الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107: العالمية شرقا.. الحرافيش ضد المركزية الأوروبية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 5:01 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107: العالمية شرقا.. الحرافيش ضد المركزية الأوروبية


نشر في: الخميس 13 ديسمبر 2018 - 7:00 ص | آخر تحديث: الخميس 13 ديسمبر 2018 - 7:10 ص

حين حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب فى الثالث عشر من أكتوبر عام 1988، كان يبلغ من العمر 77 عامًا ــ مواليد 11 ديسمبر 1911 ــ وهو عمر متقدم بالنسبة لمتوسط عمر المصريين، حتى إننى كثيرا ما جال بخاطرى أنه لو توفى فى السبعين من عمره مثلا أو فى الخامسة والسبعين لما كان قد حصل عليها!

لقد كان العقاد أول من رشح محفوظ للحصول على جائزة نوبل، وأقر استحقاقه لها، عندما فاز الروائى الأمريكى جون شتاينبك بجائزة نوبل فى الآداب عام ‏1962‏ عن مجمل أعماله، ومن أشهرها‏: (‏فى مغيب القمر‏)‏ و‏(‏شتاء السخط‏). فحينها سئل الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد عن الجائزة العالمية، ومن الأدباء العرب يستحقها. وكان رد العقاد أن لدينا فى مصر من يضارعون شتاينبك مثل نجيب محفوظ الذى يستحق الجائزة أكثر منه! وقد تحققت نبوءته بعد ما يزيد على ربع قرن.

عُدَّ فوز نجيب محفوظ بالجائزة تكريما عظيما ليس له فحسب بل للأدب العربى كله – وهذا صحيح – ولكن ذلك ليس الحقيقة كاملة، فالجائزة قد تأخرت كثيرا لكل من الأدب العربى ولنجيب محفوظ نفسه.

فالأدب العربى قبل نجيب محفوظ – من وجهة نظرى – فيه على الأقل اسمان يستحقان جائزة نوبل بجدارة، هما: توفيق الحكيم وطه حسين. وهذا هو رأى نجيب محفوظ أيضا، وإن ضم إليهما اسم عباس محمود العقاد.
أما نجيب محفوظ نفسه فهو يستحق الجائزة منذ ثلاثين عاما قبل حصوله عليها، أى منذ نشر الجزء الثالث من ثلاثيته الشهيرة التى تضم روايات: «بين القصرين»، «قصر الشوق»، و«السكرية». بل ويستحقها لو لم يكتب الثلاثية عن مرحلته الإبداعية التالية التى انتهت بملحمة «الحرافيش»، بل ولا أخالف الصواب إذا قلت إنه يستحقها عن مرحلته التالية لها التى انتهت قبيل حصوله على الجائزة مباشرة بنشر رواية الأجيال الشهيرة: «حديث الصباح والمساء»؛ إذ فاز محفوظ بجائزة نوبل وروايته الأخيرة «قشتمر» ما زالت تنشر حلقاتها بجريدة الأهرام. فى كل مرحلة أدبية من تلك المراحل كان محفوظ يستحق الجائزة دون النظر إلى باقى روايات وقصص المراحل الأخرى.

إن مشوار نجيب محفوظ الأدبى قد تجاوز الخمسين عاما منذ نشر مجموعته القصصية الأولى «همس الجنون» فى عام 1938 حتى عام حصوله على نوبل، وتجاوزت خلالها أعماله الروائية والقصصية الخمسة والأربعين عملا، وهو تراث لا يضاهيه تراث أى حاصل على جائزة نوبل فى الآداب فى تاريخها.

واليوم، بعد ثلاثين عاما من حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، تستدعى تلك الذكرى سؤالا حول مدى استفادة الأدب العربى منها، ولماذا لم يحصل عليها أديب عربى آخر حتى الآن؟

إن معنى استفادة الأدب العربى من حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، هو هل وصل أدبنا العربى للعالمية؟
ولكن ما العالم الذى نقصده ونريد الوصول إليه؟ علينا أن نصارح أنفسنا أن العالم فى مخيلتنا هو الغرب فقط، والوصول إلى العالمية يعنى اعتراف الغرب بنا، وأقصى اعتراف يمنحه الغرب فى مجال الأدب هو جائزة نوبل للآداب.

ولكن هل ما زالت جائزة نوبل للآداب تحتفظ برصيد من الكفاءة والأخلاقيات يمنحها تلك القدرة على تكريس الكتاب وإعلان جدارتهم؟

إن الرد الوحيد على هذا السؤال هو التذكير بأن جائزة نوبل فى الآداب محجوبة لهذا العام (2018) نتيجة فضيحة جنسية واتهامات بالتحرش طالت زوج إحدى عضوات الأكاديمية السويدية سابقا، وهى المنظمة المانحة للجائزة! وهو ما دفع أعضاء الأكاديمية أنفسهم لإعلان أن المؤسسة ليست مؤهلة فى وضعها الحالى لمنح الجائزة. ولن نناقش الجدل حول جدارة من منحتهم اللجنة جائزتها فى السنوات الأخيرة بالحصول عليها.

سيلاحظ القارئ أنى لم أتساءل حول مدى أهلية الأدب العربى للعالمية أو للحصول على جوائز تلك العالمية المفترضة، فتلك الأهلية والجدارة ليست محل شك عندى، فيقينى أن العرب لم يعد لهم ما يمكن المساهمة به فى ركب الحضارة الإنسانية إلا الأدب فقط، بعد أن بزغت أجيال جديدة تحمل رؤى مختلفة للعالم وأساليب مغايرة تبلغ حد المغامرة مبشرة بالمزيد.

ولكن سؤالى المركزى هل تعنى العالمية الغرب فقط وهو على أقصى تقدير لا يتجاوز عدد أفراده 700 مليون نسمة؟ أما باقى العالم الذى تجاوز المليارات السبعة فلا يعنينا ولا نهتم به؟ وهل العالمية تعنى المقروئية أم الحصول على الجوائز فقط؟ علمًا بأنها فى حالة جائزة نوبل تأتى تكريسا لمن هو مكرس بالفعل إلا قليلا.

لقد كان الغرب حتى وقت قريب هو ساعى البريد ما بين الشرق والشرق، فنحن نترجم الآداب الشرقية عبر لغة أوروبية وسيطة غالبا ما تكون الإنجليزية أو الفرنسية، وكذا من يترجم أدبنا العربى من أهل الشرق، فهو يفعل ذلك عبر لغة أوروبية وسيطة. هذا ما كان يمنح الغرب صفة العالمية، فإذا ما ترجم عملك الإبداعى إلى الإنجليزية مثلا فهذا يعنى فى الغالب أن معظم الترجمات للغات أخرى ستكون عبر الإنجليزية لا لغة النص الأصلية. لكن هذا الوضع غير الطبيعى آخذٌ فى الأفول والتلاشى، وسأضرب مثالا حول ذلك بالصين. لم تكن اللغة الصينية من اللغات التى نقبل على تعلمها فى عالمنا العربى، على الرغم من الصلات الوثيقة الممتدة تاريخيا بين الأمتين، ولكن الآن وفى مصر فحسب هناك 10 جامعات مصرية بها أقسام للغة الصينية يتخرج منها 2000 طالب سنويا. وإذا اتجه 10 % فقط من هؤلاء الخريجين للعمل فى مجال الترجمة الأدبية فهذا يعنى 200 مترجم يتخرجون كل عام. وإذا توفر إسهام المترجم يأتى إسهام الناشرين، الذين عليهم كما يترجمون من اللغة الصينية إلى العربية أن يترجموا من العربية إلى الصينية. والمثال الأبرز على ذلك الحس التبادلى الذى لا يكتفى بالترجمة من الصينية إلى العربية، بل يقوم بالترجمة من العربية إلى الصينية وهناك جهود تبذل فى هذا الاتجاه.

ما أريد أن أقوله: إن مسألة عالمية الأدب العربى ليست مهمة منوطة بالأدباء أنفسهم بقدر ما هى مهمة المترجمين والناشرين والمراكز الثقافية التى من مهمتها توفير ذلك الأدب للقارئ غير العربى بلغته بأكبر قدر ممكن من الدقة والحرفية، حينها سيصل الأدب العربى للعالمية التى تعنى المقروئية لا الجوائز فقط. فأقسام اللغة العربية فى العالم تهتم بالأدب العربى فى نطاق ضيق يخص الحياة الأكاديمية باهتماماتها المحددة لغويا واجتماعيا وسياسيا، أما الاهتمام الإنسانى الذى يدفع قارئا يبحث عن متعة القراءة الأدبية فهو موضوع يجب أن نهتم نحن به ولا نتركه رهينة لاهتمامات أكاديمية لا تسعى لنشر أدبنا بقدر ما تسعى لوضعنا تحت مجهر البحث من خلاله.

محمد ماهر بسيوني
ناقد وأكاديمى مصرى ــ مقيم فى الصين



أقرأ أيضًا:

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107: نجيب محفوظ.. العائش فى الحقيقة



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك