- كتاب لصحفي أمريكي ومحامية حقوقية يكشف زيف ديموقراطية إسرائيل وواقع القمع في فلسطين.. ويقترح حلولًا عملية للسلام
- من داخل الإعلام الغربي: أصوات تفضح نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وتقترح بنود خريطة السلام في فلسطين
- حملات المقاطعة والعزلة الدولية ووقف مبيعات الأسلحة من الغرب والتضامن العالمي مع فلسطين.. كيف أجبروا إسرائيل على إعادة النظر في سياستها العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني على مدار العاميين الماضيين
صدر قبيل اتفاق الهدنة بين غزة وإسرائيل كتاب جديد بعنوان «من الفصل العنصري إلى الديمقراطية: خريطة طريق للسلام في إسرائيل وفلسطين»، قدم تصورًا تفصيليًا دقيقًا للشروط التي يمكن من خلالها تفكيك نظام الفصل العنصري القائم في سياسات إسرائيل تجاه فلسطين الآن.
في البداية؛ إشارة إلى الواقعة التي حدثت حين كان المناضل الماركسي الإيطالي ، أنطونيو جرامشي ، يقبع في السجن خلال حكم الطاغية الفاشي، بينيتو موسوليني، في إيطاليا، فقام بالكتابة في دفاتر السجن عن مرحلة انتقالية سماها "المرحلة بين نظام قديم يحتضر وآخر جديد لم يولد بعد"، واصفًا إياها بأنها "زمن الوحوش".
وتبدو هذه العبارة - "زمن الوحوش"- مناسبة لوصف ما عاشته غزة خلال العامين اللذين تليا 7 أكتوبر 2023، من دمار وموت في ذلك الشريط الضيق من الأرض، وإذا ما استمر الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب ، فإن السؤال المطروح هو: أي مستقبل ينتظر تلك الأراضي الشاسعة الواقعة بين النهر والبحر؟
إن تلك الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة والمستوطنين الإسرائيليين، والتي يعيش عليها الفلسطينيون والإسرائيليون معًا، تشكل واقع الدولة الواحدة المبني على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، فما الذي يمكن أن يحدث لاحقًا؟ هل سيستمر النظام العنصري؟ أم سنشهد قيام حل الدولتين حيث تكون إحداهما عاجزة أو محدودة القدرة على العمل؟ هل سيتواصل الاحتلال العسكري الإسرائيلي؟ أم نشهد نكبة جديدة، أكثر تنظيمًا وعمقًا في تهجير الفلسطينيين؟ أم يبرز وجود استعماري جديد يكون فيه طرف خارجي هو الحاكم الفعلي المؤقت؟ أم أن الزمن القادم سيحمل تحولًا آخر، يتطلب إعادة بناء للعلاقات القائمة عبر عملية جديدة تنقل المنطقة إلى ما بعد هذا "الزمن الوحشي".
وعقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل في التاسع من شهر أكتوبر لعام 2025، نقلت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" عن أحد الإسرائيليين المحتفلين في "ساحة الرهائن" ، ويدعى أودي جورين، وهو قريب أحد ضحايا هجمات السابع من أكتوبر، قوله إن إسرائيل تحتاج إلى وجوه جديدة تصنع التغيير، مضيفًا: "الآن هو الوقت لنا – نحن الإسرائيليين والفلسطينيين – لنصوغ رواية جديدة لمستقبل أفضل".
وقد يبدو من الصعب تخيل هذه "الرواية الجديدة" في ضوء قرن كامل من الصراع والانقسام، لكن هناك لحظات يصبح فيها التحول ممكنًا، عندما تفرض التغييرات على الأرض واقعًا جديدًا يزلزل المعتقدات الراسخة، وتُبنى علاقات سياسية واجتماعية تفتح الطريق أمام ما كان يبدو مستحيلًا.
ولسنا بعيدين عند تلك اللحظة، لكن بوادر التغيير بدأت بالفعل، وعلى رأسها: تحولات في الرأي العام، ومعادلات سياسية جديدة، وحركة تضامن عالمية متسعة مع فلسطين لم يشهدها العالم من قبل، نقلًا عن صحيفة الجارديان البريطانية.
إن هذه الإمكانية للتحول الجذري في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني هي جوهر الكتاب الجديد الصادر لكلا من الصحفي الأمريكي، مايكل شيفر عمر مان، والمحامية الحقوقية الأمريكية، سارة ليا ويتسن، وقد صدر الكتاب قبيل أيام فقط من توقيع اتفاق الهدنة، ويتناول بتفصيل دقيق الشروط والإجراءات التي يمكن من خلالها تفكيك نظام الفصل العنصري في إسرائيل-فلسطين.
وليس الكاتبان بالغريبين عن الميدان؛ فشيفر عمر مان هو رئيس التحرير السابق لمجلة "+972"، وهي مجلة رقمية إسرائيلية تستهدف الجمهور الدولي، أما "ويتسن" فهي محامية حقوقية عملت سابقًا في منظمة "هيومن رايتس ووتش". ويعمل الاثنان حاليًا في منظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن (DAWN)، التي تهدف إلى إصلاح السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من منظور حقوق الإنسان، وقد تأسست هذه المنظمة على يد الصحفي والناشط السعودي ، جمال خاشقجي ، الذي اغتيل قبل سبع سنوات على يد عملاء سعوديين.
ونعرف عبر صفحات الكتاب - الصادر عن دار نشر جامعة كاليفورنيا والذي تربّع على عرش قائمة مبيعات أمازون هذا الأسبوع لأفضل الكتب مبيعًا في كتب الشرق الأوسط - أنه عندما عُرضت فكرة "الخطة الأولية" للمرة الأولى قبل أشهر، أثارت الشكوك لدى كثيرين بالنظر إلى المأساة التي كانت تتكشف في غزة؛ فالخطة تسعى، بحسب الكاتبين، إلى تصميم عملية لتفكيك الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة وإنهاء نظام الفصل العنصري.
وقد وضع المؤلفان وثيقة عمل حقيقية تحدد ملامح مرحلة انتقالية تنتهي بإقامة نظام ديمقراطي في إسرائيل وفلسطين، ولكنهما أكدان أن ذلك لن يتحقق في يوم أو شهر أو عام، بل يتطلب عملية طويلة تنتهي بحدوث تحول حاسم يُمكّن من ولادة نظام جديد.
ولا أحد يعلم ما الذي سيشكل هذا التحول، لكن ملامحه بدأت في التشكل خلال العامين الماضيين، ربما تؤدي التحولات في المواقف الغربية تجاه إسرائيل إلى وقف مبيعات الأسلحة، أو توسيع نطاق المقاطعة، وربما تمارس محكمة العدل الدولية ضغوطًا جديدة تتبناها الدبلوماسية العالمية. وقد تتكامل هذه التطورات مع الحركات الشعبية خارج إسرائيل لتصل العزلة الدولية إلى مستوى يجبر الدولة العبرية على إعادة النظر في بنيتها العنصرية للعودة إلى المجتمع الدولي.
وأدرك كلا من "شيفر عمر مان" و "ويتسن" أن نظام الفصل العنصري متجذر بعمق، ويعمل عبر منظومة معقدة من القوانين والممارسات التي تكرس التمييز والهيمنة، حتى داخل إسرائيل قبل حدود عام 1967، وهذه القوانين، كما أوضحا، تشمل جوانب الحياة كافة: التمثيل السياسي والتنظيم، وحرية التعبير، وملكية الأراضي واستخدامها وتنظيمها، وقوانين الهجرة والوضع القانوني الشخصي بما في ذلك قوانين الأسرة، والوصول إلى الموارد والخدمات والمزايا الحكومية، والأمن والشرطة، فضلًا عن ثقافة الشك والريبة الدائمة تجاه المواطنين والمقيمين غير اليهود.
وأكد الكاتبان أن إنهاء الاحتلال وحده، أو تطبيق القوانين الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، لا يكفي على الإطلاق لتفكيك نظام الفصل العنصري، وقدم الكتاب في كل مجال من هذه المجالات خريطة طريق عملية لبدء تفكيك هذا النظام غير المتكافئ والانتقال نحو ديمقراطية حقيقية، سواء عبر دولة واحدة ديمقراطية، أو اتحاد كونفدرالي، أو حتى دولتين متصلتين ببعضهما.
كما شدد المؤلفان على أن حرية التنقل والإقامة هي ركيزة أساسية لهذا التحول، إذ إن القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين تمثل أحد أهم أدوات السيطرة التي يستخدمها النظام العنصري، واستشهد الكاتبان بتجربتيّ جنوب إفريقيا وأيرلندا الشمالية كنموذجين على تحولات سياسية بدت يومًا مستحيلة، مقترحان من خلالهما عملية متعددة المراحل تشمل المصالحة المتبادلة، والتعويضات، وبناء إطار سياسي شامل.
ورغم أن الكتاب صدر قبل الهدنة، إلا أنه من الواضح أن الاتفاق الحالي لن يمهد الطريق لتطبيق "الخطة الأولية" تلك في المدى القريب. فما زال العالم، بحسب المؤلفين، في مرحلة ما قبل التحول، وعندما تحين لحظة التحول تلك، قد تكون بداية للرواية الجديدة التي يطمح الكتاب إلى الإسهام في صياغتها.