ملاحظات حول اتفاقية تبادل العملة مع الصين - عاصم أبو حطب - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 12:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظات حول اتفاقية تبادل العملة مع الصين

نشر فى : الإثنين 2 يناير 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الإثنين 2 يناير 2017 - 9:40 م
بعد ما يربو قليلا عن عام من رفع مستوى العلاقات المصرية ــ الصينية إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، شهدت العلاقات بين الجانبين تطورا مهما خلال الشهر الحالى بتوقيع اتفاقية تبادل العملة فيما بينهما. ودعونا نتفق على أن كل مبادرة تقوم بها الحكومة لتنويع خياراتها الاقتصادية وأدوات سياساتها النقدية لا بد أن تكون موضع ترحيب وتقدير، فقد أثبتت التجارب أن الاعتماد المتزايد للدولة على سوق تجارية أو عملة بعينها يعرض قطاعاتها الاقتصادية لمخاطر التقلبات السياسية والاقتصادية لشركائها. ولما كانت أكثر الكتابات حول الاتفاقية قد ركزت على توضيح فكرة الاتفاقية والآثار المتوقعة من تنفيذها على الاقتصاد المصرى، فإن هذا المقال يسعى لاستكمال الصورة لدى القارئ من خلال إبراز بعض الملاحظات حول الاتفاقية.

فى البداية، تجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية ليست الأولى للصين فيما يتعلق بتبادل العملات مع شركائها التجاريين، فمنذ 2008 نشطت الصين فى إبرام اتفاقيات تبادل العملات مع دول وأقاليم العالم على اختلافها، فوقعت اتفاقيات شبيهة مع باكستان ونيجيريا وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وماليزيا وهونج كونج وروسيا البيضاء والأرجنتين، وغيرها. وحتى منتصف عام 2015، تجاوز عدد هذه الاتفاقيات 30 اتفاقية بقيمة إجمالية بلغت نحو 3 تريليونات يوان صينى أو ما يساوى 468 مليار دولار تقريبا. فبعد مسيرة الانفتاح الاقتصادى والإصلاح النقدى والتنمية الاقتصادية التى بدأتها الصين منذ قرابة ثلاثة عقود، ونجاحها فى أن تنتقل من أطراف النظام الاقتصادى العالمى لتكون إحدى قاطراته ومحركاته؛ أصبحت الصين تمثل شريكا استراتيجيا مثاليا وأداة فاعلة للكثير من الدول للتحرر من الهيمنة والنفوذ التى تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية، بل مستثمرا وممولا لمشروعات البنى التحتية، ومصدرا رخيصا للواردات، ولذلك فمن المؤكد أن اعتماد دول العالم على الصين سيزداد اقتصادا وعملة فى العقود القادمة، وبالتالى فإن هذه الاتفاقية بلا شك لن تكون الأخيرة من نوعها للصين.

ورجوعا لموضوع اتفاقيتنا مع الصين، فإنه لم يكن مستغربا ــ وقد أصبحت سمة ــ ولكنه كان مؤسفا أن تستقبل وسائل الإعلام خبر الاتفاقية بعناوين تصف الاتفاقية بأنها: «ضربة قاضية للدولار»، «ستصيب الدولار فى مقتل»، «تهدد إمبراطورية الدولار»، «تكسر احتكار الدولار للحصة الغالبة فى السوق العالمية»، وغيرها مما على شاكلة هذه العناوين المسرفة فى المبالغة والمفتقرة للحيادية والعلمية. ولقد عانينا كثيرا من تصريحات مشابهة رفعت أسقف الطموح الشعبى، ثم أفقنا منها على واقع محبط تبخرت معه هذه الطموحات ولم نجن منها سوى اهتزاز مصداقية الإعلام وأجهزة الدولة فى أعين فئات كثيرة من المجتمع. فعلى الرغم من تزايد أهمية وتأثير الصين فى النظام المالى والاقتصادى العالمى، والذى ترجمه إدراج صندوق النقد الدولى أخيرا لليوان الصينى فى سلة حقوق السحب الخاصة للصندوق، ممهدا بذلك لمرحلة جديدة فى بنية النظام النقدى الدولى–حسب وصف الصندوق ــ فلا يزال الدولار الأمريكى متربعا على عرش النظام النقدى العالمى. فالدولار لا يزال العملة الأكثر تداولا واستخداما بنسبة تزيد على 80% من إجمالى المعاملات المالية العالمية، كما أنه يشكل 62% من هيكل الاحتياطات النقدية العالمية. ولذلك فليس من الغريب أن توجه الصين نفسها جزءا كبيرا من احتياطاتها للاستثمار فى أذونات الخزانة الأمريكية. ومما يجب الإشارة إليه أن الدولار الأمريكى سيكون الوسيلة التى من خلالها سيتم تحديد سعر صرف الجنيه المصرى واليوان الصينى ضمن إطار هذه الاتفاقية، وهذا يعنى أن الدولار سيظل وبشكل مستتر المحدد لسعر صرف الجنيه المصرى فى هذه الاتفاقية.
***
أما فيما يتعلق بأثر الاتفاقية على القطاعات الاقتصادية المحلية، فقد ركزت أغلب التحليلات على الدور المرتقب للاتفاقية فى تقليل الطلب المحلى على الدولار الأمريكى، وتحقيق المزيد من الاستقرار فى سوق الصرف ورفع الاحتياطى النقدى للبلاد، واجتذاب الاستثمارات وتشجيع السياحة الصينية إلى مصر. ونحن هنا لا نختلف كثيرا عن هذه التحليلات؛ وإنما نحاول التأكيد على أن أى تحليل محايد لهذه الاتفاقية ينبغى أن يبدأ من دراسة هيكل التجارة البينية للدولتين والوضع العام لميزانهما التجارى. فوفقا لأحدث بيانات البنك الدولى، بلغت جملة التجارة المصرية الصينية فى 2015 نحو 10.2 مليار دولار، شكلت فيها الواردات المصرية من الصين ما قيمته 9.7 مليار دولار (أو ما يعادل 95.6% من إجمالى التجارة). وبذلك، فالواردات المصرية من الصين لا تشكل سوى 13% من فاتورة وارداتنا من العالم الخارجى والتى بلغت نحو 74.4 مليار دولار أمريكى خلال عام 2015. ومن ثم، تستوجب دقة الصياغة وحيادية التحليل أن يتم الاشارة إلى أنه «قد» يكون لهذه الاتفاقية دور فى خفض الطلب المحلى على الدولار الأمريكى بنسبة «قد» تصل إلى 13%. ولما كانت «قد» مع الفعل المضارع تفيد عدم اليقين، فإنها فى الاقتصاد تفيد الاحتمالية وتعنى ضرورة الانتباه للمحددات، حيث يبقى تحقيق ذلك متوقفا على البنود التفصيلية للاتفاقية نفسها وأطر تنفيذها على المستوى المحلى، والتى لا يزال الوقت مبكرا جدا لاتضاح معالمها وتأثيراتها على المدى الطويل.
***
أما أهم الملاحظات التى استوقفتنى خلال متابعتى لموضوع الاتفاقية فهى تتعلق بالبيان الرسمى لبنك الشعب (المركزى) الصينى حول الاتفاقية والذى جاء فيه أن الهدف العام منها هو «تعزيز التجارة الثنائية والاستثمار والحفاظ على الاستقرار المالى فى كلا البلدين». ولا أخفيكم سرا بأننى فى كل مرة أقرأ فيها مفردات «ثنائية»، «مشتركة»، و«بينية» فى سياق العلاقات المصرية الصينية ينتابنى قلق شديد. فمادام تزايد عجز الميزان التجارى للدولتين مستمرا لصالح الصين، فمن الإجحاف أن تتم الاتفاقيات التجارية والنقدية بين الدولتين على أسس من الندية والمساواة، لأن المصلحة الأكبر ــ بلا شك ــ ستصب فى صالح الصين.
ولعل عدم التكافؤ الاقتصادى بين الدولتين يتجلى أمامنا بنظرة سريعة إلى ميزانهما التجارى الذى تشكل فيه الصادرات المصرية أقل من 5% من جملة تجارة البلدين. وفى ظل ضآلة حجم صادرات مصر إلى السوق الصينى، واستمرار العجز المزمن فى الميزان التجارى، يصبح الحديث عن عوائد وفرص تصديرية أمر غير منطقى. فمن المعلوم جيدا للمتخصصين فى السوق الصينية أن مشكلة الصادرات المصرية للصين أكبر بكثير من مجرد عملة التبادل التجارى. ولذلك، فكما تمت الإشارة فى مقال سابق، فإن أى اتفاقية تجارية لمصر مع الصين لا تضمن «معاملة تفضيلية للمنتجات المصرية» بحيث تتيح لها شروطا ميسرة للنفاذ للسوق الصينية، وتمكنها من المنافسة مع منتجات الدول الأخرى، لن ينتج عنها فرص للمنتجات المصرية بقدر ما سيترتب عليها إغراق السوق المصرية بالمزيد من المنتجات الصينية.
وأخيرا، فإنه يجب التأكيد على أن العلاج الجذرى لأزمة سعر الصرف واحتياطى النقد الأجنبى يبقى رهين قدرة الحكومة على إعادة بناء اقتصاد مصر الحقيقى من خلال زيادة وتحسين نوعية وجودة المنتج المحلى والتوسع فى التصدير، وخلق مناخ جاذب للاستثمار، واستعادة وتنمية عوائد القطاع السياحى، وغيرها من وسائل زيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبى. أما اتفاقية تبادل العملة مع الصين فإنها تبقى ــ على الرغم من أهميتها ــ مجرد محاولة للتعامل مع الأزمة. وعلى الرغم من هذا، فحتى تؤتى هذه الاتفاقية ثمارها، وكى لا تستغلها الصين ــ وقد فعلت ذلك فى دول أفريقية كثيرة ــ فى تصريف المزيد من منتجاتها إلى السوق المصرية والإضرار بالمنتج المحلى، فإنه ينبغى للجانب المصرى إدارتها بحكمة شديدة من خلال اتخاذ التدابير التى تضمن ألا تتسبب الاتفاقية فى زيادة الواردات الاستهلاكية، وإنما يجب أن تعطى الأولوية للسلع الرأسمالية ذات العائد التنموى. ولتحقيق ذلك، ينبغى أن تحسن مصر الاستفادة من وسائل الدفاع الشرعية التى تتيحها منظمة التجارة العالمية لحماية الأسواق المحلية من خلال استخدام العوائق غير الجمركية، وكذلك من خلال تفعيل دور أجهزة حماية المستهلك والجهات المعنية بجودة ومواصفات المنتجات لعرقلة نفاذ السلع الصينية ذات المثيل المحلى إلى السوق المصرية، وبشكل عام، فإن الرؤية التى يجب أن نسعى من خلالها لتعظيم الاستفادة من هذه الاتفاقية يمكن صياغتها فى ضوء ما أورده الرئيس النيجيرى «بوهارى» فى رسالته لمجتمع المال والأعمال الصينى، والتى دعاهم فيها «ألا ينظروا للسوق النيجيرية على أنها سوق استهلاكية فقط، ولكن كمقصد استثمارى تصنع فيه المنتجات وتستهلك محليا».

 

عاصم أبو حطب أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية
التعليقات