بدر الرفاعي يكتب: الشيخ إمام ونجم فى جامعة 68 - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 5:25 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بدر الرفاعي يكتب: الشيخ إمام ونجم فى جامعة 68


نشر في: السبت 12 يناير 2019 - 12:43 م | آخر تحديث: السبت 12 يناير 2019 - 1:17 م

بدر الرفاعى ــ كاتب ومترجم

كان عام 1968 عاما حاسما فى العالم كله. ففى مايو من ذلك العام، قام طلاب فرنسا بثورة ثقافية سياسية اجتماعية، عمت البلاد وتجاوزتها إلى غيرها من بلاد أوروبا، بل وبلاد العالم. كانت تلك الحركة احتجاجا على الجمود الذى أصاب أوروبا والحاجة إلى التجديد. أما نحن فى مصر، فقد انتفضنا قبل ذلك بنحو ثلاثة شهور. كانت الانتفاضة رد فعل مباشر على أحكام القضاء الهينة التى صدرت ضد قادة الطيران والذين قدموا ككباش فداء للتستر على المسئولين الحقيقيين عن النكسة. لكنها كانت، فى ذات الوقت، تعبيرا عن الرغبة فى تغيير أوضاع كثيرة قادت إلى النكسة، ومحاولات التستر على فشل النظام فى تحقيق تنمية حقيقية وجر البلاد إلى حرب اليمن. كان عمال حلوان هم الذين بدأوا، عندما نظموا مظاهرة احتجاج فى حلوان، تصدت لها الشرطة فقتلت عاملين وأصابت 77 بينما بلغت إصابات الشرطة 146 مصابا. وكان الطلبة من جانبهم يعدون العدة للاحتفال بيوم الطالب العالمى فى ذكرى انتفاضة 21 فبراير 1946. وقد زادت أحداث حلوان من غضبهم. كانت المظاهرات التى خرجت يومها من الجامعات هى الأولى من نوعها طوال حكم عبدالناصر، وفوجئ بها النظام، وهذا ما يبرر زيادة عدد المصابين من رجال الشرطة على المتظاهرين، حسبما ورد ببيان وزير الداخلية حينها. لكن هذا سيتغير بعد ذلك عند التصدى للانتفاضة الطلابية فى 1972.
لم يكن الأمن المركزى قد أنشئ بعد، وكان الجنود (بلوكات النظام) يركبون خيولا ويتسلحون بدروع وعصى. وكانوا غير مدربين تدريبا كافيا. كان النظام واثقا، حتى ذلك الحين، من إحكام سيطرته على الشعب بعد أن قضى على معارضة الشيوعيين والإخوان. وقد اشتد الحماس عندما سمعنا أن طلبة هندسة نجحوا فى «أسر» عربة مطافى بضابطها. وقد لعب شباب وصبية بين السرايات دورا كبيرا فى هذه المظاهرات، حيث أوقعوا إصابات كثيرة بين رجال الشرطة بالحجارة. كما أن المظاهرات لم تقتصر على جامعة القاهرة، بل خرجت جامعتا عين شمس والإسكندرية. صحيح أن أحكام الطيران كانت السبب المباشر وراء التظاهرات، لكن المطالب التى تقدم بها الطلاب كانت تضرب عميقا فى الأزمة التى كانت تعيشها مصر بعد النكسة وتراكمات الحكم البوليسى. كانت المطالب:
(1) الإفراج فورا عن جميع الطلاب المعتقلين.
(2) حرية الرأى والصحافة.
(3) مجلس نيابى حر يمارس الحياة النيابية الحقة السليمة.
(4) إبعاد المخابرات و المباحث عن الجامعات.
(5) إلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف العمل بها.
(6) التحقيق الجدى فى حادث العمال فى حلوان.
(7) توضيح حقيقة المسألة فى قضية الطيران.
(8) التحقيق فى انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة.
واضطر النظام، ولو مؤقتا، للرضوخ، فأعيدت محاكمات الطيران وتشكلت حكومة جديدة، معظمها، للمرة الأولى، من أساتذة الجامعة المدنيين. وبعد قليل، أصدر جمال عبدالناصر ما يمكن أن نعتبره برنامجه الإصلاحى (بيان 30 مارس). وبرغم بقاء الحرس الجامعى، إلا أنه لم يعد يتدخل فى أنشطة الطلاب كما كان الحال سابقا. وصدر قرار جمهورى بلائحة جديدة تمخض عنها اتحاد طلاب مستقل نسبيا.
الأهم من كل هذا أننا تمتعنا بعد المظاهرات بحرية نسبية، عبرت عن نفسها فى ازدهار الأنشطة الثقافية والسياسية. وفى ظل هذا الزخم، كان أول ظهور عام للشيخ إمام ونجم. فقد أقيمت احتفالية فى كلية الآداب لإحياء ذكرى استشهاد تشى جيفارا والمناضل المغربى المهدى بن بركة. كان المتصدر للموضوع زميلنا آنذاك (والشاعر فيما بعد) نبيل قاسم. وقد ذهبت معه إلى عدد من سفارات أمريكا اللاتينية وكذلك فيتنام للحصول على صور ذات علاقة بالمناسبة لعمل معرض صور على هامش الاحتفال. يومها، امتلأ مدرج 78 بالكلية (من أكبر مدرجات الجامعة) بالجمهور عن آخره. وكانت تلك هى المرة الأولى التى يغنى فيها إمام ونجم وسط حشد بهذا الحجم الضخم ويقدمان أغانيهما التحريضية. كان من شأن هذا الحدث ارتفاع شعبية إمام ونجم ولجوء النظام إلى محاولة احتوائهما بدلا من المواجهة معهما. فغنت ليلى نظمى أغنية «ساعة العصارى يا نسايم» وغنى محمد رشدى «دللى الشيكارة» وهما من كلمات نجم وألحان إمام. وفى رمضان عام 1968، قدمت الإذاعة برنامجا يوميا بعنوان «مع ألحان الشيخ إمام» إعداد وتقديم رجاء النقاش. ونشرت صحف الحكومة موضوعا عنهما وصورة لهما وهما بالبيجامة مع خبر عن توفير الحكومة مسكنا لهما. لكن هذا لم يغير من موقفهما أو يخفف من حدة أغانيهما وعاد النظام إلى مطاردتهما.
أما أنا، فقد سبق أن تعرفت على أغانى إمام ونجم عن طريق الحلاق الخاص للأستاذ محمد حسنين هيكل الذى كان على علاقة بأحد أصدقاء أبى وأحضر لنا ذات ليلة جهاز التسجيل الخاص به ليسمعنا أغانيهما. حركت الأغانى شيئا فى داخلى بل وأصابتنى رعدة من جرأتها وطلبت خفض الصوت حتى لا يسمعنا أحد. فقد كانت المرة الأولى التى أستمع فيها لكلمات بهذه القوة والمباشرة التى لا تعرف التورية.
ومما زاد من شهرة إمام ونجم فى ذلك الوقت مقال كتبه الدكتور فؤاد زكريا ونشر بمجلة الفكر المعاصر، وكان بعنوان «ظاهرة الشيخ إمام». ومنذ تلك الاحتفالية، لم تنقطع الصلة بين نجم وإمام وجمهورهما من الطلبة، الذين صاروا من مريديهما وعرفوا طريقهم إلى بيتهما فى خوش قدم. وأصبح إمام ونجم هما المعبران عن آمال وطموحات المصريين فى الانعتاق. وبرغم رحيل الشيخ إمام عاد صوته ليجلجل فى ميدان التحرير فى 2011.. وما زال.
بعد ذلك الحفل، ألقت الشرطة القبض على نبيل قاسم، لكن البوابة كانت قد انفتحت واستمر شلال النشاط الطلابى واكتسب المزيد من الحيوية. فتكاثرت الفرق المسرحية والموسيقية الجامعية فى أكثر من كلية، كما ظهر فى الجامعة آنذاك عدد من الشعراء الذين سيكون لهم وزنهم مستقبلا فى حركة الشعر. وشهدت كلية الآداب أول ناد للسينما، وكان أول عرض له فى مدرج 78 الكبير، الذى اكتظ بالجمهور لمشاهدة فيلم شهير وقتها هو الملاك الأزرق، الذى يعد بداية شهرة الممثلة الكبيرة مارلين ديتريتش.
كما أفرزت تلك الأنشطة كثيرا من نجوم المستقبل فى الفن والثقافة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك