د. ياسر منجي يكتب: ملامح عهد أسرة محمد علي فى مرايا شخوصه - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:04 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

د. ياسر منجي يكتب: ملامح عهد أسرة محمد علي فى مرايا شخوصه

معرض كنوز متحفنا الفنية بقصر عائشة فهمي تصوير احمد عبد الفتاح‬
معرض كنوز متحفنا الفنية بقصر عائشة فهمي تصوير احمد عبد الفتاح‬

نشر في: السبت 9 فبراير 2019 - 12:33 م | آخر تحديث: السبت 9 فبراير 2019 - 1:51 م

على امتداد تاريخ الفن العالمى، جسَدت العلاقةُ بين الفنون وتحولات العهود نموذجا إشكاليا للتفاعُل، بين ظواهر الإبداع الإنسانى ومختلَف تَجَليات القُوَى التى يتوالى بزوغُها على مسرح التاريخ..
وقد لا نجدُ حضورا لأثرِ هذه الإشكالية، بِقَدْر ما نجدُ فى سياق التأريخِ الفنى لحقبة أسرة «محمد على»؛ إذ هى حقبةٌ عانَت – على كثرة ما كُتِبَ عنها، وبرغم الكثافة العددية للأقلام التى تناولَتها – من ضعف التدقيقِ البحثى فيما يتعلق بتاريخ الفن، ومن الثِقة المُفرِطة فى تكرار اللاحقين لما ورد فى كتابات السابقين.
من هنا نشأَت الحاجة إلى وجوب المراجعة، لمحاولة تكوين صورة إجمالية ــ قَدْر المستطاع – لهذه الحقبة، من خلال معرض «ملامح عهد»، المقام حاليا بـ«مُجَمَع الفنون» (قصر عائشة فهمى) بالزمالك، والذى افتُتِح يوم 27 يناير 2019، ويستمر حتى 27 مارس 2019.
يأتى هذا المعرض باعتبارِه ثالث حلقات سلسلة معارض (كنوز متاحفنا)، التى ينظمها «قطاع الفنون التشكيلية» بوزارة الثقافة، استهدافا لإلقاء الضوء على ثروات مصر الفنية، وإتاحة الفرصة للمواطنين وعشاق الفنون للاطلاع على هذه الفرائد، التى طال احتجابها داخل بعض المتاحف المغلقة منذ مدد طويلة، تجاوز بعضُها ربع قرن.
وقد تولى إعداد المعرض وتنسيقه الفنان «إيهاب اللبان»، مدير «مجمع الفنون»، وتولى فريق «الإدارة العامة للترميم» بقطاع الفنون التشكيلية ترميم جميع الأعمال، وإعدادها للعرض على أعلى مستوى من الاحترافية والدقة، بمساعدة فريق عمل شديد الإخلاص والتفانى، من شباب الفنيين والإخصائيين بـ«مجمع الفنون» و«قطاع الفنون التشكيلية» و«متحف الجزيرة». كما شرُف كاتب هذه السطور بتولى مهمة الإعداد البحثى للعرض، وكتابة نَص الدراسة التوثيقية والتأريخية للمعرض.
والمعرض فى عمومِه يقوم على فلسفة عرض أعمالٍ فنية، جَسدَت ملامح شخصياتٍ رئيسية من رموز هذه الحقبة، وتم اختيارُها وفقا لما ترتبط به من دلالاتٍ وأحداث، وكذا لما يمثله بعضُها من قيمةٍ فنية وجمالية.
وبالإضافة لهذه الأعمال المُكَونة لسياق العرض الرئيسى، اشتمل العرضُ كذلك على مقتنياتٍ شخصية، تنتمى لعددٍ من الشخصيات المشار إليها. وهذه المقتنيات تتمثل فى مجموعة من الميداليات التذكارية، ترتبطُ بِدَورِها بسياقاتٍ وأحداث لها دلالتُها فى استكمال السياق العام للعرض. كما تشتمل المقتنيات كذلك على بعض قطع الأثاث والأوانى، ذات الصلة الوثيقة بفلسفة العرض وسياقِه، على المستويَين الجمالى والتاريخى.
والمعرض مصحوب بشروح فنية وتاريخية ووثائقية مستفيضة، من خلال الدراسة المنشورة بالكتالوج المصاحب للمعرض، فضلا عن البطاقات والنصوص الشارحة، وكذلك الشاشات الخاصة الموجودة داخل قاعات المعرض.
ومن الجوانب التى يكشف عنها المعرض – على سبيل المثال لا الحصر ــ اشتمال القِطَع المعروضة على بعض الأعمال الفنية التى أنتجها فنانون ذوو ثِقَل، مِن مشاهير فنانى الغرب. ومن أبرز الفنانين الذين نطالع أعمالهم ضِمن سياق العرض: النحات الفرنسى «شارل كوردييه» (1827 – 1905)، الذى نرى أحد أعماله مُجَسدا فى تمثال نصفى للخديوى «إسماعيل».
ويُعَد «كوردييه» أحد أهم نحاتى القرن التاسع عشر بفرنسا. ويكفى لإدراك أهمية «كوردييه» ومدى شهرته؛ أن نعرف أن الخديو «إسماعيل» استدعاه خصيصا، ليُكَلَف رسميا بنحت تمثال «إبراهيم باشا»، الموجود حتى الآن بميدان «الأوبرا» بالقاهرة – فضلا عن نسخة أخرى موجودة بالمتحف الحربى بالقلعة – وكذلك لنحت هذا التمثال الشخصى لـ«إسماعيل».
ينطبق الأمر نفسه على النحات الفرنسى الشهير «هنرى ألفريد جاكمار» (1824 – 1896)، الذى تلقى دعوة رسمية من الخديو «إسماعيل»، ليتم تكليفه بنحت تمثال «محمد على»، الموجود للآن بميدان «المنشية» فى مدينة الإسكندرية، وهو التمثال الذى نرى أحد نماذجه الأصلية المُصَغَرة ضمن سياق المعرض الحالى، ويُشَخِص الوالى العتيد ممتطيا صهوة جواده.
ولَقِى النموذج النهائى الكبير لتمثال «جاكمار» الخاص بـ«محمد على» حفاوة واهتماما بالغَين فى المجتمع الفرنسى، بعد أن انتهى من نحتِه؛ إذ عُرِض لمدة شهر عرضا علنيا بميدان «الشانزليزيه» عام 1872، مع تمثال «إبراهيم باشا» – السابق ذِكره – الذى نفذه «كوردييه»، قبل أن يُشحَنا بالباخرة إلى مصر.
وكان تنفيذ هذا التمثال سببا فى احتفاء الخديو «إسماعيل» بـ«جاكمار»؛ إذ كَلَفَه بنحت الأسود الأربعة الشهيرة لكوبرى «قصر النيل»، لتوضع فى مَدخَلَى الكوبرى عام ١٨٧٣.
ومن أشهر أعمال «جاكمار» كذلك تمثال «سليمان باشا الفرنساوى» عام ١٨٧٤، الذى كان أحد معالم وسط القاهرة، حين كان قائما فى الميدان الشهير باسمه – «ميدان سليمان باشا» («ميدان طلعت حرب» حاليا) – قبل أن يُنقَل إلى موقعه الحالى، فى الساحة الأمامية للمتحف الحربى بالقلعة.
وخلال الفترة ما بين عامَى ١٨٧٤ و١٨٧٥، نحت «جاكمار» تمثال السيد «محمد لاظ أوغلو بِكْ»، المعروف باسم (تمثال لاظوغلى)، والقائم بالميدان الشهير الذى يحمل الاسم نفسه بوسط المدينة.
غير أن بعض القطع الأخرى سرعان ما تدعونا إلى إعادة تَصَفُح بعض الفصول المأساوية، التى جَرَت وقائعُها خلال مراحل فارقة من تاريخ هذه الأسرة، لِتَنعَكِس انعكاسا مباشرا على مسارات تاريخ مصر الحديث.
ويتجَلى هذا السياق فى أوضح صُوَرِه من خلال أعمال تصويريَة، تجسد شخصيتين، راحت الأولى منهم ضحية واحدة من تلك المآسى الدامية، بينما نجَت الأخرى بأعجوبة، خلال وقائع ضبابية لم تُحسَم أسبابُها الحقيقية بشكلٍ نهائى حتى الآن.
يجسد العمل الأول أولى الشخصيات – وهى الضحية المشار إليها ــ ممثَلة فى شخص الأمير «أحمد رفعت» (1825 – 1858)، الابن الأكبر لـ«إبراهيم باشا»، وشقيق الخديوى «إسماعيل».
كان «رفعت» قد مات غريقا فى حادث مأساوى مُلتَبس التفاصيل، وأنه كان من المفترض، بموجب فرمان الوراثة، أن يتولى حكم مصر بعد الوالى «محمد سعيد» باشا؛ بصفته أكبر أفراد الأسرة سنا، غير أن وفاته الغامضة تلك حالت دون ذلك.
وقد ذهب بعض المؤرخين إلى إمكانية أن تكون هذه الوفاة نتجت عن عملية اغتيال، بل وذهب بعضهم إلى ترجيح احتمالية تورُط شقيقه الأمير «إسماعيل» ــ الخديوى «إسماعيل» لاحقا ــ فى هذا الأمر؛ معتمدين فى ذلك على كون «إسماعيل» المستفيد الأوحد من هذه الوفاة؛ حيث كانت سببا فى تَوَليه الحكم بعد رحيل شقيقه الأكبر «أحمد رفعت».
ثم تأتى الأعمال التالية، لتُجَسد أطوارا مختلفة من حياة البطل الثانى من أبطال هذه المأساة الدامية، وهو الخديو «إسماعيل» (1830 – 1895)، الذى ارتقى بسببها عرش مصر؛ إذ يجسده العمل الأول وهو لا يزال بعد أميرا فى مرحلة الشباب، حين كان «أحمد رفعت» يحجبه عن ولاية العهد. كما توجد أعمال أخرى تجسد «إسماعيل» خلال أزهى مراحل حياته، وهى مرحلة تَوَليه الحُكم، بعد أن صار ملء السمع والبصر شرقا وغربا.
ومِن أهم القطع التى يشتمل عليها العرض الحالى، تمثالٌ من البرونز يجسد شخصية الخديو «إسماعيل»، أفضى فحصُه الدقيق ومراجعة بياناته إلى الكشف عن كونِه نسخة أصلية بالحجم الطبيعى، لتمثالٍ كان مُزمعا إقامته فى ميدان «الإسماعيلية» (التحرير حاليا)، خلال نهاية الأربعينيات من القرن الماضى. ويكتسب هذا الكشف أهمية تاريخية كبيرة؛ نظرا لإماطته اللثام عن مصير هذه القطعة، التى كان كثرةٌ من الكتاب والنقاد والصحفيين قد قطعوا باختفاء كل أثرٍ لها، وذهب كلٌ منهم فى تفسير هذا الاختفاء إلى إيراد أسبابٍ لم تقطع بثبوتِها أدلةٌ حاسمة.
كذلك فقد أثبت هذا الكشف نسبة هذا التمثال إلى الفنان المصرى «مصطفى متولى» (1911ــ 1988)، الذى كثيرا ما كان يجرى إغفال دورِه فى إنجازه، بل وكثيرا ما كانت تجرى نسبة هذا الإنجاز لفنانين أجانب، وهو ما دحضته بيانات السجل الرسمى التى توثق هذا التمثال.
كما تتجلى أهمية هذا الكشف فى حَسمِه لإشكالية تأريخية كانت شائعة ومتداولة بين عددٍ ممن تعرضوا للكتابة حول هذا الموضوع، وهى إشكالية كانت تتمثل فى خلطِهم بين هذا التمثال، وبين شبيهٍ له لا يزال موجودا بالإسكندرية حتى الآن، وهو من أعمال النحات الإيطالى «بيترو كانونيكا» (1869 ــ 1959)، وكان قد أزيح عنه الستار بالإسكندرية عام 1938.
وقد سبق لكاتب هذه السطور أن تطرق لهذه المسألة منذ بضعة أعوام، مؤكدا بالوثائق والصور خطأ هذا الخلط، وكذا خطأ نسبة هذا التمثال لبعض الفنانين الغربيين، ساردا قصة إنشائه المتعثرة، وما اكتنفها من سياقات تاريخية واجتماعية وسياسية؛ وذلك من خلال كتاب «النحات مصطفى نجيب: سيرة مُعَلِم على حوائط الغُربة»، الصادر عام 2014 عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة.
وفى أثناء الإعداد للمعرض الحالى، ومراجعة بيانات السجل الرسمى المذكور، ومضاهاة تكوين التمثال وتفاصيله – وفى مقدمتها توقيع الفنان على القاعدة ــ بما تضمنه الكتاب المذكور من مواد وثائقية وصور أصلية، تأكدت هوية التمثال بما لا يدع مجالا لشك، وبما يحسم أمر تلك المغالطات الشائعة السابق ذكرها.
كذلك تؤكد نماذج عديدة بالمعرض، أن ثمة ولعا بالفنون العربية، لم يقتصر فقط على أبناء هذه الأسرة؛ بل كان يمثل طابعا يكاد يكون عاما فى ذائقة الطبقات العليا من المجتمع المصرى آنذاك. وفى هذا السياق، يتضمن العرض الحالى اثنين من مقتنيات «هدى شعراوى» (1879 – 1947)، رائدة الحركة النسائية المصرية، وهما كرسى خشبى مطعم بالصدف، ومنضدة من الخشب والقيشانى.
ومن التصاوير التأريخية التى يتضمنها العرض، لوحة تؤرخ للحظة توَلى الخديو «توفيق» الحُكم، فى 26 يونيو من عام 1879. ويُلاحَظ أن مفردات اللوحة قد اتَخذَت طابعا أوربيا على نحوٍ ملحوظ؛ وبخاصةٍ فى تقليد وضع الصولجان والتاج على الوسادة المخملية، أُسوة بتقاليد التتويج فى البلاطات الأوروبية العريقة.
كذلك تأتى إحدى منحوتات المعرض لتؤرخ لصدور دستور عام 1923، خلال عهد الملك «فؤاد»؛ وهو ما حدا بالنحات الإيطالى «إرنستو جازيرى» (1866 – 1965) إلى تجسيد شخصية الملك لتنضَح قسماتُه بالزهو، وهو ممسكٌ بوثيقة الدستور فى وضعٍ حركى ناطق بالاعتداد والثقة.
وعلى المستوى التذكارى، نجد العديدَ من الميداليات ذات الطابع السياسى والحربى؛ كتلك التى يمكن من خلالها استعراض محطاتٍ فارقة فى تطور الحملة الفرنسية على مصر.
ومن أهم هذه الميداليات: ميدالية يظهر على أحد وجهيها صورة «نابليون»، وعلى الوجه الآخر نقش يستلهم مشهد وقوفه أمام الأهرام، مرددا عبارته الشهيرة «إن أربعين قرنا من الزمان تطل علينا من فوق هذه الأهرام».
ومن عام 1905، تأتينا ميدالية لإحياء ذكرى وضع حجر الأساس لمتحف بولاق ومصلحة الاَثار المصرية، ويظهر على أحد وجهيها رأس عالم المصريات الفرنسى الشهير «مارييت باشا» (1821 – 1881)، وعلى الوجه الآخر نقش رمزى لاستكشاف «مارييت» لمدفن العجول المقدسة «السرابيوم» بمنطقة سقارة.
ومع هذه المجموعة الفنية المتنوعة، يظل المعرض مفتوحا على آفاق التأمل والبحث، وقابلا لشق المسارات أمام مختلف القراءات، وإتاحة مختلف مستويات الاستدلال، واستيعاب شتى وجهات النظر، وتَقَبُل المؤتَلِف والمُختَلِف من المُقارَبات.
وفى كَنَف كل هذه التفريعات السياقية والتاريخية، بما تُظِلُه من قضايا ومضامين وسرديات وقصص، تظل نغمة الفن صادحة، وصِبغَةُ الإبداع واضحة، لتؤطِر المشهد فى تناغُم، بعد أن استخلصَت منه انعكاسات لملامحِ عهدٍ على مَرايا شُخوصِه.
المعرض مستمر حتى يوم 27 مارس 2019، ومتاح للزيارة يوميا من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساء، عدا أيام الجمعة.

* أستاذ مساعد بكلية الفنون الجميلة - ناقد ومؤرخ فنى

اقرأ أيضًا:

«عائشة فهمى» يستضيف أحفاد محمد على فى افتتاح «متحف ملامح عهد»

صانعه مصري وليس إيطاليا.. حكاية تمثال الخديو إسماعيل من التحرير إلى قصر عائشة فهمي

 

مصورة ونحاتة ورائدة في مجال الفن..قصة الأميرة المجهولة صاحبة الفن الملكي المغمور

معرض كنوز متحفنا الفنية بقصر عائشة فهمي تصوير احمد عبد الفتاح‬



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك