قالت الكاتبة والروائية ضحى عاصي إنها سعيدة بمناقشة رواية وكالة النجوم البيضاء للكاتب عمرو العادلي، مؤكدة أن بينهما رحلة طويلة من الرفقة الإبداعية، إذ بدأت الكتابة في التوقيت نفسه، وشاركا في ندوات متعددة على مدار السنوات، ما جعلها تعتبره "جزءًا من حياتها"، مضيفة: "كبرنا سوا، ولهذا أشعر أن تصنيفنا ككتّاب سيكون من الجيل نفسه".
وأضافت أن الرواية من أجمل مؤلفات عمرو، موضحة: "حين بدأت قراءتها لم أستطع أن أتركها، النص ممتع وسلس، ويتميز بسهولة القراءة بمعنى أنه نص متعوب عليه، مراجع جيدًا، ومحذوف منه كل ما يعرقل الجملة، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير من الكاتب، ولهذا أصفها بأنها رواية طعمة".
وأشارت إلى أن النص مختلف تمامًا عما كتبه عمرو في أعماله السابقة، وأنه يحمل لغة شاعرية خاصة، لافتة إلى أنها توقفت عند اختياره لشخصيات الرواية، وقرأت بعض الجمل التي رأت أنها تختصر فلسفتها.
وأكدت أن الرواية تتناول شخصية هامشية بطريقة مدهشة، قائلة: "ما اعتقدش إن في حد فينا فكر قبل كده في بطل بيعرض الأفلام في السينما، إحنا عادة بنهتم بتفاصيل الفيلم نفسه، لكن عمرو اختار يسلّط الضوء على الشخص اللي بيشغل الفيلم قدام الناس".
جاء ذلك خلال الندوة التي استضافها المركز الثقافي بنادي الرحاب لمناقشة الرواية، بمشاركة عدد من الكتّاب والمثقفين من بينهم: أميرة أبو المجد، مدير النشر والعضو المنتدب لدار الشروق، والدكتورة غادة لبيب، وأشرف العشماوي، ونشوى صلاح، الدكتور جلال الشايب، وعماد العادلي، وسما زيادة، والناشر أحمد شمروخ، والكاتب رامي رأفت، وهدى أبو زيد، ونانسي حبيب، مسؤولة النشر، وعمرو عز الدين، مسؤول التسويق بدار الشروق، على بدوي مدير المركز الثقافي بنادي الرحاب.
في روايته الجديدة، يواصل عمرو العادلي رحلته في استكشاف العوالم المعلقة بين الحلم والواقع، بين الذاكرة التي تأبى الانطفاء، والحاضر الذي يرفض الاعتراف بها. منذ الجملة الأولى على الغلاف — "يفتح الباب، فينسكب ضجيج العالم في صمت دام نصف عمر..." — ندرك أننا أمام نص لا يسعى للحكي بقدر ما يسعى لاستنطاق العزلة، ومساءلة الزمن، واستعادة معنى الانتماء في عالم تغيّر دون أن ينتظر أبطاله.
البطل، الذي كان يومًا «عارض أفلام»، يجد نفسه الآن عالقًا بين شريطين: أحدهما سينمائي يمنح الآخرين الحلم، والآخر حياتيّ يخصه وحده، تلتبس فيه المشاهد فلا يعود يعرف إن كان يتذكّر أم يتخيّل، يعيش أم يمثل. من هنا، تمضي الرواية كرحلة في دهاليز الذاكرة، حيث لا شيء يبدو على حقيقته، وكل ما تبقى هو البحث عن مشهد أخير يعيد التوازن أو يعترف بالضياع.
ببراعة سردية مألوفة لدى العادلي، يتقاطع الواقعي بالمتخيل في بناء يتكئ على منطق السينما، حيث تتكرر اللقطات وتتداخل الأزمنة، ويتحوّل "العقل" و"الجنون" إلى خطين متوازيين لا يُعرف أيهما أقرب إلى الحقيقة.
الرواية ليست مجرد حكاية عن شخص فقد مكانه في العالم، بل عن جيل كامل يحاول أن يجد معنى وسط ضجيج لا يهدأ. فحين "تفشل خرائط الواقع"، كما يقول العادلي، يصبح الخلاص في إعادة رسم العالم عبر الفن، عبر السينما تحديدًا، باعتبارها الذاكرة الأخيرة التي لا تخون.
عمرو العادلي، الذي خبر القصة والرواية معًا، يواصل هنا مشروعه الأدبي الذي يجمع بين العمق النفسي والتأمل الفلسفي. بعد أعمال مثل السيدة الزجاجية ورجال غسان كنفاني ومريم ونيرمين، تأتي هذه الرواية لتؤكد نضج صوته السردي وقدرته على التجريب دون أن يفقد حسّه الإنساني الدافئ.