خالد محمود يكتب.. «الساعة الأكثر ظلمة».. هل يدفع البريطانيون للبحث عن تشرشل جديد؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:38 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خالد محمود يكتب.. «الساعة الأكثر ظلمة».. هل يدفع البريطانيون للبحث عن تشرشل جديد؟


نشر في: السبت 17 مارس 2018 - 8:05 م | آخر تحديث: السبت 17 مارس 2018 - 8:05 م

-جارى أولدمان ممثل عظيم ولو لم يقدم سوى تلك الشخصية فى تاريخه لكفاه
-المخرج جو وايت أضفى على العمل طابعا متوترا مذهال ومفعما بالقوة والحيوية.. وسيناريو ذكى فى منهجه الدرامى بدا كأنه فيلم حركة
-تصوير خاطف للبصر وحوار قوى ركز على نقاشات سياسية مثيرة بين رجال فى غرف مغلقة وكأنها قتال من نوع آخر تحت بند اللعب السياسى
كثيرا ما تصنع شخصيات نجوما وتكتب تاريخا جديدا لهم، لكن الممثل جارى أولدمان هو من أعاد بريق رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل للحياة مرة أخرى بل وجعله ايقونة وحلما متجددا، وذلك بفضل تجسيده الرائع والمدهش لشخصية القائد الاستثنائى فى الفيلم الملهم Darkest Hour (الساعة الأكثر ظلمة)، وبالتحديد فى الأيام الأولى من توليه منصبه خلال الحرب العالمية الثانية، وكيف واجه الأوقات العصيبة واستبدل من لحظة الظلام الكبرى التى عاشتها البلاد إلى بقعة ضوء تسللت حتى فى الدم، ليتوج جارى اولدمان عن استحقاق بجائزتى أوسكار وجولدن جلوب عن جدارة.

برغم الممثلين العظماء الذين سبق وأدوا الشخصية نفسها، مثل ألبرت فينى وريتشارد بيرتون وروبرت هاردى، فإن اولدمان كان له بريقه الخاص وقدمها باقتدار، وان لم يكن فى حياته سوى هذا الدور لكفاه بكل معنى الكلمة.

نعم هو دور مخيف يجعل أى ممثل يتردد أمامه، وهو ما حدث بالفعل مع جارى، لكنه تساءل بينه وبين نفسه قبل الوقوف أمام الكاميرا: وما هو أسوأ شىء ممكن أن يحدث؟ قد أكون سيئا للغاية فى أداء الشخصية. هذا أسوأ ما سيحدث، ولهذا جازفت».

رسائل الفيلم ودروسه التاريخية متعددة، برأيى فى مقدمتها، انه يريد استلهام دور بريطانيا العظمى، وشخصيتها التى فقدت مكانتها بفضل هيمنة امريكا فى عصرنا الحالى، وايضا لم يعد لها الدور المؤثر أوروبيا، وهو يتوجه إلى الاجيال الجديدة وقد وصلت الرسالة، فكم الخطابات المحفزة لتشرشل فى الفيلم لها بدون شك إسقاطاتها ورمزيتها، حتى وإن كانت الاحداث ترصد زمنا ولَّى.. ويكفى خطابه الاخير فى العمل بمشهد النهاية حينما انتصر سياسيا على كل معارضيه مناديا بالحرب ضد النازى حتى آخر جندى متمتما «النصر النصر».
احداث الفيلم تعود بنا خلال الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية، ومع سقوط فرنسا الوشيك، حيث تواجه بريطانيا أظلم ساعة فى وقت يلوح فيه خطر الغزو. مع تقدم القوات النازية التى لا يمكن وقفها على ما يبدو، ومع تحرك جيش الحلفاء على شواطئ دانكيرك، فإن مصير أوروبا الغربية يعلق على قيادة رئيس الوزراء البريطانى الجديد.. تلك هى الحكاية الأساسية.
فنحن هنا فى يونيو1940، حيث مأساة ٣٣٠ ألفا من الجنود البريطانيين كانوا عالقين على شاطئ دانكيرك فى شمال فرنسا، وقد وصل نحو ثلاثة ملايين جندى ألمانى إلى حدود بلجيكا، بعد أن وصل نحو ثلاثة ملايين جندى ألمانى إلى الحدود مع بلجيكا لتسقطها.

وهنا يفقد البرلمان فى بريطانيا الثقة فى نيفيل تشامبرلين، رئيس الوزراء المحافظ، والذى جسد شخصيته فى الفيلم الممثل رونالد بيكاب. وبعد أن منح كبار أعضاء حزب المحافظين منصب تشامبرلين إلى تشرشل «جارى أولدمان» لأنه المرشح الوحيد الذى يمكن أن تقبل به المعارضة، ونرى تشرشل أحد المسئولين عن عملية الإنقاذ تلك، وهو يمضى فى طريقه بمثابرةٍ وإصرار ليقود بريطانيا لإحراز نصرمعنوى اكثر منه عسكريا على ألمانيا، لينقذ بفضل إصراره على القتال وعدم الاستسلام للمفاوضات مع هتلر هؤلاء الآلاف من الجنود البريطانيين، وعبر إنقاذ أسطول صغير من السفن والمراكب المدنية.
لكن ظلت لدى بعض الأعضاء فى الوقت نفسه شكوكهم ونقاشاتهم الصاخبة للبرلمان الخافت وخاصة لورد هالى فاليفاكس «ستيفن د يلان»، حيال رئيس الوزراء الجديد، ذاك السياسى البدين غريب الأطوار الذى يشرب ويدخن كثيرا والذى أدت قراراته إلى تكبد خسائر كارثية فى حملة جاليبولى خلال الحرب العالمية الأولى.. لكن الملك جورج «بن مندلسون» يتبدل موقفه ويقف معه، ويكسب الشعب ثقة الشعب ايضا.
الطابع المتوتر الذى أضفاه المخرج جون رايت على فيلم «الساعة الأكثر ظلمة» كان مذهلا، بل ومفعما بالقوة والحيوية حيث يخلو من الجمود الدرامى بقدرٍ قد يجعلك تنسى فى بعض الأحيان، كيف تمت عملية إنقاذ العالقين على شاطئ بنجاح، بل وربما يُنسيك هذا باقى ما حققه تشرشل من انتصارات يبدو وضع تشرشل متزعزعا بشدة، إلى حدٍ يوحى بأنه ربما لن يبقى فى منصبه حتى نهاية العام الذى تدور فيه الأحداث، فبرغم صعوبة معاركه مع هتلر وموسولينى، فقد كانت المعركة التى خاضها مع رجال حزب المحافظين الذى ينتمى هو نفسه إليه، اكثر صعوبة وعصبية وتعقيدا.

فى أكثر اللحظات صعوبة يصعد البعد الإنسانى حيث يحظى تشرشل لحسن حظه بأجواء داعمة فهناك سكرتيرته إليزابيث ليتون «ليلى جيمس»، وهى فتاةٌ ذات شخصية ملائكية تنتمى إلى الطبقة العاملة، اخوها قتل فى الحرب، ونراها تخبر رئيسها بكيف يمكن أن تُفسر إشارته الشهيرة بعلامة النصر، إذا ما أشار بإصبعيّه إلى أعلى. كما أن زوجته كليمى «كريستين سكوت توماس» التى تتسم بالعقلانية ومخلصة له بشكلٍ كبير تشجعه وترفع روحه المعنوية، بينما نرى تشرشل وطبيعة شخصيته وطريقة تفكيره، تقلق من حوله، بمن فيهم الملك جورج السادس نفسه «بن مندلسون» الذى يبدو غاضبا معظم الوقت رغم صمته، قبل ان يؤمن بتشرشل.

لم يركز الفيلم على تصوير الاحداث الدرامية القاسية لما حدث فى دانكيرك، ولا عملية الانسحاب حيث لم يقدم سوى بضع لقطات عن اجواء الحصار فى فرنسا، بينما ركز على نقاشات سياسية مثيرة لا تنتهى بين رجال فى غرف مغلقة وكأنها قتال من نوع آخر تحت بند اللعب السياسى، حيث قدم المخرج جو رايت أسلوب تصوير رائع خاطف للبصر بكاميرا «برونو ديلبونيل»، وكأن الكاميرا لا تهدأ فى سماء المشهد قبل ان تعود إلى ارضه معبرة عن اللحظة وممهدة لما هو تالٍ، ونقلات رشيقة وسريعة بعملية مونتاج اكثر حرفية لـ«فاليرو بونيللى»، وايضا جمل حوارية قوية وملهمة مثيرة للإعجاب والتى كانت مقنعة كطلقات الرصاص للمؤلف «أنتونى ماكارتين» على غرار ما جاء فى خطاب تشرشل الأول بالبرلمان «هل تسألوننى ما هى سياستنا؟ أستطيع أن أقول: إنها خوض الحرب فى البحر، فى البر، فى الجو، بكل قدرتنا وبكل قوة سيبعث بها الله لنا.. سنخوض حربًا ضد طاغية متوحش، لم يسبق له مثيل فى ظلاميته، قام بأبشع جرائم الإنسانية.

هذه هى سياستنا، أنتم تسألوننى ما هو هدفنا؟ أستطيع أن أجيب بكلمة واحدة: إنه النصر، النصر بأى ثمن، النصر فى مواجهة الخوف، على الرغم من أن الطريق قد يكون وعرا طويلا، ولكن بدون النصر، لا وجود لنا»، وقد صاحب ذلك الموسيقى التصويرية الجميلة والمؤثرة التى قدمها داريو ماريانيلى، وطوال الوقت نحن أمام اداء رائع لجارى اولد مان المفعم بعاصفة من الحيوية، حيث نرى عينيه وهى تكتسى الغموض تارة، او تنفجر غضبا او ضحكا وبهجة، وصولا إلى دخوله فى نوبة اكتئاب يجلس وحيدا فى غرفته المظلمة، وذلك مع لجوئه لتغيير ملامح وجهه وجسده ليكون صورة من تشرشل، والفضل هنا للمستوى العال للماكياج».

كان ذكاء السيناريو فى منهجه الدرامى والذى بدا أيضا كأنه فيلم حركة، انه لم يجعلنا كمشاهدين نقع فى غرام شخصية وسياسات تبناها تشرشل، بالاصرار على القتال حتى لو ضحى بأربعة آلاف جندى فى مقابل إنقاذ ٣٠٠ ألف عالق، فى مواجهة خصوم جبناء يميلون للسلام، بل انه جعلنا فى حالة توازن بين طرفى الصراع.. رجل يؤمن بمبادئ ورجال ضعفاء سياسيا فى انتظار لحظة الوقيعة به وعدم تأييده، ولم ننس ابدا اللقطة الفارقة التى يخرج فيها تشرشل من سيارته ويدخل إلى مترو أنفاق لندن، ويعقد استفتاءً صغيرا بين المسافرين حول ما إذا كان عليهم المطالبة بالسلام أو الذهاب إلى المعركة.. ولم يترك عربة المترو الا بعد أن حصل على الاجابة من الشعب: «القتال من اجل الحرية».

جو رايت، المخرج الموهوب يقدم لنا نسخة لا تقاوم من تشرشل من خلال القوى السحرية لنجومه وفى مقدمتهم أولدمان، بصوته الخاص ونبرة خطابه الصارخ، وسيجاره الذى يومض المكان، ليبدو كرجل يعانى فى مواجهة أزمة وإلهام أمة لكى ترتفع معه، وكذلك تأثير الاسلوب السردى الواعى الذى يدعوك لتفهم ما يحدث، هو حب الوطن للقضية المشتركة ضد غزو هتلر، كان رأى تشرشل أن الاستسلام لطاغية يعنى الهزيمة دون سبب للعيش، واعتقد ان جمهور لندن بعد المشاهدة يفكر فى تشرشل آخر الآن.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك