د. أحمد سعيد عزت يكتب: الملكية الفكرية لعلامة الهوية الوطنية - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 9:33 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

د. أحمد سعيد عزت يكتب: الملكية الفكرية لعلامة الهوية الوطنية


نشر في: الخميس 25 أبريل 2024 - 12:09 م | آخر تحديث: الخميس 25 أبريل 2024 - 12:11 م

لم تكن الملكية الفكرية يومًا آلية حماية قاصرة على عدد محدود من الإبداعات أو الإبتكارات؛ وإنما هي من المرونة والإتساع لاستيعاب كل نتاج العقل البشري بما يخدم البشرية، وما يحقق تنمية المجتمع تنمية مستدامة.
يتفرع الهدف العام لتسجيل العلامة الوطنية ما بين تعزيز هوية الدولة بين أفراد الشعب وصورتها الفريدة على المستوى الدولي، وذلك من خلال استعمال العلامة الوطنية على منتجات سياحية، أو طوابع بريد، أو وسائل مواصلات، أو ملابس فرق رياضية؛ دعمًا لقضية فرعية منها الدفاع عن حقوق سياسية، أو الترويج السياحي أو السلعي أو الخدمي، أو الترويج للثقافة الوطنية أو التراثية، أو جذب الاستثمارات، أو الأيدي العاملة، أو زيادة الصادرات.
وفي هذا السياق أثير نقاشًا حول آلية الحماية القانونية لعلامة الهوية الوطنية ومدى تعبيرها عن الهوية البصرية للدول والمدن، إذ عنيت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) ممثلة في اللجنة الدائمة المعنية بقانون العلامات التجارية والتصاميم الصناعية والمؤشرات الجغرافية، بالإستجابة إلى دعوة وفد (بيرو) عام 2019 لامتداد الحماية القانونية للعلامات التجارية إلى العلامات الوطنية.
تأسيسًا على اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية (عام 1883 وتعديلاتها)، والتي انضمت لها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 1580 لسنة 1974، إذ تتيح المادة السادسة (الفقرة الثالثة) من الاتفاقية لدول الاتحاد رفض أو إبطال تسجيل الشعارات أو العلامات التي تمثل شعارات الدولة أو دول الاتحاد أو أسماء المنظمات الدولية الحكومية؛ وتنظم استخدام هذه العلامات بعد الحصول على تصريح من السلطات المختصة، وهي الآلية التي توفر حماية وطنية وعبر وطنية عملًا بالفقرة 3/أ من ذات المادة بإعمال آلية (التبادل الدولي لقوائم شعارات وعلامات الدول وتعديلاتها)، من خلال المكتب الدولي للويبو.
يتطلب انضباط الحماية القانونية لعلامة الهوية الوطنية تحديد الآلية القانونية للحماية، والسلطة المختصة بالتصميم والاستعمال والتسجيل، وضوابط الاستعمال والترخيص به والترويج لها، وتقييمها الاقتصادي كأصل من الأصول غير الملموسة.
تتخذ العلامة الوطنية –دوليًا- حماية قانونية وفق التنظيم القانوني للعلامة التجارية: التي تميز السلع أو الخدمات عن مثيلاتها، سواء اتخذت شكل علامة جماعية: تلك التي يملكها أعضاء جماعة لتمييز منتج أو سلعة، أو علامة مراقبة: تلك التي تسجل لتستعمل جماعيًا للتصديق على إنتاج منتج أو تقديم خدمة وفقًا لضوابط محددة (كوريا، المغرب، سلطنة عُمان، كولومبيا)، وذهبت تشريعات أخرى إلى تبني آليات أخرى مثل حق المؤلف (بيرو، نيوزيلندا)، أو قانون خاص بالعلامة الوطنية (الأرجنتين، كولومبيا).
وعلى مستوى السلطة المعنية بتصميم واستعمال وتسجيل العلامة الوطنية، خصت بعض الدول وزارة السياحة (الأرجنتين، كرواتيا، جورجيا)، بينما عينت دولًا أخرى قطاع الصناعة التقليدية (المغرب)، أو شركة خاصة (سويسرا).
لا تقصر التشريعات المقارنة استعمال العلامة الوطنية على الدولة بشكل حصري، بل إن كثيرًا من الدول تصدر ترخيصًا حصريًا -أو غير حصري- لاستعمال العلامة الوطنية من السلطة المختصة لأفراد طبيعيين أو إعتباريين (جاميكا، المغرب، بيرو، كوريا، إسبانيا) بضوابط صارمة، وبمقابل سواء مبلغ مقطوع أو نسبة من الأرباح المتوقعة أو المتحققة (ألمانيا، سلطنة عُمان)، مع أحقية السلطة المختصة في سحب الترخيص أو الإذن حال الخروج عن هذه الضوابط، وكذا ملاحقة المعتدين وطنيًا أو دوليًا على العلامة.
غير أن بعض الدول تقصر استعمال العلامة على الجهات الحكومية المعتمدة؛ لإضافة مزيد من الرسمية على العلامة الوطنية (سويسرا، الدانمرك، فرنسا، تركيا).
يتداخل في تصميم العلامة الوطنية مزيج من مكونات مادية وغير مادية، تشكل في مجموعها ما يرتبط بالصورة الذهنية للدولة وطنيًا ودوليًا، من خلال ستة عناصر هي (الصادرات، الحوكمة، الثقافة والتراث، المجتمع المحلي، السياحة، الاستثمار والهجرة)، فيتمثل التصميم في شعار وطني، أو ألوان علم الدولة، أو الخريطة الجغرافية للدولة، أو نص مكتوب أو مرسوم، أو عنصر من التراث الحي، أو خط زخرفي كتابي.
استهدفت ألمانيا على سبيل المثال في تصميم علامتها الوطنية استقطاب خريجي الجامعات لنيل درجات الدراسات العليا؛ فكان تصميم علامتها الوطنية متضمنًا عبارة (Study in Germany- Land of ideas) إدرس في ألمانيا- أرض الأفكار، بينما جاءت العلامة الوطنية للمغرب تستهدف الترويج للثقافة الوطنية (الأمازيغية) برمز تراثي أمازيغي، وكذا الخريطة الجغرافية للمغرب مشتملة على الصحراء الغربية على ملابس الفرق الرياضية.
تتيح حماية العلامة الوطنية بآليات الملكية الفكرية مكنة مراجعة وتحديث بل وإعادة التصميم بشكل دوري، بما يتسق مع الغاية من استعمال وتسجيل العلامة، ففرنسا على سبيل المثال أعادت إنشاء علامتها الوطنية التي أطلقتها عام 2008 بإنشاء علامة جديدة عام 2019.
اقتصاديًا تمثل العلامة الوطنية قيمة اقتصادية استثنائية تضاف إلى الأصول غير الملموسة للدولة، ويقيّم مؤشر القوة الناعمة العالمي العلامات (التجارية والوطنية)؛ من خلال تقدير مدى تحقيق الغاية من تصميم العلامة وتسجيلها، والإيرادات المحتملة لاستغلال العلامة، وبتلافي أخطاء تنتقص من القيمة القانونية والإقتصادية للعلامة، ومنها:

1- نسخها أو سرقتها من علامة وطنية أو تجارية أخرى.
2- الخطأ في استهداف المخاطب بها.
3- تصميم معقد أو غير مرن أو مسيء.
4- اختيار لغة أو ألوان أو رموز لا تعبر عن هوية الدولة.
تصدر مؤسسة Brand Finance المعنية بالتقييم الاقتصادي للعلامات (التجارية والوطنية) تقريرًا سنويًا مقدرًا بأسس محاسبية للقيم الاقتصادية، احتلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية المركز الأول عام 2024، بقيمة تسويقية تزيد على 32 مليون دولار أمريكي، بزيادة تقارب 2 مليون دولار أمريكي عن التقييم ذاته عام 2023، تلتها الصين في المركز الثاني بقيمة تسويقية تصل إلى 20 مليون دولار أمريكي بانخفاض يصل إلى 3 مليون دولار أمريكي، بينما احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز الأول عربيًا والخامس عشر دوليًا بتقدم مركز واحد دوليًا عن تقييم عام 2023، بينما احتلت مصر المركز الواحد والأربعون بتقدم خمس مراكز عن ذات التقييم عام 2023.
على الصعيد الوطني تنتظم الحماية القانونية للعلامة الوطنية كعلامة تجارية جماعية أو علامة مراقبة، في قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 سنة 2002، وبالأخص المواد (63، 64، 69، 70).
تمتلك مصر المكونات المادية وغير المادية، التي تشكل في مجموعها الصورة الذهنية الحقيقية لأقدم دول العالم ابتكارًا وإبداعًا، ويعفيها من ارتكاب أيّ من أخطاء التصميم التي أشرنا إليها عاليه، وذلك بما تمتلكه من عناصر تشكل قائمة مطولة لسبعة مواقع أثرية، وثمانية عناصر في قوائم التراث الحي المدرجين في قوائم التراث العالمي لليونسكو، وأضعاف هذه الأعداد مدرج في القوائم الوطنية للمواقع الأثرية والتراث الحي، فضلًا عن شعار وطني يتمثل في ألوان علم له دلالاته الراسخة تاريخيًا ووطنيًا، وخريطة جغرافية ثابتة لا ينتقص منها تحت أي ظرف، ولغة عربية بخطوط زخرفية تراثية لها دلالتها التاريخية، وسلع وخدمات ومنتجات وصادرات وطنية زراعية وصناعية، وغيرها من مكونات تبرز ما يعبر عن الهوية الشخصية للدولة المصرية.
ما نرجو معه أن يضطلع الجهاز المصري للملكية الفكرية –المستحدث- بدوره نحو تسجيل علامة -أو أكثر- للهوية الوطنية المصرية، وتقييمها اقتصاديًا والترويج لها بضوابط استعمال وطنية ودولية، يمكن أن نحتفي بها في احتفالات اليوم العالمي للملكية الفكرية العام القادم.

* عضو لجنة حماية حقوق الملكية الفكرية - المجلس الأعلى للثقافة
- حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم القانونية والاقتصادية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك