x قد يعجبك أيضا

خالد محمود يكتب.. الجدل الذى تجاوز الفيلم: قراءة مزدوجة في جملة أحمد مراد لو بنعمل فيلم عن رسول كان أسهل

نشر في: الخميس 4 ديسمبر 2025 - 11:36 ص
آخر تحديث: الخميس 4 ديسمبر 2025 - 11:46 ص

أثار تصريح الكاتب أحمد مراد في ندوة فيلم «الست» بمهرجان مراكش—حين قال: «لو كنا بنعمل فيلم عن رسول كان أسهل»، جدلًا واسعًا امتد من النقاش الفني إلى الاجتماعي والديني.

وبين من رأى في الجملة «زلة غير محسوبة»، ومن اعتبرها «مبالغة فنية عادية»، انقسمت القراءة إلى رؤيتين واضحتين: إحداهما ناقدة، والأخرى مؤيدة.

هذا المقال يقدم الصورتين معًا، باعتبارهما انعكاسًا لحوار ثقافي أكبر حول حدود الإبداع، ومسؤولية الفنان، وقوة الرموز في المخيال العربي.

* الرؤية الأولى: قراءة نقدية – حين تصبح المقارنة غير موفقة

تُظهر القراءة النقدية للتصريح أن المشكلة لم تكن فقط في «المجاز»، بل في طبيعة التشبيه نفسه، أولا ظهر كتشبيه مُربِك ومفتوح على حساسيات دينية، حتى لو كان نية مراد فنيًا، فإن التشبيه برموز دينية مقدسة لا يأتي بلا ثمن.

فالفيلم الديني في العالم العربي غير قابل للتنفيذ أصلاً، لما يحيط به من محاذير دينية وفقهية.

لذا، حين يقول مراد إن «فيلم عن رسول أسهل»، فهذا لا يمكن أن يُفهم فنيًا إلا كجملة غير دقيقة، أو غير موفقة بل وغير منطقية.

ثانيا: حساسية السياق ، فالحديث عن الدين في ندوة فنية، وبشكل عابر، يضع الكلمة في منطقة رمادية.صانع الفيلم لا يتحدث بوصفه شخصًا عاديًا، بل ممثلًا لمشروع فني، ومسؤوليته الخطابية جزء من مسؤوليته الإبداعية.

النقطة الثالثة أم كلثوم رمز كبير… لكن ليست في موضع مقارنة دينية، فأم كلثوم بالفعل رمز فني شديد الحساسية، لكنها—مهما بلغت مكانتها—لا ينبغي أن تُقارَن دينيًا ، ولذلك بدا التصريح لكثيرين نوعًا من الخفة في التعامل مع الرموز المقدسة، ولو عن غير قصد.

* الرؤية الثانية: قراءة مؤيدة – المجاز الفني وليس المقارنة

في المقابل، يرى مؤيدو مراد أن الهجوم جاء نتيجة قراءة حرفية لجملة مجازية، وأن مراد استخدم صيغة مبالغ فيها للتعبير عن صعوبة درامية لا أكثر..وهنا تتكشف عدة نقاط :

أولا: مجاز تعبيري لا يحمل نية دينية، فالفنان يستخدم المبالغة كما يستخدم النَفَس الإيقاعي.ولا يمكن مطالبة مبدع يستخدم لغة انفعالية بأن يتحول إلى متحدث رسمي محسوب الكلمات.الجملة عند هذا التيار مجرد:" مجاز يصف استحالة فنية”.

ثانيا: صعوبة أم كلثوم تتجاوز الدراما التقليدية، فيرى المدافعون أن أم كلثوم ليست «شخصية» بل منظومة أسطورية:جماهير لها حساسية مضاعفة، تاريخ متشعب ، أيقونة وجدانية ، ومساحة محملة بالتقديس الاجتماعي، وتقديمها سينمائيًا يعني خوض معركة مع الذاكرة العربية كلها.لذا، كان مراد يقصد:الاقتراب من رمز مباح نظريًا لكنه شبه مستحيل عمليًا.

ثالثا: المفارقة التي لم تُقرأ جيدًا، ففيلم ديني عن رسول غير ممكن في الأصل، ما يجعل الإشارة إليه نموذجًا رمزيًا لحد الاستحالة، لا مقارنة لاهوتية.ومجرد اشتعال الغضب بسبب جملة قالها مراد يؤكد ما كان يقصده:الرموز — سواء الفنية أو الدينية — شديدة الحساسية في الوجدان العربي.

* ننقطة الالتحام: هل المشكلة في الجملة… أم في علاقتنا بالرموز؟

عند دمج الرؤيتين، تتكشف حقيقة أعمق:تصريح مراد ليس مجرد هفوة، ولا مجرد مجاز.

إنه مرآة لواقع ثقافي عربي مضطرب في علاقته بالرموز.وهناك ثلاثة مستويات لهذه الأزمة:

1. الرموز الدينية محفوظة داخل حدود واضحة ، لا يدخلها الفن، ولا تتعرض لإعادة التفسير، ما يجعلها «مغلقة».

2. الرموز الفنية مفتوحة شكليًا لكنها مغلقة واقعيًا .. فالجمهور لا يسمح بإعادة قراءة أم كلثوم أو عبدالحليم أو فيروز إلا وفق صورته هو، لا ما يراه الفنان.

3. الفنان نفسه يتحرك داخل منطقة ملغمة، يخشى الجمهور إن اقترب، ويخاف الجمود إن ابتعد.

بين ضغط الجمهور، ولغة الفنان، وتاريخ الرموز… تصبح الجملة الواحدة مثل التى قالها مراد قادرة على إشعال نقاش كامل حول حدود الممكن في الفن العربي.

في النهاية، يظل تصريح أحمد مراد:غير موفق لغويًا عند من يرفضون إقحام الدين في التشبيه، ومجازيًا مشروعًا عند من يرونه تعبيرًا انفعاليًا عن صعوبة العمل ، ومرآة ثقافية عند من يستخلصون منه أزمة العلاقة بين الفن والرموز، وربما حادثة مفيدة لأنها أعادت فتح نقاش كبير حول حدود القول وحدود الصمت.

واخيراً هل أخطأ مراد فى التشبيه ؟

ربما.

هل كان يقصد ما فهمه البعض؟

على الأرجح لا.

هل يحق للفنان استخدام المبالغة؟

بالتأكيد.

هل يحق للجمهور أن يغضب من المقارنة؟

ربما

لكن المؤكد أن الجملة — سواء تم انتقادها أو الدفاع عنها — أعادت إلى الواجهة سؤالًا أخطر: هل نحن مستعدون فعلًا لمشاهدة أعمال تعيد قراءة رموزنا الكبرى؟ أم أننا نفضل أن تبقى أساطيرنا كما هي… بلا اقتراب؟

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة