلمات ستيفن هوكينج الذى قال «مستقبل البشرية هو سباق بين تزايد قوة التكنولوجيا وحكمة البشر فى استخدامها، علينا أن نتأكد من فوز حكمة البشر فى هذا السباق».
فيما يتعلق بقلق بعض المفكرين من تأثير الذكاء الاصطناعى على المعتقدات الدينية وإمكانية إنتاج معتقدات دينية جديدة، أو طرح تفسيرات دينية تتعارض مع الفهم التقليدى، مما يؤثر على الإيمان الفردى والجماعى، ربما قد يكون ذلك مشكلة فى دول العالم الثالث، لكن قضايا الإيمان الدينى فى أوروبا الغربية تم تجاهلها منذ عدة عقود، ويختلف الوضع فى الولايات المتحدة، التى لا تزال تحت التأثير القوى للحركات التبشيرية المسيحية المتطرفة خاصة فى الولايات الجنوبية والغربية الوسطى.
ربما لا داعى لهذا القلق من تأثير الذكاء الاصطناعى على قيم وأفكار المجتمع البشرى. وقد يكون للذكاء الاصطناعى دور مفيد فى التخلص من العديد من الأساطير الموروثة والأوهام والفكر الاتكالى، وقد يساعد أيضًا على نشر المعرفة العلمية الحديثة وكشف التاريخ الزائف والقيم المعادية للإنسانية الرفيعة. ولكن قد يحدث العكس لهذا التمنى المثالى، ويقوم الذكاء الاصطناعى بإنتاج أفكار فلسفية جديدة تمثل تحديا للعقل الإنسانى والقيم الأخلاقية الضرورية لاستمرار الجنس البشرى وتطوره.

أستاذ الأشعة التشخيصية سابقا بجامعة شفيلد ــ إنجلترا