سمير مندي يكتب: هل خلق الروائيون صورة مستفزة للسادات؟ - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:14 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سؤال تطرحه رواية: «ليلة فى حياة عبدالتواب توتو»:

سمير مندي يكتب: هل خلق الروائيون صورة مستفزة للسادات؟


نشر في: السبت 12 يناير 2019 - 12:58 م | آخر تحديث: الأحد 13 يناير 2019 - 9:49 ص

د. سمير مُندى ــ محاضر فى الادب العربى

 نجيب محفوظ لخص الموقف من الرئيسين ببراعة حين قال «رئيس فى هزيمته أعظم من هذا فى نصره»
لطيفة الزيات كتبت عن الرئيس بمرارة تجربة الاعتقال

 

كثيرة هى الأعمال الأدبية التى رسمت للزعيم الراحل جمال عبدالناصر بروفيلا يتوزع بين السخط والرضا والتعصب الأعمى. ولم يكن المصريون وحدهم هم الذين ترك عبدالناصر علامة على أدبهم حتى أصبح جيل بأكمله، مثل جيل الستينيات، مقرونا باسمه. إنما كان عبدالناصر حاضرا فى الذاكرة العربية على اختلافها بوصفه بطلا قوميا وملهما لشعوب المنطقة بأجمعها. ولم تفلح صورة الحاكم المستبد الذى أذاق معارضيه ألوانا شتى من القهر، ولا صدمة انهيار طموحاته القومية ووصولها إلى نقطة انطفاء بحلول العام السابع والستين. لا هذا ولا غيره، مما لا داعى للخوض فيه هنا، أفلح فى رفع السحر عن صورة الزعيم كما أرادت أن تنغلق عليها وتسجلها الذاكرة التاريخية والأدبية. مثلما لم يستطع نصر أكتوبر أن يحصد للسادات، نقيضه على كل المستويات، ولو قدر قليل مما حصده عبدالناصر، حتى لو كان هذا القدر اختلافا حوله. فالسادات قار فى الذاكرة الأدبية، لاسيما الرواية والسيرة الذاتية، بصورته المثيرة للاستفزاز والسخط والنفور. سواء على المستوى الشعبى، أو على مستوى النخبة. فلم تستطع الذاكرة الأدبية أبدا أن تغفر للسادات قمعه، مثلما غفرت لعبدالناصر قمعه واستلذت استرجاعه وتذكره. بل إن نصر أكتوبر لم يستطع أن يجلو الغبار الذى عكر مرآة السادات، بقدر ما لم تستطع هزيمة العام السابع والستين بكل ما جللها من انكسار وما ترتب عليها من كوارث، أن تعكر صفو مرآة عبدالناصر. لم يستطع بطل الحرب والسلام أن يقهر بطل النكسة. وبتعبير محفوظ الكاشف فى قصته «يوم قتل الزعيم» 1985م، «الرئيس الراحل فى هزيمته أعظم من هذا فى نصره». عبارة تلخص وضع «الإدانة» التى احتلته صورة السادات، لكنها أيضا تعكس اجتراح شعيرة التكرار الجماعية التى تغذيها ذكرى السقوط التراجيدى لبطل النكسة. هكذا تأتينا صورة خليفة عبدالناصر فى السيرة الذاتية للطيفة الزيات «حملة تفتيش.. أوراق شخصية» 1992م، مقرونة بمرارة حملة الاعتقالات الواسعة التى لم تنجُ منها لطيفة وأخوها محمد الزيات فى سبتمبر 1981م. ورغم تأثر فتحية العسال فى سيرتها الذاتية «حضن العمر» 2014م بسقطة السادات على الأرض إلا أن ذلك لم يستطع أن يمحو شحنة الغضب التى ولدتها قراراته فى نفسها ونفس أصدقائها اليساريين.

 


أقول هذا بمناسبة صدور الطبعة الجديدة من رواية «ليلة فى حياة عبدالتواب توتو» 2018 م لمحمد توفيق. وكانت الرواية قد صدرت فى طبعتها الأولى عام 1996م، لتعيد دار «الثقافة الجديدة» طباعتها فى نسختها الحالية. ولولا بعض المزالق والمشكلات التى اعترضت السرد، لكنا أمام عملٍ فارق على أكثر من مستوى. يستطيع القارئ العادى أن يضع يده على أحد هذه المزالق التى تسبب فيها الطول النسبى للرواية، وانزلاق السرد فى فخ تعدد الأحداث والشخصيات بما يحتاج إلى مناورات سردية وقدرة على النفوذ إلى أعماق الشخصيات وكشف أبعادها. إلا أن ما قلناه لا يقدح فى أهمية الرواية، ولا فى حقها فى أن تُدمج فى الذاكرة الأدبية والنقدية. فمن ناحية تستجيب الرواية لشروط وآفاق الكتابة زمن السبعينيات الذى هو زمن كاتبها وزمن أحداثها على السواء. وبالتالى فلا معنى لأن نحاسبها بحساباتنا أو بحسابات زمن لم يكن قد أهل عليها بعد. ومن ناحية أخرى دفع العزوف عن المضى فيما وراء الشخصيات والحياد النسبى فى سرد الأحداث، بالرواية إلى أفق متميز خاص بها. تبدأ الرواية من حاضرها المتوتر، زمن أوائل الثمانينيات، بحدث المنصة الذى أنهى حياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات. لكن السارد/ البطل لا يلبث أن يندفع بذاكرته إلى الوراء لينقسم السرد على نفسه: ما بين زمن حاضره حادث المنصة وزمن موازٍ له فى الذاكرة حاضرهُ النصف الأول من القرن العشرين تتقلب أحداثه سياسيا واجتماعيا بقيام ثورة الضباط الأحرار وانقلاب الهيراركية الطبقية. أما الزمن الثانى فيتقبل تحولاته جناحا عائلة مصطفى باشا عدلى بطرفيها الأرستقراطى وعلى رأسه زوجته صافى ناز هانم ذات الأصول الشركسية، بينما تقف الحاجة أمينة، زوجته الثانية، فى طرفه المصرى ذى الأصول الريفية الخالصة. وبمضى السرد يصبح زمن السبعينيات نقطة تحول يتلاقى عندها طرفا السرد وزماناه معا.


يمضى السارد بنا عبر الأحداث ساردا حكايته الشخصية بحياد يتنصل، على عكس ما قد نتوقع، من رسم صورة مثقف ثورى أو يسارى يقلقه الشأن العام، بقدر ما يتنصل من أى انحياز سياسى فى فترة مشحونة بالثورات والتوترات. ووسط سرده لقصة حبه لليلة وصراعه من أجل الحصول عليها تتجاور الأحداث والصور لتعصف بالشخصيات دون أن تنجح فى دفع البطل خارج دائرة حبه. ضمن هذا التجاور المحسوب تتجاور صورتا عبدالناصر والسادات. فلا عبدالناصر تمثل فى وعى السارد أو وعى أبطاله بصورته السحرية القارة فى الذاكرة الأدبية والتاريخية. ولا شغل السادات، كالعادة، صورته المشيطنة التقليدية. ففى مقابل سرد حادث المنصة فى إطار نوع من الاستحضار التاريخى الذى يتوخى، لا الشماتة، إنما وضع الحادثة فى سياقها التاريخى من السرد. يجرى سرد أحداث العام السابع والستين وحدث وفاة عبدالناصر خارج إطار المناحة الجماعية المتوارثة. لم يقطع السرد بشىء لا بخصوص هذا ولا ذاك. مثلما لم يقطع بشىء حيال أحداث وشخصيات أخرى كثيرة. وربما يكون هذا الحياد جزءا من استراتيجية القص عموما التى سعت إلى الاستعاضة عن تبنى موقف أو رأى والدفاع عنه برسم بروفيلات لشخصيات فى مقابل بروفيلات نقيضة لشخصيات أخرى.


لاشك أن هذا المقال المتعجل يُسقط الكثير من التفاصيل والجوانب التى يمكن أن تكون موضوعا للنقاش فى سياقات أخرى، لكنه يريد أن يؤكد على ذاكرة بديلة تقترحها الرواية. وهذا هو، فى رأيى، مربط الفرس فى هذا العمل. ذاكرة السبعينيات ملف نحتاج إلى نبشه من منظور آخر، منظور جديد تكف فيه شعيرة التكرار عن الدوران.

اقرأ أيضًا:

الشيخ إمام ونجم فى جامعة 68

 

خالد الخميسى: الكتابة فعل مغامرة.. ولا توجد معايير ثابتة للنجاح

 

 «حى الفنانين» فى هرم سيتى.. «تجربة فى أزمة»

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك