x قد يعجبك أيضا

محلل سياسي: جهود إعادة إعمار غزة يجب أن تركز على الفلسطينيين وليس تعزيز السيطرة الإسرائيلية

نشر في: الخميس 27 نوفمبر 2025 - 9:42 ص
واشنطن- د ب أ

تتجه الجهود الدولية لإعادة إعمار قطاع غزة بعد سنوات من النزاع، مع التركيز على خطط إعادة البناء وإدارة المساعدات الإنسانية في ظل الانقسام الحالي للقطاع وسيطرة أطراف مختلفة على المناطق المختلفة.

هذا ما أكد عليه الباحث ألكسندر لانجلويس، وهو محلل سياسات خارجية متخصص في شؤون المشرق وغرب آسيا، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، لافتا إلى أن "السياسة الأمريكية تسمح لإسرائيل بتقويض وقف إطلاق النار وتعميق تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة".

ويقول لانجلويس إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحسب ما يتردد، يمضي في تنفيذ خطط خاطئة لإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية في غزة، تطيل فعليا أمد الاحتلال الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين. ويضيف أنه للأسف، هذا هو المسار القائم منذ أكتوبر 2023، إذ تبنت إدارة ترامب وسلفه جو بايدن استراتيجيات فشلت مرارا في معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في القطاع.

ويتابع لانجلويس: "إذا كانت واشنطن تأمل حقا في حل تلك الأزمة، وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأوسع، فعليها إعادة توجيه مقاربتها بما يراعي احتياجات الفلسطينيين ودور إسرائيل المعرقل، وبما ينسجم مع مصلحة الولايات المتحدة في تقليص حضورها في الشرق الأوسط بالتوازي مع جهود وقف إطلاق النار وإحلال السلام".

ويشدد على أن إدارة ترامب تفعل العكس تماما. ففيما يتعلق بالتخطيط لإعادة الإعمار، إذ تدفع الإدارة، وفق التقارير، لإعادة بناء الجانب الإسرائيلي فقط من قطاع غزة الذي بات مقسوما الآن، بينما تعيد طرح خطتها المعروفة باسم "المجتمعات الآمنة البديلة" لما يقرب من 2ر2 مليون فلسطيني. ووصف ناشطو حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية وسكان غزة أنفسهم، وحتى رؤساء وزراء إسرائيليون سابقون، تلك الخطة بأنها ليست سوى محاولة لوضع الفلسطينيين في غزة داخل "معسكرات اعتقال"، إذ لن يُسمح لهم بالمغادرة وسط إغلاق تفرضه القوات الإسرائيلية أو القوة الدولية للاستقرار التي أقرها مؤخرا مجلس الأمن في قرار يدعم خطة ترامب ذات النقاط العشرين للسلام في غزة.

ويقول لانجلويس إنه للتوضيح، فإن التحول الأمريكي لا ينبع من دافع إنساني. بل إن الغرض المفهوم من إعادة إعمار أجزاء من غزة لا يستطيع الفلسطينيون الوصول إليها، تاركين إياهم يعيشون في أقل من نصف أراضي القطاع وسط الركام وشُح المساعدات الإنسانية التي لا تزال إسرائيل تعرقل دخولها في انتهاك لوقف إطلاق النار والقانون الدولي، هو زيادة الضغط على حركة حماس لنزع سلاحها. وعلى الأرجح، تأمل واشنطن وتل أبيب في زيادة الضغط الشعبي على الحركة، بينما يعمل القادة الإسرائيليون على ترسيخ سيطرتهم على الأراضي التي يحتلونها.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة أن قواته لن تنسحب دون نزع سلاح حماس، في انتهاك لوقف إطلاق النار. ومنذ بدأت إسرائيل تنفيذ "خطة الجنرال" في أكتوبر 2024، ظل التفكير يتمحور، وما يزال، حول دفع الفلسطينيين للنزوح نحو مناطق غير خاضعة لحماس عبر استخدام المساعدات والمأوى كسلاح. وكانت "المجتمعات الآمنة البديلة" امتدادا لهذا المفهوم، فيما تم مؤخرا تثبيت الفكرة عبر السماح لعصابات مدعومة من إسرائيل بالسيطرة على ما يسمى بـ "المناطق الآمنة"، بما يفتح الباب لمزيد من الحملات الجوية العشوائية في المناطق الخاضعة لحماس.

لقد كانت الفرضية الأساسية وراء دفع الفلسطينيين نحو "المناطق الآمنة" دائما هي نزع سلاح حماس واجتثاثها. وترددت شائعات في الأسابيع الأخيرة بأن الولايات المتحدة بدأت تتردد بشأن مسألة نزع سلاح حماس، نظرا لصعوبة تشكيل قوة الاستقرار الدولية ، إذ تخشى الدول المحتملة المشاركة من أن تضطر لفرض أي عملية لإزالة الأسلحة، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى قتال مباشر مع حماس.

أما فيما يتعلق بتدفق المساعدات الإنسانية، فتشير تقارير جديدة إلى أن شركة الأمن الأمريكية "يو جي سوليوشنز"، الجهة المشغلة لمؤسسة غزة الإنسانية، تعمل على توسيع كبير لعملياتها في القطاع. وكان السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هوكابي، قد قال إن المؤسسة ستتوسع إلى 16 موقعا لتوزيع المساعدات. ومع ذلك، أعلنت المجموعة في 24 نوفمبر أنها ستوقف عملياتها في غزة مع بقائها كمنظمة عاملة، ما يوحي بأنها قد تستأنف نشاطها في القطاع مستقبلا، تبعا لعملية التوظيف الجارية.

وبوصفها آلية مساعدات خاصة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، ويشغلها متعاقدون أمريكيون جنبا إلى جنب مع رجال أعمال ومسؤولين عسكريين إسرائيليين سابقين، لم تتمكن المؤسسة إلا من فتح أربعة مواقع توزيع مساعدات في أواخر مايو، بذريعة منع حماس من الاستيلاء على الإغاثة. بينما كان نظام الأمم المتحدة الإنساني يدير أكثر من 400 موقع توزيع عبر غزة، وكان يعد فعالا بشكل عام.

ويقول لانجلويس إنه بتنسيق وثيق مع الجيش الإسرائيلي داخل مناطق عسكرية مغلقة، حيث يدمر كل ما يتحرك، انتهكت المؤسسة المبادئ الإنسانية الأساسية عبر تعريض الفلسطينيين للخطر، والترويج لروايات إسرائيلية حول المساعدات، وجمع بيانات الوجوه للفلسطينيين باستخدام أدوات ذكاء اصطناعي بالتعاون مع أجهزة الدفاع والمخابرات الإسرائيلية. وتشير تقارير إلى أن "يو جي سوليوشنز" وظفت العديد من المتعاقدين الأمنيين المرتبطين بعصابة أمريكية متطرفة معروفة بمعاداة الإسلام.

وقتلت إسرائيل أكثر من ألفي فلسطيني قرب تلك المواقع، بينما قالت المؤسسة إن القتلى لا علاقة لهم بعملياتها، وألقت باللوم على حماس. وهذا ليس حيادا ولا عدم تحيز، بل هو تعاون على حساب أرواح المدنيين.

كما فشلت المؤسسة في توفير مساعدات كافية للفلسطينيين، بحسب لانجلويس. فقد كان هدفها تقديم 300 مليون "وجبة" خلال أول 90 يوما، أي نحو 6ر1 وجبة لكل شخص في غزة. ورغم أن السقف كان منخفضا أصلا، فإن ادعاءها توزيع 135 مليون وجبة فقط بحلول 23 أغسطس، بعد 90 يوما من العمل، يشرح حالها. لقد ضربت المجاعة غزة لأن هذه الآلية كانت كارثة.

ومثل هذه العيوب ليست صدفة، تماما كما هي الحال مع جهود الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لإقامة رصيف بحري لإيصال المساعدات، أو الاستمرار في عمليات الإسقاط الجوي الخطِرة. فالمسعى الأول لم يُدخل أي مستوى مؤثر من المساعدات إلى القطاع، وأدى لإصابة عدة جنود أمريكيين، بينما مهّد الطريق لتهميش وتجاهل أنظمة المساعدات المحايدة. أما عمليات الإسقاط الجوي فقد قتلت العديد من الفلسطينيين، ولم تُحدث تأثيرا جديا في أزمة الجوع التي تفاقمت لتصبح مجاعة في ظل الآلية التي دعمتها إدارة ترامب عبر مؤسسة غزة الإنسانية.

ويقول لانجلويس إنه في النهاية، فإن "العلاقة السامة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي ما يدفع واشنطن إلى مثل هذه السياسات. وهو عجز الطبقة السياسية عن إدراك أن مصالح الولايات المتحدة، وليس مصالح إسرائيل، يجب أن تقود السياسة الخارجية الأمريكية. ويشدد على إنه "من جبن الإدارات، على مدى عقود، أن تعترف بأن الانصياع لأهواء شريك أصغر في صراع كان يجب أن ينتهي منذ زمن بعيد قد ورط واشنطن في انتهاكات وحشية لحقوق الإنسان، وألحق بها ضررا في سمعتها، وأدى إلى إهدار مواردها، وكل ذلك لا يقارن بما واجهه ويواصل الفلسطينيون معاناته يوميا".

ويضيف أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تستثمر أموال دافعي الضرائب في أي جهد يفشل في تحقيق الهدف المعلن بوقف إطلاق نار مستدام وآمن، وتحسين المؤشرات الإنسانية، وتحقيق سلام أوسع في غزة، فضلا عن أن يكون ذلك الجهد خادما لمصالح دولة أخرى على حساب كل شيء، بما في ذلك حياة الأبرياء. ويشدد على أن الحل الحقيقي يتمثل في الضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار وتنفيذ الخطة ذات النقاط العشرين. ومع أن هذا النهج يبقى أقل بكثير مما هو مطلوب فعلا لإنهاء الصراع، إلا أن المطلوب هو انسحاب فوري لإسرائيل ومسار جاد لإقامة دولة فلسطينية دون شروط مسبقة.

ويخلص لانجلويس إلى إن ترسيخ "الخط الأصفر" الحالي الذي يقسم مناطق سيطرة حماس ومناطق سيطرة إسرائيل في غزة هو وصفة لحرب دائمة، وهو ما لا يخدم المصالح الأمريكية. بل سيؤدي إلى انخراط أعمق في الشرق الأوسط، ويصرف انتباه واشنطن عن قضايا كبرى في الداخل وفي مناطق أخرى من العالم. وأي قرار بتعميق الدور الأمريكي في غزة بدعم واضح ومنحاز لإسرائيل، خصوصا عندما يكون هذا الدعم لسياسات فاشلة وغير قانونية تقتل المدنيين، لا يعكس سلوك رئيس يسعى بجدية إلى السلام.

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة