باتَ من المحتَّم بعد صدورِ تقرير سوق العمل فى الولايات المتحدة، الذى يمكن وصفُه بالمحبط عن مستويات التشغيل، أن يقومَ البنك الفيدرالى فى اجتماعه القادم، بتخفيض أسعار الفائدة على الأقل بربع نقطة مئوية، أو 25 نقطة أساس لإنقاذ سوق العمل التى تزداد ضعفا. ويأتى الاجتماع، الذى سينتهى إلى هذا القرار فى السابع عشر من هذا الشهر، وسط أجواء غير مسبوقة مهددة استقلال البنك المركزى، ومعه أهم ما يملكه وهو مصداقيته. إذ يتعرض البنك لضغوط سياسية متباينة تجاوزت فى حدتها محاولات سابقة، من قِبل البيت الأبيض، للنيل من حرية اتخاذ أهم قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية، وهى تحديد أسعار الفائدة وفقا لمعطيات موضوعية وأهداف اقتصادية. وتتراوح هذه الضغوط بين التسفيه علنا من رئيسه، والتشكيك فى كفاءته، والتهديد بعزله، والسعى لإقالة أحد أعضاء مجلسه والدفع بآخرين من الموالين أعضاءً، والتدخل فى ثوابت حوكمته من القاعدة إلى القمة.وكأنَّه لا يكفى ما يواجه البنك الفيدرالى من معضلة مركبة بتراجع مستويات التشغيل، وضعف سوق العمل، تزامنا مع عدم السيطرة الكاملة على التضخم الذى ما زال يتجاوز معدل زيادته الهدف المعلن وهو 2 فى المائة سنويا. ويفسر المعلق الاقتصادى بريان كيم تدهور سوق العمل فى العام الحالى بأربعة عوامل؛ أولها تأثير مخطط تخفيض العمالة الحكومية فى بداية عهد الرئيس ترامب؛ وثانيها الأوضاع الاقتصادية والسوقية، ردَّ فعلٍ لحالة اللايقين، والتضخم وتغيرات الطلب؛ ثالثا ما يسببه إغلاق محال ومشاريع من تخلص من عمالة؛ ورابعاً تداعيات الأثر السلبى قصير الأجل لتسارع التحول التكنولوجى فى بعض الأنشطة إلى تخفيض للعمالة فيها.ويواجه البنك الفيدرالى اختبارا عاجلا لمصداقيته، فهو إن خفض أسعار الفائدة كما هو مقدر ومبرر، قد يفسر بأنه إذعان لضغوط البيت الأبيض، وبأن أسعار الفائدة قد تم تسييسها. فتأتى قراءة لوضع الدولار اليوم بصفته عملة احتياطى، بأنه تم تسليحه فى المواجهات الدولية، بعد إجراءات حجب استخدام آلية السويفت لتسوية المعاملات عن الروس بعد الحرب الأوكرانية. كما أن أسعار فائدته تتعرَّض فى تحديدها لضغوط سياسية متزايدة لخصتها الاقتصادية شيبنيم كالملى فى مقال تساءلت فيه عن أسباب «حب الحكام الشعبويين لتخفيض أسعار الفائدة»؛ وكان الرد بأن دافعهم الحقيقى ليس لانتهاجهم مدرسةً تتهم ارتفاعها بزيادات فى التضخم، ولكن لدعم توجههم السياسى فى الأجل القصير، ولو بتكاليف متزايدة ستلاحق من يأتى بعدهم.ومما سيترتب على خفض أسعار الفائدة، تزايد التخوف من ارتفاع التضخم، مع مهددات الاستقرار السعرى وسلبية التوقعات، بسبب الإجراءات الحمائية ورفع الرسوم الجمركية على الواردات، ومعها فرض القيود على الهجرة، التى تزيد من احتمالات زيادة تكاليف الاستهلاك والإنتاج معا. ولكن كما ذكرت فى مقال سابق، فإن الخوف من البطالة قد غلب التخوف من التضخم بما عكسته تصريحات رئيس البنك الفيدرالى فى جاكسون هول الشهر الماضى بما يحسم الاتجاه نحو التخفيض. وفى أى حال، لا ينبغى تجاهل زيادة احتمالات تضخيم فقاعات الأسهم المتداولة مع سعار أسعار شركات الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا، بتوجيه مزيد من السيولة إليها، على النحو الذى حذَّر منه الاقتصادى روشير شارما فى مقال منشور منذ أيام بصحيفة «الفاينانشال تايمز».ليس غريبا إذن أن تواجه الأصول المالية الأمريكية، بدايةً من الدولار إلى أذون الخزانة والسندات الحكومية المقومة به، تحديات كبرى فى الأسواق الدولية. فلأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، يزيد مكون الذهب فى الاحتياطى من النقد الأجنبى على السندات الأمريكية. ومن بداية العام ارتفع الذهب بأكثر من 35 فى المائة، ونقلت شبكة «رويترز»، عن بنك الاستثمار «جولدمان ساكس»، أن المعدن الأصفر فى طريقه لتجاوز 4000 دولار للأوقية فى منتصف عام 2026، ارتفاعا من سعر 3579 دولاراً فى بدايات هذا الشهر، وأنه سيتجه إلى ما هو أعلى من ذلك إذا ما استمرت محاولات انتهاك مصداقية البنك الفيدرالى، وقد يصل إلى 5000 إذا ما وظف 1 فى المائة من الاستثمارات الخاصة فى الولايات المتحدة فى الذهب بدلاً من أسواقها. فمع زيادة الذهب بريقا نُذرٌ بسراب وعود بعهد ذهبى للاقتصاد.وعابرًا سلوك المستثمرين المحترفين ومؤسساتهم، التى لن تضيع فرصا مع هذه التغيرات، إلى عموم الناس. ففى دراسة ميدانية قمت بها فى عام 1995 على السلوك الادخارى للأسر الريفية، فى أربع قرى تابعة لمركز كفر شكر فى دلتا مصر، شكل الذهب مكونا مهما فى محفظة الادخار العينى والمالى، للعينة المختارة. إذ جاء الذهب فى المرتبة الثالثة بعد النقود السائلة والأطيان الزراعية. وتقليديا تمتعت مصر كبلدان نامية غيرها، وبحماس أكبر وانتشار أكثر لسوق الذهب بسيولة عالية، وحرية فى الشراء والبيع والرهن بشفافية. وبسؤال المبحوثين عن أسباب احتفاظهم بالذهب، أفادوا بثلاثة، كان أولها التأمين، بما يفسر إدراكهم دوره فى التحوط ضد تقلبات الزمن والصدمات المتوقعة وغير المتوقعة، وجاء الادخار سبباً ثانيا، والزينة سببا ثالثا. ولا يتعارض اقتصادياً أى من هذه الأسباب مع الأخرى فى دوافع الاحتفاظ بالذهب.فكما أوضحت هذه الدراسة، فبالإضافة إلى إدراك عموم الناس أن الذهب أصل مرتفع السيولة، فهو وسيلة ناجعة للتوقى من التضخم. إذ يحتفظ الذهب بمعدل زيادة حقيقية فى سعره، خاصة مع غياب بدائل لما يحققه من أغراض التأمين والادخار، وبعض من التحلى به للزينة، ولو عند الأزمات.
نقلًا عن الشرق الأوسط
مقالات اليوم جميل مطر صور كاشفة ولها دلالات وعواقب حسن المستكاوي الاختيار الثانى تحقق أمام بوركينا! عماد الدين حسين ماذا لو حدث العكس؟! أشرف البربرى أكذوبة الصديق الأمريكى خالد محمود مقاطعة مؤسسات السينما الإسرائيلية.. صوت العدالة يعلو خالد عزب لماذا قصر العينى.. تحدى تعريب الطب وبناء القواميس الطبية؟! علي محمد فخرو ما يقوله أبطال أسطول غزة محمد سالم فى عصر الذكاء الاصطناعى.. القدرات البشرية المصرية.. هل حان دورها؟ صحافة عربية البرازيل.. دور متصاعد على صعيد الطاقة العالمى
قد يعجبك أيضا
شارك بتعليقك