لا يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر كل عام بذكرى واحدة، بل بذكرتين؛ الأولى هي اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يحيي اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، تلك الوثيقة التي وضعت للمرة الأولى تعريفا جامعا لما يستحقه كل إنسان من كرامة وحماية، أما المناسبة الثانية فهي تسليم جوائز نوبل، وعلى رأسها جائزة نوبل للسلام التي تُمنح في اليوم ذاته لمن جعلوا من الدفاع عن الحقوق أسلوب حياة، وسببا أحيانا للسجن أو الاغتيال أو المنفى.
يحمل هذا اليوم رسالة مزدوجة تجمع بين النص الذي يحدد الحقوق، والإنسان الذي يختار الدفاع عنها مهما كان الثمن؛ فبينما يمثل الإعلان العالمي لحظة توافق دولي نادرة حول مبادئ العدالة، تحتفي جائزة نوبل سنويا بمن جعلوا تلك المبادئ واقعا حيا، وواجهوا أنظمة وحروبا وتمييزا لكي تصبح الحقوق ممارسة يومية لا كلمات على ورق.
عندما يصبح الإنسان وثيقة حية
عبر العقود، صعدت شخصيات كثيرة إلى منصة نوبل حاملة قصصا تفوق الخيال، وأصبحت بعض أسمائهم جزءً من ذاكرة العالم؛ أشخاص حولوا الألم إلى قوة، والظلم إلى مشروع مقاومة، من بينهم نيلسون مانديلا الذي نال الجائزة عام 1993 لجهوده في تحرير بلاده من الفصل العنصري، رغم قضائه 27 عاما في السجن، لكنه خرج ليقود جنوب إفريقيا نحو المصالحة ويصبح رمزا عالميا للعدالة والمساواة.
الحلم الذي هز أمريكا
حصل مارتن لوثر كينغ الابن على "نوبل" عام 1964؛ لقيادته حركة الحقوق المدنية ضد التمييز العنصري، ولم يكن خطابه الشهير “لدي حلم” مجرد كلمات، بل إعلانا لمواجهة ظلم تاريخي، ولا تزال أفكاره جزءً أساسيا من النقاش الأمريكي حتى اليوم.
أقوى من الصمت
في عام 2014 حصلت ملالا يوسفزاي على الجائزة؛ لنضالها من أجل حق الأطفال في التعليم، ورغم محاولة اغتيالها وهي في الخامسة عشرة، تحولت تجربتها إلى مصدر إلهام عالمي، وأسست “صندوق ملالا” لتعزيز حق الفتيات في التعليم حول العالم.
صوت النساء في ربيع عربي مضطرب
عام 2011 أصبحت اليمنية توكل كرمان أول امرأة عربية تنال نوبل للسلام، تقديرا لجهودها السلمية في الدفاع عن حقوق المرأة ودورها البارز خلال أحداث الربيع العربي في اليمن، وتحولت إلى رمز للمطالبة بالديمقراطية وحرية التعبير في زمن كان فيه الثمن باهظا.
نوبل خلف القضبان
نالت الناشطة الإيرانية نرجس محمدي جائزة نوبل عام 2023؛ لكفاحها ضد اضطهاد المرأة والدفاع عن الحريات، رغم وجودها في السجن، ولم تستطع حضور مراسم تسلم الجائزة، لكن صوتها خرج من خلف القضبان ليصل إلى العالم.
الشهادة على جسد الحرب
في عام 2018 حصل الطبيب الكونغولي دينيس موكويجي على الجائزة؛ لمعالجته آلاف النساء ضحايا الاغتصاب الجماعي في النزاعات، بينما حملت نادية مراد، الناجية الإيزيدية من داعش، جراحها إلى الأمم المتحدة لتفضح واحدة من أبشع جرائم العصر، وللدفاع عن ضحايا العنف الجنسي كسلاح في الحروب.
هؤلاء جميعا لم يكونوا مجرد فائزين بجائزة عالمية، بل شهادات حية تقول إن حقوق الإنسان ليست شعارات، بل معارك تُخاض بالدم والدموع والإصرار على الكرامة.