نظم مركز البحوث الأمريكي بمصر (ARCE)، بالتعاون مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة (AUC)، مؤتمرا تحت عنوان «التفاعل الثقافي في مصر عبر العصور»، بمقر الجامعة الأمريكية في التحرير، والتي شهدت مناقشة علمية موسعة حول تطور الفن المصري القديم وتفاعله مع محيطه الإقليمي خلال العصر البرونزي المتأخر.
كما شهد المؤتمر سلسلة من الجلسات الأكاديمية المتخصصة التي تناولت مكونات التراث الثقافي المصري عبر آلاف السنين، بما في ذلك السحر، والمخطوطات، والموسيقى، وفنون الطهي، إلى جانب مناقشة تأثير التفاعل الحضاري بين مصر ومحيطها في فترات تاريخية متعددة، بدءًا من العصر الفرعوني وصولًا إلى العصر الحديث.
واستعرضت الباحثة جوليا فرانزيسكا بيرتش، ورقة بحثية بعنوان "التطعيمات الذهبية من مقبرة توت عنخ آمون – زخرفة العجلات الحربية والتبادل الثقافي للزخارف البصرية في الأسرة الثامنة عشرة"، حيث تناولت بما يعرف بـ"الزخارف الدولية"؛ وكيفية دمجها داخل الفن المصري وتحوّلها إلى جزء من الهوية البصرية خلال الأسرة الثامنة عشرة.
وقالت جوليا، خلال كلمتها، إن التأثيرات الفنية القادمة من بلاد الشام وشرق المتوسط بدأت تظهر في مصر من خلال وحدات زخرفية صغيرة الحجم وتراكيب تصويرية كانت تستخدم بشكل واسع على قطع فنية وأدوات متنوعة.
وأشارت إلى أنه ورغم ندرة الأمثلة المصرية السابقة لهذه العناصر، فإن الفنان المصري نجح في استيعابها وتطويرها، لتتحول من مجرد عناصر مستوردة إلى زخارف بملامح مصرية واضحة.
وشددت على أن هذه المرحلة لم تشهد مجرد نقل أو تقليد للأشكال الأجنبية، بل جرى إنتاج نسخ محلية تعكس رؤية الفنان المصري وقدرته على دمج الثقافات الوافدة في إطار فني متسق مع التقاليد المصرية، وقد ظهر ذلك بجلاء في تطور زخارف النباتات الحلزونية، التي اتخذت اتجاهات إقليمية مميّزة داخل مصر مقارنة بنظيراتها في بلاد الشام.
وتناولت الورقة البحثية، مشاهد الحيوانات التي احتلت مكانة بارزة في فنون تلك الفترة، حيث تنوعت بين مشاهد رمزية تحمل طابعًا شعاراتيًا، وأخرى تعكس الحياة البرية والمشاهد الطبيعية المرتبطة بأواخر الأسرة الثامنة عشرة.
ولفتت إلى أن استخدام مصطلح "الأسلوب الدولي" قد لا يكون دقيقًا بما يكفي، نظرًا للتعدد الكبير في الأنماط الإقليمية واختلاف طرق توظيف الزخارف ذاتها بين منطقة وأخرى.
وأكدت المناقشة أن كثيرًا من القطع الأثرية التي عُثر عليها من تلك الحقبة تجمع بين الزخارف الدولية والعناصر المصرية التقليدية على القطعة ذاتها، ما يعكس حالة من “الهجين الفني” أو “التوليف الجمالي” الذي ميّز الفن المصري خلال تلك الفترة، ويدل على مدى مرونة المصري وقدرته على الابتكار دون التخلي عن هويته الفنية الأصيلة.
كما أشارت إلى أن هذه التغيرات لم تكن ظاهرة عابرة، بل كانت جزءًا من اتجاه أوسع داخل مصر نحو تزيين الأدوات والقطع الفنية بمشاهد من الطبيعة وتصميمات زخرفية متنوعة. ويعكس هذا التحول رغبة مصرية في إعادة صياغة الإرث الفني في ضوء التفاعل مع الثقافات المحيطة، دون فقدان الخصوصية المصرية التي ظلت راسخة رغم الانفتاح على العالم الخارجي خلال أواخر الدولة الحديثة.