في اليوم العالمي لذوي الهمم تبرز رحلة اللاعب المصري أشرف رمضان مصطفى؛ لتؤكد أن الطموح قادر على إعادة رسم واقع كامل.
لم يبدأ أشرف لعب الجودو، إلا منذ ثلاث سنوات فقط، وهو الآن طالب بالفرقة الرابعة بكلية الحقوق جامعة عين شمس، لكنه أصبح أحد أبرز لاعبي المنتخب المصري للمكفوفين، جامعًا بين ذهب الجمهورية ومراكز عالمية متقدمة، ساعيًا إلى تحقيق حلم التأهل لأولمبياد لوس أنجلوس 2028.
* بداية متأخرة لم تكن عقبة
لم يكن طريق الجودو مخططًا له مسبقًا؛ فمن داخل قاعات الجامعة بدأت رحلة أشرف مع الرياضة، ومع أولى خطواته في اللعبة وجد نفسه أمام جدول تدريب قاسٍ يجمع بين ثلاث حصص يوميًا، بالتزامن مع ضغط المحاضرات والمذاكرة.
ورغم صعوبة التوازن بين الرياضة والدراسة، استطاع أن يثبت نفسه سريعًا، محققًا المركز الثاني في أول بطولة محلية يشارك بها بعد أسابيع قليلة من التدريب فقط، وهذا النجاح السريع فتح أمامه باب المنافسات الدولية، فشارك في بطولة العالم بفنلندا محققًا المركز الخامس، ثم حصد برونزية العالم في البطولة التي استضافتها مصر.
* إصابة مؤلمة ودرس في الشغف
ومن بين محطات مسيرة أشرف القصيرة، تبقى مباراة بطولة العالم في فنلندا إحدى اللحظات الفارقة، حيث خاض اللقاء وهو يعاني إصابة عضلية متجددة، لكنه أصر على الاستمرار حتى أصبح الألم عائقًا جسديًا حقيقيًا، واضطر للخروج محمولًا.
ورغم قسوة التجربة، فإنها شكّلت بالنسبة له دليلًا جديدًا على حجم الشغف الذي يحمله تجاه اللعبة والنجاح.
* الجامعة تحدٍّ يومي أصعب من البطولات
ورغم التحديات الرياضية، يصف أشرف الدراسة الجامعية، بأنها الجزء الأكثر مشقة في حياته اليومية، فهو يعتمد على القراءة بطريقة برايل بدلًا من السمع في مذاكرته، ما يجعل تحضير المواد الدراسية يستغرق وقتًا مضاعفًا، كما أن الأجهزة المتخصصة التي يمكن أن تسهّل عملية الدراسة باهظة التكلفة؛ ما يضيف عبئًا آخر على رحلته.
* فجوة في الوعي المجتمعي
بعيدًا عن أرض الملعب، يواجه أشرف تحديًا من نوع مختلف، وهو نظرات المجتمع وطريقة تعامله مع ذوي الإعاقة البصرية، فما زالت فئات واسعة تخلط بين الإعاقة البصرية وغيرها، وتتدخل بنية المساعدة لكنها تمارس وصاية غير مقصودة.
كثيرًا ما يتكرر أن يتم توجيه الحديث لمن يرافقه بدلًا من توجيهه إليه، أو أن يحاول البعض مساعدته بطريقة مبالغ فيها قد تسبب ضررًا بدل الفائدة.
ويقول: "من أبسط حقوقي إني أتحرك لوحدي، لكن ناس كتير بتقولي: إزاي أهلك سايبينك! وساعات يهمسوا وبيكلموا اللي جنبي ويسيبوني، مع إني بسمع وبردّ!".
ويروي موقفًا كوميديًا مؤلمًا: "واحد مرة شالني بالعافية على السلم كأني عندي إعاقة حركية، وموقف تاني طلع يشدّني من دراعي لحد ما وقعت بين المترو والقضيب!".
هذه المواقف اليومية، كما يرى، تعكس نقصًا في الوعي الحقيقي بطبيعة الإعاقة البصرية وحدودها.
• الرياضة جواز سفر للاندماج والنضج
أعطت الرياضة أشرف فرصة لاكتشاف العالم والمجتمع من منظور مختلف؛ فقد أتاحت له السفر والاحتكاك بثقافات وتجارب متعددة، وأثبتت للآخرين أن أصحاب الإعاقة البصرية قادرون على المنافسة وتحقيق الإنجاز.
وأصبح ظهوره في البطولات ومواسم المعسكرات وسيلة عملية لتغيير النظرة التقليدية تجاه قدرات ذوي الهمم.
* رسالة إلى الأسر والشباب من ذوي الهمم
ويرى أشرف، أن أول خطوة في تمكين ذوي الهمم تبدأ من أسرهم، مؤكدًا أن الحماية الزائدة قد تتحول إلى قيد يعيق الاستقلال، وينصح بالسماح لهم بخوض التجربة والتحرك والاحتكاك بالحياة، معتبرًا أن هذه المساحة ضرورية لبناء الشخصية القادرة على العمل والتفاعل داخل المجتمع مستقبلًا.
* التغيير يبدأ من الجيل الجديد
لكن رغم دور الرياضة في تغيير الصورة، يشدد أشرف على أن التأثير الأكبر يتحقق عبر الأطفال والشباب في المدارس، لأن تشكيل الوعي في هذه المرحلة هو الطريق الأكثر فعالية.
كما يرى أن الإعلام والسوشيال ميديا والأنشطة المجتمعية يمكن أن تُحدث نقلة واسعة إذا وصلت رسائلها إلى كل فئات المجتمع وليس المهتمين فقط.