الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107.. وائل فاروق يكتب: فرص الأدب العربي الضائعة بعد نوبل - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:49 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشروق تحيي ذكرى ميلاد أديب نوبل الـ107.. وائل فاروق يكتب: فرص الأدب العربي الضائعة بعد نوبل


نشر في: الخميس 13 ديسمبر 2018 - 10:50 ص | آخر تحديث: الخميس 13 ديسمبر 2018 - 10:50 ص

" أشكرك يا وجه السعد، لقد غيرت حياتي".

هذا ما قالته المستعربة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتو لنجيب محفوظ وهي تقدم له ترجمتها الإيطالية لروايته "ميرامار" في بداية التسعينيات، كانت إيزابيلا – وهي تلميذة المستشرق جابرييلي الذي درَّس لطه حسين في الجامعة المصرية في بداية القرن الماضي – واحدة من عشرات الباحثين الذين ينظر إليهم بدونية في الأكاديمية الغربية لأنهم اختاروا دراسة الأدب العربي المعاصر، بينما المستشرق الحقيقي هو من يتخصص في التراث العربي والإسلامي القديم، كانت كتبهم تعامل على أنها كتب شعبية، سطحية التناول، تصلح فقط للقاريء العام وليس للقاريء المتخصص، لقد غير نجيب محفوظ حياة المستشرقة الكبيرة ومئات غيرها عندما فاز بنوبل حيث أصبح للأدب العربي المعاصر أخيرا فضاء مستقل يحظى بالاحترام في الجامعة.

أدخل فوز محفوظ بنوبل تخصص الأدب العربي في الجامعة ولكنه أخرجه أيضا من دائرة المتخصصين، حيث التفت الناشرون إليه وبدأوا في طرحه للجمهور العام، هذا ما يؤكده أرشيف المؤسسات المعنية بالترجمة والنشر في بعض البلدان الأوروبية، حيث مثَّل العام 88 ، عام نوبل محفوظ، بداية منحنى يصعد باضطراد في ترجمة ونشر الأدب العربي ولا سيما القصة والرواية.

قبل عام 88 لم يكن مترجما لنجيب محفوظ  نفسه إلا رواية "الكرنك"، لم يكن مترجما من الأدب العربي كله إلا عدد قليل جدا من الأسماء وأغلب الترجمات كانت عن لغة وسيطة، وهنا قائمة بكل المؤلفين الذين ترجم لهم عمل أو أكثر حتى عام 88: توفيق الحكيم، جبران خليل جبران، غسان كنفاني، طه حسين، إميل حبيبي، محمد تيمور، نوال السعداوي، محمد نجيب، محمد حسين هيكل، بدر شاكر السياب، ذو النون أيوب، أمين الريحاني، عبد الله البصيري، إدريس الشريبي، مي زيادة، فدوى طوقان، توفيق فايد، سعد الله ونوس، زكريا تامر، نزار قباني، رشيد حمزاوي. هذا بجانب من نشرت له قصة قصيرة في أنطولوجيا من الأنطولوجيات الخمس للقصة القصيرة التي نشرت قبل فوز محفوظ بنوبل. المحصلة النهائية لترجمة الأدب العربي إلى الإيطالية إذن كانت أقل من خمسين كتابا فيما يقرب من قرن من الزمان، وحتى لا يكون الحديث عن الفضاء الذي فتحه نجيب محفوظ للأدب العربي كلاما مرسل قمت بعمل مقارنة بين عدد الكتب المترجمة قبل فوز محفوظ بنوبل وبعده حسب البلدان العربية:

مجموع الكتب 527 كتابا، يمثلون 88% مما تم ترجمته من الأدب العربي، أي أن ما ترجم في الثلاثين عاما الأخيرة يعادل ثمانية أضعاف ما تم ترجمته قبل فوز محفوظ بنوبل. وهو في جميع الأحوال رقم ضئيل جدا مقارنة بما يترجم إلى الإيطالية من اللغات الأخرى.

لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للغات الأخرى، فقد ترجم إلى الإنجليزية، حسب إحصاءات اليونسكو، 168 كتابا بينهم 12 كتابا لمحفوظ حتى عام 88، بينما تمت ترجمة 541 كتابا بينهم 62 لمحفوظ منذ عام 88. أما اللغة الفرنسية فقد ترجم إليها 160 كتابا بينهم اثنان لمحفوظ قبل فوزه بنوبل،  و867 بينهم 59 له بعد فوزه بها.

تشير هذه الأرقام أن المساحة التي يشغلها نجيب محفوظ والأدب العربي في العالم تتسع باضطراد ولكن هذا لا يعني أن نجيب محفوظ والأدب العربي قد صارا عالميين، فاعالمية لها شروط أخرى تفصلها نادين جورديمر- الجنوب أفريقية الحائزة على نوبل 91 - في معرض دفاعها عن التهميش الذي يتعرض له محفوظ وشينوا أتشيبي وعاموس أوز، تقول : " على الرغم من مواهبهم الاستثنائية، فالثلاثة من الرموز البارزة للأدب المعاصر في اللحظة الراهنة، وعلى الرغم من حصول محفوظ على نوبل، وعلى الرغم من أن أعمال أتشيبي تدرس في كل جامعات العالم، وعلى الرغم من أن أعمال عوز تقرأ بست وعشرين لغة مختلفة، فإن هؤلاء الكتاب الثلاثة لا يتم تناول أعمالهم أبدا من قبل الباحثين في الأدب خارج قاعات الدرس وأطروحات التخرج، ونادرا ما يتم ذكرهم بين أهم الأدباء في العالم اليوم، فهم لم يبثوا في الروح في الظاهرة التي يبدو أنها العلامة التي لا تقبل النقاش في الغرب على الشهرة والقيمة الأدبية، وهي أن يكونوا موضع تقليد الكتاب الأصغر، هكذا ظل حضورهم في أوروبا محصورا في كونهم ممثلين لذلك العالم الذي يقع خارجها". العالمية إذن ليست أن نشغل المساحة المخصصة لنا في العالم بوصفنا "الغرائبي" جغرافيا وعرقيا وثقافيا، العالمية هي أن نوسِّع مساحة العالم، وبقدر ما نزحزح حدوده الجمالية نكتسب وجودنا الأصيل فيه، لا نكون ضيوفا على الآخرين فيما ابتكروه ولكننا نفتح بابا جديدا للوعي بالذات والعالم، ليس انتشار الأدب العربي دليلا على عالميته، بوصفه خالقًا للعالم، الأدب العربي معولم لأن انتشاره خاضع بشكل أساسي لقواعد السوق والاستهلاك السريع، وليس في كلامي هذا أي مبالغة فلحظة المد الثانية في انتشار الأدب العربي في الغرب كانت الحادي عشر من سبتمبر ولم يكن بطلها هذه المرة كاتبا وإنما إرهابيا هو أسامة بن لادن، يتم استدعاء الأدب العربي لإشباع فضول لحظة " الحدث" الذي سرعان ما يفتر مع انشغال العالم بحدث في مكان آخر، ثم يعود الاهتمام مع عودة العالم العربي إلى صدارة نشرات الأخبار إليه مع حدث مثل الربيع العربي، لنظل رهن الاستدعاء، ليتقزم الأدب العربي وكاتبوه من منتجين للمعنى وللمعرفة الجمالية التي تدفع بالوعي الإنساني نحو قيم الخير والحرية والعدالة إلى مجرد شاهد عيان على واقع غرائبي يتبرأ منه، لقد رأيت بنفسي أسماء كبيرة وصغيرة في عالم الكتابة تتطوع للقيام بدور المحلل السياسي والاجتماعي والنفسي لمجتمعاتهم الموبوءة بالدكتاتورية والتخلف الاجتماعي والتدني الإنساني، وعلى الرغم من أنهم قلة محدودة إلا أنهم احترفوا التجوال في أوروبا التي تحولت بالنسبة لهم من أفق جمالي يتحاورن ويتفاعلون معه لإنجاز طرحهم الجمالي إلى جمهور علينا الانتباه إلى حاجته للتسلية بغرائبتنا السياسية حيث الكتابة عن عوالم الدكتاتورية، أو الحريم، أو المثلية الجنسية، أو غيرها مما يشيع الاهتمام به في وسائل الإعلام الغربية. يكفي أن نلقي نظرة على أغفلة الكتب والفقرة التي تقدم بها دار النشر الكتاب على ظهر الغلاف، كما أشار إليزا فيريرو في ورقة ألقتها في مؤتمر الرواية 2015 ، لندرك طبيعة السلعة التي يتم الترويج لها.

إن هذه الظاهرة بالطبع جزء من التوجه العولمي لتسليع الأدب في كل مكان، والذي يتجلى في ظواهر مثل الأكثر مبيعا التي تتسق مع مجتمع ما بعد الحقيقة، المجتمع الأفقي، حيث احتل الانتشار المكانة التي كانت محفوظة لوقت طويل للعمق في سلم القيم والمعايير، وعلى حين يوفر الجهد الأكاديمي والتنظير الجمالي نوعا من التوازن في السياقات الأخرى بين العمق والانتشار فإننا في حالة الأدب العربي نفتقد لهذا التوازن حيث دأب النقد العربي على اجترار المقولات النظرية للآخر دون إضافة حقيقية لها، كما دأب الأكاديميون الغربيون على إهمال ماهو جمالي في الأدب العربي، والتركيز عليه كمادة للبحث الأنثروبولوجي، يكفي أن نلقي نظرة سريعة على أطروحات الماجستير والدكتوراة في أرشيف أي وزارة للتعليم العالي في أوروبا لندرك ذلك، فنجد من يتحدث عن إرهاصات الربيع العربي في أعمال محفوظ، الحرية والثورة في رواية الكرنك، الجريمة في روايات نجيب محفوظ، وهي كلها دراسات تبحث في الأدب عن أي شيء إلا ما يجعله أدبا.   

هكذا نرى اليوم أن المساحة التي غزاها الأدب العربي بعد نوبل محفوظ في الفضاء العام أصبحت رهينة ما يقع من أحداث ساخنة، أما المساحة التي غزاها في الجامعة فلم تعد تهتم به كأدب ولكن كمادة للبحث في سياق علوم أخرى، وأما الرهان الذي يعلقه الكثيرون على ثقافة ما بعد الحداثة، المعادية للمركزية والرافضة للتهميش، في صناعة هذا التوازن فإنه لا يبشر بالكثير، فالسعي ما بعد الحداثي للخروج من الهامش لا يتوقف عند تدمير المركز المسيطر وإنما يمتد لتدمير أي إمكانية لظهور مركز جديد، الغياب التام للمركز هو الضمانة الوحيدة لعدم العودة للهامش. نحن نبالغ كثيرا في الحماس لمابعد الحداثية عندما نعتقد أنها ستحرر العالم من المركزية الأوروبية وتضفي المشروعية على "جماليات" الثقافات المغايرة لها، حيث يمضي واقع ممارساتها الثقافية في الاتجاه المعاكس، فعدم السماح بظهور مركز جديد يرسخ في النهاية المركز القائم الذي يستمر في ممارسة سلطته غير المباشرة في ترسيخ صورة نمطية لما هو خارجه، فمازال نجاح الأدب العربي في المجتمعات مابعد الحداثية مرهونا بقدر ما يحتويه مضمونه من غرائبية ثقافية أو اجتماعية.

عادة ما يقدم الابداع نفسه بوصفه تجليًا لوعي مؤرق بأسئلة الجمالي في إطار اشتباكه مع الواقعي، وعي متمرد على كل الثوابت التي يمكن أن تحد من حريته في اكتشاف آفاق الذات وعالمها، وعي ثائر على كل الحكايات الأيديولوجية الكبرى التي يمكن أن تعرقل قدرته على الاستجابة لعالم يتغير بسرعة فائقة، ويخلق شروطا فيزيائية واقتصادية واجتماعية وسياسية تفرض علينا يوميا أن نعيد اكتشاف الإنسان والإنسانية؛ هل يجد هذا الإبداع وهذا الوعي مساحة كافية في إطار التلقي الغربي، أم أنه سيتعرض دائما للإقصاء كلما حاول التمرد على إطار الغرائبية التي يتم صبه في قالبها.

إن الانتشار الذي يعتقد الكثيرون أنه خروج من الهامش وانفتاح على العالم ليس إلا المظهر الأكبر – في إطار هذه الشروط – للتهميش.




قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك