«رجل الأقدار» الذي أنقذ نجيب محفوظ من الاغتيال.. فتحي هاشم: فوجئت بالجاني يغرس مطواة صدئة في رقبته - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 1:19 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«رجل الأقدار» الذي أنقذ نجيب محفوظ من الاغتيال.. فتحي هاشم: فوجئت بالجاني يغرس مطواة صدئة في رقبته

فتحي هاشم
فتحي هاشم
كتب - إسماعيل الأشول:
نشر في: الجمعة 14 ديسمبر 2018 - 11:38 م | آخر تحديث: السبت 15 ديسمبر 2018 - 4:03 م

ضغطت زر التنبيه في سيارتي حتى احترق وأنا أحمله إلى مستشفى الشرطة

أخطأت بنزع المطواة من عنق أديبنا الكبير.. لأن وجودها كان سيقلل النزيف
"كان بيموت في النكت.. وكان له حس ساخر لا يخفى على أحد"
أقول له في ذكرى ميلاده: وحشتني.. العالم بلا أصدقاء
تقدم مصر أكثر ما كان يسعده.. واحتياج الإنسان أكثر ما كان يحزنه
قال لاثنين في مشادة بإحدى ندواته: التفاهم هنا بالكلام.. ومن لديه وسيلة أخرى لا يحضر
اعتاد على إرسال اثنين من حراسه سنويا إلى الحج على نفقته
موهوب أحسن استخدام موهبته.. وفرض على نفسه نظاما صارما
سألته في أول لقاء عن رواياته فكان رده: أنصحك بمزيد من القراءة
كان يميل إلى الألوان الداكنة في الملبس.. والتزم تمامًا بتعليمات طبيب السكر
تعامل مع الشهرة بعد نوبل كما كان قبلها.. والصبر والحلم أبرز الصفات
اختلفت مع زكي سالم حول من يتولى توصيله فقال لنا: انتوا هتتخانقوا قدامي؟
"ولد ملعوب في دماغه وكان من الممكن أن يرفع رأس البلد".. هكذا وصف محفوظ من حاول اغتياله



حين غرس فني الكهرباء الشاب محمد ناجي، مطواة صدئة في عنق نجيب محفوظ، كانت عناية الله حاضرة في شخص د. فتحي هاشم، صديق أديب نوبل الراحل، الذي اعتاد أن يقله بشكل شبه يومي، إلى لقاءاته مع أصدقائه ومحبيه ومريديه في أكثر من جلسة على امتداد أيام الأسبوع.

يتذكر فتحي هاشم، وهو في الثانية والسبعين من عمره، في مقابلته مع "الشروق"، كيف واجه تلك اللحظات العصيبة من نهار الرابع عشر من أكتوبر عام 1994، حين كان يستعد ليقود سيارته وإلى جواره صاحب رواية "أولاد حارتنا"، فإذا به يسمع آهة مكتومة تنطلق، في ألم مفزع، من حنجرة محفوظ الذي بوغت بالعدوان.

 

 

"اعتاد الأستاذ نجيب الوقوف قليلًا أمام باب منزله قبل أن أحضر بالسيارة لأقله إلى تلك اللقاءات، وفي الغالب كان يفضل الانتظار إلى أن أطرق الباب. كنت أترجل من سيارتي وأسير معه عدة خطوات قبل أن أفتح له باب السيارة الأيمن ليجلس، ثم أعود لأجلس في كرسي القيادة".

ينتبه هاشم أكثر، وهو يروي الواقعة كما لو كانت وقائعها طازجة في ذاكرته حتى اليوم: "مددت يدي لأفتح الباب لنفسي بعدما أجلست الأستاذ نجيب، وفجأة، شعرت بأن السيارة تهتز، والأستاذ يتأوه متألمًا، فنظرت فإذا بالجاني يختبىء خلف قائم السيارة فلم أر سوى عينيه، صرخت في ذلك الشاب: بتعمل إيه يا مجنون.. مش عارف ده مين؟ ده الأستاذ نجيب.. فنظر لي الجاني نظرة سريعة وانطلق هاربًا".

ويصف الرجل الذي صحب محفوظ في انتقالاته ولقاءاته الثقافية، لنحو عشرين عامًا أو يزيد، ما رأى قائلًا: "وجدت مطواة صدئة لها يد من خشب فوق كتف الأستاذ نجيب، فسحبتها ورميتها على الأرض، وكانت هذه غلطة مني لأن وجودها في مكان الإصابة يقلل النزيف، لكن لم أكن أعرف أنها داخل رقبته، وكل ما فعله المجرم الجاني أنه غرس تلك المطواة في رقبة الأستاذ وفر هاربًا".

 

اقرأ أيضًا:

هدى نجيب محفوظ: والدي كان ديمقراطيا وأبعد ما يكون عن «سى السيد»

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107: العالمية شرقا.. الحرافيش ضد المركزية الأوروبية

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107.. العالم يقرأ نجيب محفوظ

شاهد.. نجيب محفوظ مع نجوم الفن: سيدة الشاشة وزعيم الكوميديا وسعيد ونادية

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107.. وائل فاروق يكتب: فرص الأدب العربي الضائعة بعد نوبل


كان من لطف المقادير بأديب نوبل، وهو يستقبل عامه السادس بعد حصوله على الجائزة في تلك الأيام، أن الجريمة وقعت بالقرب من مستشفى الشرطة بالعجوزة، وهو ما جعل هاشم يقود سيارته بيده اليسري إلى المستشفى، ويده اليمنى فوق رقبة الأستاذ نجيب محفوظ توقف النزيف.

دخل صديق محفوظ بوابة المستشفى بالسيارة، واضعًا يده باستمرار فوق زر آلة التنبيه حتى احترق جهاز التنبيه بالسيارة، و أتاه طبيب يرتدي البالطو الأبيض فوق بنطلون يدل على كونه ضابط طبيب، ليسأله: إيه الدوشة اللي انت عاملها دي؟ فيرد هاشم: وأعمل دوشة كمان وكمان.. اللي معايا الأستاذ نجيب محفوظ وتعرض للطعن ولازم ننقذه." وهو ما جرى بعدها .

"ولد ملعوب في دماغه، وكان من الممكن أن يرفع رأس البلد، بدل الانضمام للجماعة اللي مخها مقلوب".. هكذا وصف أديب نوبل من حاول اغتياله، كما قال لصديقه فتحي هاشم، في أول كلمات علق بها على الاعتداء الآثم.
"صديق دي كلمة كبيرة عليا قالها لي الأستاذ نجيب، وقد كان يعاملنا معاملة واحدة في ندوته بكازينو قصر النيل"، بهذه الكلمات حكى هاشم كيفية تطور العلاقة بينهما بعد محاولة الاغتيال حيث "تغيرت الأمور بشكل قدري ، وليس بإرادته ولا بإرادتي".

سألته :ما الذي تغير في الروتين اليومي لنجيب محفوظ بعد الحادث؟
يجيب هاشم: "كنت أقله في السيارة إلى كازينو قصر النيل كل يوم جمعة، لكن بعد محاولة الاغتيال، اختار له الدكتور يحيى الرخاوي كطبيب نفسي، أماكن متغيرة بامتداد أيام الأسبوع حتى لا يشعر بالملل ، ولذلك اتسعت قاعدة الاصدقاء والمريدين".

انتظم أصدقاء محفوظ في ترتيب انتقالاته بسياراتهم منذ عام 1984، - كما يروي هاشم - وذات يوم مطير، اتصل به هاشم قبل ميعاد خروجه إلى اللقاء، ليطلب منه الانتظار حتى يأتي ويذهبا معًا بالسيارة "وقد كان محفوظ عفّ النفس بشكل غريب".

في نهاية لقاء ذلك اليوم، اقترح هاشم على أديب نوبل: "بعد كدة هاخدك من البيت وأروحك"، فتدخل الكاتب زكي سالم وكان حاضرًا بالقول: "لا أنا هرجعه"، ووقف الاثنان، هاشم وسالم، في وقت واحد، والأستاذ نجيب محفوظ في طريق العودة إلى منزله يسألهما: "هركب مع مين فيكم؟"، فيرد هاشم: معايا.. ويقول سالم: لأ معايا.. فيعلق محفوظ، والرواية لهاشم: "انتوا هتتخانقوا قدامي.. فتحي يوصلني وزكي يبقى يرجعني".

ومضت الأمور على هذا النحو إلى أن تعب محفوظ في مرضه الأخير ووافته المنية عام 2006.

كان محفوظ متواضعًا، يصر على الركوب جوار مقعد السائق، "ولم يجلس في المقعد الخلفي إلا بعد أن ضغطنا عليه، حيث كان يجلس في المقعد الخلفي، ويجلس الحارس الشخصي محمد عبد التواب في المقعد الأمامي، ثم بعد فترة، رفض محفوظ الجلوس في الخلف، وقال هقعد قدام ومحمد يقعد ورا".

كانت للأستاذ نجيب محفوظ ست جلسات أسبوعية، يتناوب في توصيله إليها فتحي هاشم، وزكي سالم، ونعيم صبري، ورابع يدعى حافظ عزيز من طرف الدكتور يحيى الرخاوي.

"الصبر وطولة البال والحلم اللي يخليك انت تخرج عن شعورك وتهاجم الشخص اللي بيضايقه" هكذا يصف هاشم أبرز صفات نجيب محفوظ، من واقع علاقتهم التي امتدت لأكثر من عقدين.

ويضيف: "فيه ناس كانت بتضايقه بالأسئلة وبالكلام فكان يرد باقتضاب.. وبعض الصحفيين كانوا يسألونه أسئلة مكررة فكان يقول لهم: أنا أجبت هذه الأسئلة، شوفها في الأرشيف، وأحيانا كان يرد عليهم باقتضاب أيضًا".


وأطلع هاشم، محرر "الشروق" على مذكرات كتبها بخط اليد، حول علاقته بالأستاذ نجيب محفوظ، طيلة الأيام التي جمعتهما معًا.

وحول تعامل الأديب العربي الوحيد عبر التاريخ الحاصل على نوبل في الأدب، مع الشهرة الواسعة بعد الجائزة، يجيب هاشم: "تعامل مع الشهرة بعد نوبل، كما كان يتعامل قبلها".

وحول ما يثار باستمرار حول منتفعين أحاطوا بأديب نوبل خلال مسيرته، يقول هاشم: "كان الأستاذ نجيب يشعر بأي شخص يقترب منه عن طمع، وكان يلفظ هذا الشخص بشكل سريع ولا يستمر معنا.. لكن هذا لا يمنع أنه خدم أناسا كثيرين جدا حتى عن طريق الصدفة، وإحدى الصحفيات بجريدة الجمهورية تم تعيينها لمجرد أن الأستاذ نجيب كان يزور الجريدة وسأل الصحفية، وكانت تدعى حميدة، في ذلك اللقاء أمام سمير رجب، وكان رئيس تحرير وقتها، عما إذا كانت تعينت أم لا، فقرر رجب تعيينها".

وعما أشيع عن شراء محفوظ شقة لأمين شرطة كان يحرسه، ومساعدته في الزواج، قال هاشم: "تعامل أمناء الشرطة كلهم كان مع حرم الأستاذ نجيب أكثر، هي التي كانت تعرف من يريد الزواج، وتساعد.. والأستاذ نجيب كان يرسل اثنين من حراسه إلى الحج سنويا على نفقته، وساهمت السيدة حرمه في تكاليف زواج أحدهم، وكان سخية اليد معهم بشكل كبير".

ويرسم هاشم صورة مقربة لأجواء ندوات ولقاءات الأستاذ نجيب محفوظ، فيقول: "ذات مرة اشتبك أديب وناقد يساري مع مهندس مدني، في مشادة لفظية، وكانا يجلسان على طرف المائدة التي تجمعنا، والأستاذ نجيب وأنا جوار الحائط، ولم يتمالك أحدهما نفسه وألقى بكوب ماء نحو الآخر، وكادا يشتبكان بالأيدي، فانتبه الأستاذ نجيب إلى وجود حركة غير عادية، وسألني: في إيه بالظبط؟ فقلت له: حاجة بسيطة.. تراشق وانتهى، فطرق الأستاذ نجيب محفوظ على المائدة بصوت مسموع، وقال بصوته الجهوري: احنا قاعدين هنا بنتكلم، ونتناقش، وإما نصل أو لا نصل إلى اتفاق.. وسيلة التفاهم والتخاطب هنا هي الكلام، ومن لديه وسيلة أخرى للتفاهم فمن فضله ألا يأتي هنا مرة أخرى، ثم طرق على المائدة بضعة طرقات، فوقف الاثنان في نفس اللحظة وتبادلا الاعتذار، وانتهى الموضوع".

لكن هذه الجدية، لم تحل دون استمتاع الأستاذ نجيب بالنكات، والاستماع إليها مبتسمًا في لقاءاته، بل وحتى التي يصنفها البعض بأنها "نكات خارجة"، كما يقول هاشم.

"الأستاذ نجيب كان بيموت في النكت وحتى الخارجة منها.. ساعات النكتة تبقى حراقة فلازم تضحك عليها، وقد كان يتمتع الأستاذ بحس ساخر لا يخفى على أحد"..

ويضيف: "أكثر ما كان يسعده أن يسمع بأن مصر تتقدم أو أن هناك أشياء ملموسة يتم إنجازها تمس الناس مباشرة.. أما أكثر ما كان يحزنه ويثير إزعاجه فهو احتياج الإنسان.. أن يكون هناك شخص لايجد ما ينفقه على تعليم أولاده أو تربيتهم، فينحرفوا".

ومما يتذكره هاشم عن طقوس الأستاذ نجيب في المأكل والملبس، أن الأستاذ كان يميل في الملبس إلى الألوان الداكنة مثل الأسود والكحلي والبني والأخضر الغامق، وكان يرتدي حلته الصيفية طيلة العام، غير أنه كان يختارها في الشتاء من الصوف، أما في الصيف فكانت من قماش خفيف. وفي الطعام، كان أكله بسيط جدًا، ومنذ تحذير طبيبه الدكتور علي البدري من مخاطر السكر عندما أصيب به في أواخر العقد الرابع من عمره، كان يلتزم التزامًا صارمًا بكلام الطبيب، وحين كانت تأتيه القهوة بها بعض السكر الخفيف، كان يقول: لا دي محلونة.. غيرها لو سمحت. وكان يحرص الأستاذ نجيب محفوظ على شراء ملابسه الكلاسيكية من أحد محلات شارع عدلي بوسط القاهرة بشكل دائم".

تعود علاقة الطبيب البيطري فتحي هاشم بأديب نوبل، إلى وقت مبكر حين كان هاشم دون العشرين عامًا كما حكى لـ"الشروق"، حيث قرأ مؤلفات محفوظ، وسط أسرة تعتاد القراءة، فهو المولود لأب يعمل مدرسًا للغة العربية، وجده لوالده كان أستاذًا بالأزهر الشريف، وجده لوالدته كان أستاذًا بكلية الحقوق قسم الشريعة الإسلامية.

يقول هاشم إن صدق تعبير محفوظ عن الطبقة الوسطى في مصر، دفعه دفعًا، وهو ما يزال طالبًا بالجامعة، إلى السعي من أجل لقاءه، وهو ما كان لأول مرة في حديقة المنتزه ذات يوم من إجازة منتصف العام بالإسكندرية، حيث التقى محفوظ مع أسرته.

"سألته في رواياته، فكان رده: أنصحك بمزيد من القراءة.. دع الأسئلة لوقت لاحق"، هذا ما حدث في أول لقاء.

اللقاء الثاني كان مصادفة في وسط القاهرة، بشارع قصر النيل، وهناك أخبر محفوظ الرجل الذي سيمنحه القدر دورًا مهمًا في إنقاذ حياته، أنه يذهب كل جمعة إلى كازينو قصر النيل، في لقاء يمتد من الساعة الخامسة وحتى الثامنة والنصف من مساء اليوم، ومنذ ذلك الحين، توطدت العلاقة، ولم يفترق الاثنان إلا برحيل أديب نوبل.

ماذا كتب هاشم في مذكراته التي خطها قبل سبع سنوات كما يقول عن محفوظ، يجيب "الشروق": "قلت فيها إن الأستاذ نجيب رحمه الله، شخص موهوب أحسن استخدام موهبته وفرض على نفسه نظاما صارما في الحياة، وقد كان على قدر كبير من الحياء في معاملاته مع الناس".

تلقى هاشم نبأ وفاة محفوظ، في الثلاثين من أغسطس عام 2006، بذهول "رغم إني كنت أعلم كطبيب أن حالته ميئوس منها لكن كان عندي أمل.. ذهبت إلى الجنازة وصلينا عليه في جامع الحسين، وانتهت الجنازة في مدافن الأسرة بمدينة 6 أكتوبر".

ماذا يقول هاشم لنجيب محفوظ في ذكري يوم مولده؟ تلمع عينا الرجل بالدموع، ويقول بصوت مختنق: "أقوله له: وحشتني.. وحشتني جدا.. وهتفضل توحشني لغاية ما أحصلك.. العالم بدون أصدقاء.. وأصدقائي أكثر من أثروا في حياتي.. أكثر من أبويا الله يرحمه.. أبويا مات مريضا.. وقد أخذت على بعد الأعزاء والمحبين بالتدريج.. لكنهم كانوا جزءا مني.. أو أنا كنت جزءا منهم.. وأحبهم حبا لا أول له ولا آخر".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك