آخر رجال الصنعة.. حكايات من انهيار الحصير السمار - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:17 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

آخر رجال الصنعة.. حكايات من انهيار الحصير السمار

كتبت ــ فاطمة على:
نشر في: الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 9:09 م | آخر تحديث: الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 9:09 م

كفر الحصير تدير ظهرها لصناعتها التاريخية.. حسن عامر: كنا بنصدر لبلاد برا.. ودلوقتى مبقاش حد قادر يستحمل


لكل مقام مقال، ولكل تطور ضحايا وخسائر، لكن الخسائر هذه المرة ستطول من عاش وتعلقت أنمله بصناعة أجداده وبات يحافظ عليها كما لو كانت إرثا يبحث عمن يحميه لأجيال متعاقبة.

على بعد نحو ألفى متر مربع من بندر مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، تقع واحدة من القرى الفريدة فى مجال صناعتها وما يجيده أهلها، حتى أصبحت اسما على مسمى «كفر الحصير»، فعلى مدى أكثر من قرنين من الزمان عاش أهل القرية يتبارون فى صناعة الحصير السمار، والذى يتم تصنيعه ويعتمد بصورة كلية وأساسية على نبات السمار.

«يا ريت الزمن يرجع بينا تانى» قالها حسن عامر، صاحب الـ79 عاما، الذى أفنى عمره فى صناعة الحصير، قبل أن يتذكر ما آل إليه حاله بأسى: «كنا بنصدر لبلاد برا، ودلوقتى مبقاش حد قادر يستحمل ويشتغلها».

عامر كان شاهدا على تأثير صناعة الحصير السمار فى بلدته منذ أن كان صبيا يافعا، فالجميع يعمل دون تمييز بين شاب وفتاة وأم وشيخ، فالكل كان يفترش أمام منزله أشبه بورشة يصنع فيها عددا من الحصير بمقاسات متعددة، فيما كانت سيارات النقل لا تفارق القرية، وتحمل منتجاتهم إلى المحافظات المجاورة، بل وفى أحيان كثيرة إلى عدد من الدول العربية.

ومع مرور السنوات ظهر السجاد والموكيت، والذى أثر بصورة كبيرة على تراجع مبيعات القرية، لكن ارتفاع أسعار السمار فيما بعد، ووصوله إلى أكثر من 400 جنيه، كان بمثابة القشة التى قسمت ظهر الصناعة وأتت على ما تبقى منها فى القرية، فهجرها الشباب تباعا، وبات من يعمل بها «العواجيز» ومن عاش حتى أرذل العمر، يقضى وقته فى الصناعة حتى ينقضى وقته ويموت وتموت معه الصناعة.

والتقط عجوز آخر يدعى الحاج عبدالرحيم أطراف الحديث، موضحا أنه وزميله عامر آخر من تبقوا فى الصناعة بالقرية، وأن تاريخ حصير السمار بكفر الحصر سينتهى بموتهم.

انحنى الرجل، والذى لا يفصله العمر عن صديقه سوى بضعة أشهر، ليلتقط عود سمار يستكمل به حصيرة اقترب من إتمامها، قبل أن يرفع رأسه ويؤكد على أسباب عزوف أهالى القرية عن الصناعة: «السمار عدى الـ 400 جنيه، والحال مبقاش زى الأول، دا غير إن الناس بقت تسترخص وتشترى حصر بلاستيك».

وتابع عبدالرحيم كاشفا الفرق بين حصر السمار وقرينتها البلاستيكية: «السمار نضيف وأحسن بكتير من البلاستيك خصوصا وقت الشتا، دا غير إنه بيستحمل الرطوبة والتراب والبهدلة، وكان السياح بيتخانقوا عليه، لكن نقول إيه بقى لكل وقت أدان».
وروى عبدالرحيم لـ«الشروق» خطوات تصنيع الحصير، موضحا أنهم يقومون بشراء نبات السمار من محافظة الفيوم، وبعدها يقومون بوضع العيدان فى حوض مياه كى تكتسب المرونة وتكون طوع صانع الحصير، والذى يضعها على النول ويبدأ فى تصنيع الحصيرة حسب مقاسها: «من متر لـ3 أمتار، وحسب الزبون ما يطلب»، وفى بعض الأحيان يتم صبغها بألوان مختلفة تكسبها لمسة جمالية.

واختتم العجوز بنبرة حزينة: «أنا وحسن آخر الناس اللى شغالة فى مهنة جدودنا، ولما نموت كفر الحصر هيبقى اسم وخلاص والصنعة هتفنى وينتهى وقتها».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك